نشرت
صحيفة "
ذي سبيكتاتور" مقالا لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري
كيسنجر، حمل عنوان: "كيفية تجنب حر ب عالمية جديدة".
وقال
كيسنجر في المقال إن الحرب العالمية الأولى كانت نوعًا من الانتحار الثقافي الذي
دمر شهرة أوروبا، حيث سار زعماء أوروبا وهم نائمون - على حد تعبير المؤرخ كريستوفر
كلارك - في صراع لم يكن أي منهم قد دخل فيه لو توقعوا نهاية الحرب في عام 1918.
وأشار
إلى أن دول أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، لم تكن على دراية كافية بكيفية
تعزيز التكنولوجيا لقواتها العسكرية، وشرعت في إلحاق دمار غير مسبوق ببعضها البعض.
وأوضح
أنه نظرا لعدم وجود حل وسط يمكن تصوره، ولأن لا أحد كان يريد أن ينقل انطباعًا
بالضعف، فقد تردد القادة المختلفون في بدء عملية سلام رسمية. ومن ثم سعوا إلى
الوساطة الأمريكية.
ولفت
إلى أنه خلال تنفيذ الوساطات الأمريكية وقع هجوم السوم البريطاني وهجوم فردان
الألماني، اللذان أضافا مليوني ضحية أخرى، لحصيلة الحرب.
وتساءل
إذا ما كان العالم يجد نفسه اليوم عند نقطة تحول مماثلة في أوكرانيا حيث يفرض
الشتاء وقفة على العمليات العسكرية واسعة النطاق هناك؟
وأضاف:
"لقد أعربت مرارًا عن دعمي للجهود العسكرية التي يبذلها الحلفاء لإحباط
العدوان الروسي على أوكرانيا. لكن الوقت يقترب للبناء على التغييرات الاستراتيجية
التي تم تحقيقها بالفعل ودمجها في هيكل جديد نحو تحقيق السلام من خلال المفاوضات".
ورأى
أن أوكرانيا أصبحت دولة رئيسية في وسط أوروبا لأول مرة في التاريخ الحديث. بمساعدة
حلفائها وبإلهام من رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، حيث أحبطت أوكرانيا القوات
التقليدية الروسية التي كانت تتغلب على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وأثارت
هذه العملية نقاشا في القضايا الأصلية المتعلقة بعضوية أوكرانيا في
الناتو. واكتسبت
أوكرانيا واحدة من أكبر الجيوش البرية وأكثرها فاعلية في أوروبا، مجهزة من قبل
أمريكا وحلفائها.
ورأى
كيسنجر أنه يجب ربط عملية سلام أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي، لأن حياد الحلف لم
يعد ذا معنى، خاصة بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، مضيفا: "لهذا السبب،
في مايو الماضي، أوصيت بإقامة خط لوقف إطلاق النار على طول الحدود القائمة حيث
بدأت الحرب في 24 فبراير".
ولفت
إلى أن
روسيا كانت تتخلص من فتوحاتها، ولكن ليس الأراضي التي احتلتها منذ ما يقرب
من عقد من الزمان، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، إذ يمكن أن تكون تلك الأرض موضوع
مفاوضات بعد وقف إطلاق النار.
ورأى
أنه إذا كان الخط الفاصل قبل الحرب بين أوكرانيا وروسيا لا يمكن تحقيقه عن طريق
القتال أو عن طريق التفاوض، فيمكن استكشاف اللجوء إلى مبدأ تقرير المصير.
ويمكن
تطبيق الاستفتاءات التي يتم الإشراف عليها دوليًا والمتعلقة بتقرير المصير على
المناطق الخلافية بشكل خاص والتي تم تغييرها مرارًا وتكرارًا على مر القرون.
وبين
أن الهدف من عملية السلام سيكون ذا شقين: تأكيد حرية أوكرانيا وتحديد هيكل دولي
جديد، خاصة لأوروبا الوسطى والشرقية. في النهاية يجب أن تجد روسيا مكانًا في مثل
هذا الترتيب.
وبحسب
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، فإنه لا ينبغي التقليل من دور روسيا التاريخي، فقد
قدمت مساهمات حاسمة في التوازن العالمي وتوازن القوى لأكثر من نصف ألف عام، لكن النتيجة
المفضلة للبعض هي أن روسيا أصبحت عاجزة بسبب الحرب الأوكرانية.
ونبه
إلى أن النكسات العسكرية الروسية لم تقض على نفوذها النووي العالمي، مما مكنها من
التهديد بالتصعيد في أوكرانيا.
وحتى
لو تضاءلت هذه القدرة، فإن تفكك روسيا أو تدمير قدرتها على السياسة الإستراتيجية
يمكن أن يحول أراضيها التي تضم 11 منطقة زمنية إلى فراغ متنازع عليه.
بينما
يسعى قادة العالم لإنهاء الحرب التي تتنافس فيها قوتان نوويتان مع دولة مسلحة
تقليديًا، يجب عليهم أيضًا التفكير في التأثير على هذا الصراع وعلى الإستراتيجية
طويلة المدى للتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
الأسلحة
ذاتية الحركة موجودة بالفعل، وهي قادرة على تحديد وتقييم واستهداف التهديدات
المتصورة الخاصة بها، وبالتالي فهي في وضع يسمح لها ببدء حربها الخاصة.
بمجرد
عبور الخط إلى هذا المجال وتصبح التكنولوجيا العالية أسلحة قياسية - وتصبح أجهزة
الكمبيوتر هي المنفذ الرئيسي للإستراتيجية - سيجد العالم نفسه في حالة ليس لديها
مفهوم ثابت حتى الآن.
كيف
يمكن للقادة ممارسة السيطرة عندما تصف أجهزة الكمبيوتر التعليمات الإستراتيجية على
نطاق وبطريقة تحد بطبيعتها وتهدد المدخلات البشرية؟ كيف يمكن الحفاظ على الحضارة
وسط هذه العاصفة من المعلومات المتضاربة والتصورات والقدرات التدميرية؟