منذ عقود ومنذ كنت عضوا في البرلمان
التونسي من 1980 إلى 1986 لم أتعب من
القول بأن كل قانون هو كائن اجتماعي حي يتعدل ويتطور ويتحور حسب التحولات الطبيعية
التي تطرأ على المجتمع ومن واجب نخبة المجتمع تعديله أو تطويره أو تحويره إنما نحن
الوحيدون في تونس لا نمس القوانين حتى الصادرة عام 1919 مثل قانون تجريم توريد
الذهب الذي سنته سلطات الاستعمار الفرنسي لمنع التونسيين من امتلاك الذهب وإلى
اليوم يحاسب كل من يجلب كمية من الذهب إلى تونس رغم أنه سيثري بها رصيد الدولة!
(وشكرا للأستاذ المحامي الطاهر بوسمة الذي أثار هذا الموضوع) والأخطر مجلتنا
الجزائية تعود الى 1913 سنها المستعمر لصيانة مصالحه وهي ضد مصالح أهل البلاد!!
أما في قانون الأسرة فتتسابق "نخبتنا" إلى كسب أصوات النساء
(في الواقع صنف واحد من النساء) برفع شعار (مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر ومكسب
عظيم) بمن فيهم أحزاب المرجعية الإسلامية التي أمسكت ببعض خيوط السلطة ففرطت في
ثوابتها وخاضت مع الخائضين قائلة (إنها خط أحمر)!!
وما زلت يوميا أكتشف الدرر السنية التي انفرد بها مجتمعنا والتي
فرضها على الناس هذا القانون المختوم بخاتم آخر ملوك تونس محمد الأمين باشا باي
رحمة الله عليه بينما عزله بورقيبة عن عرش آبائه وأجداده بتهمة الرجعية والتخلف!
وهو الموقع بيده على هذا القانون وآخر هذه الدرر أن امرأة تونسية أعلنت منذ أسبوع
في فيديو على حسابها الفيسبوكي أنها.. تستعد للزواج برجلين إثنين!! وهي حسب قانون
الأحوال الشخصية التونسية على حق (حق قانوني أقصد) لأن قانوننا منع تعدد الزوجات
وأغفل تماما تعدد الأزواج للمرأة!
والدرة الثانية ما قرأه الناس على صفحات جريدة (الصباح) التونسية
ليوم 22 شباط (فبراير) 2015 حيث جاء في الجريدة عنوان هو (رجل تزوج من بنت أخته)
ونقرأ في الخبر حرفيا: (تمكنت الشرطة العدلية بالسيجومي "ضواحي تونس" في
تموز (يوليو) 2014 من إلقاء القبض على زوجين يسكنان مسكنا في حظيرة بناء وبالتحقيق
معهما تبين أن الزوج هو خال الزوجة! وأصدر حاكم التحقيق بمحكمة تونس الثانية قرارا
يقضي بحفظ جميع التهم في حق المشتبه بهما (أي الزوج الخال والزوجة بنت الأخت) وذلك
لعدم وجود جريمة زواج المحارم في قانوننا (المكسب البورقيبي) ومعتبرا بأن ما جاء
به قانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة آب (أغسطس) 1957 ومجلة الأحوال الشخصية لم
يحرما صراحة زواج المحارم!!!
واكتفت مجلة الأحوال الشخصية التي هي (خط أحمر وما تزال كذلك عام
2022).. اكتفت تنصيصا على بطلان الزواج، حيث انتهي القاضي الذي تعامل مع هذه
القضية إلى عدم وجود الركن الشرعي للجريمة. انتهى الخبر كما أوردته جريدة
(الصباح).
هنا أسأل تلك النخبة المدعية الحداثية النسوية المتطرفة: "هل
نبادر بإصلاح هذه
النقائص في قانون الأحوال الشخصية أم نواصل رفع عقيرتنا بالشعار
المزيف (خط أحمر ولا تقربوها) جلبا لأصوات التونسيات الغافلات؟
الدرة الثالثة التي انفردنا بها دون العالمين هي أن أي شاب تونسي
يتزوج من ابنة عائلة كريمة يحبها وتحبه فإذا بها عاقر بإرادة الله وحده فيضطر حسب
المجلة المحروسة أن يطلقها (للضرر!) عوض أن يحتفظ بها وهي ذخر وأمانة ويتزوج من
امرأة ولود فتنجب أولادا يتربون مع والدتين اثنتين (أم بيولوجية وأم عاطفية) وقد
عرف جيلي وعايش حالات كثيرة من هذا التوازن الإنساني والتراحم الأسري ورأينا كيف
كانت الأم العاطفية أما بأتم معنى الكلمة والأولاد إلى آخر رمق في حياتهما ينادون
الأم البيولوجية بعبارة (أمي) والأم العاطفية بعبارة (أميمة) تقديرا لها ولسهرها
وحدبها على أولاد زوجها!
بعد 66 عاما من (تحرير المرأة) نجد مع الأسف أن بلادنا تحتل المرتبة الأولى في نسبة الطلاق والمرتبة الأولى في نسبة العنوسة والمرتبة الأولى في نسبة الأمهات العازبات والمرتبة الأولى في نسبة الإجهاض غير المبرر بالإضافة إلى المراتب المتقدمة في الأمراض النفسية والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات!
وأنا أطلب فقط ممن يتطرف في العلمانية الغربية المائعة أن يفكر في
ابنته هو نفسه لعل الله قدر لها أن تكون عاقرا فأي الحلين أكثر رحمة ومروءة: هل هو
احتفاظ الزوج بالأولى أي ابنتك وإكرامها بأسرة وعش هادئ في الحلال أم الحل المفروض
علينا بقانون جائر (لأنه جامد!) والذي يقضي برمي الزوجة البريئة في الشارع
وحرمانها من الأمومة العاطفية ودفعها للدعارة لا قدر الله! أترك الجواب لضمائر
القراء الأفاضل وضمائر تلك الأقلية المتمكنة من المنابر والصراخ الذي لقنتهم إياه
ضيفتهم نوال السعداوي التي ألقت محاضرات في تونس قبل وفاتها رحمها الله!
أما الدرة الأخيرة والتي حيرتني وتحير كل من يطلب الحقيقة هي أن
التيار العلماني لم يفسر لنا إلى اليوم التناقض الصارخ بين الغايات التي رمى اليها
هذا القانون عام 1956 وبين واقع الحال أي النتائج الملموسة في المجتمع التونسي.
فهم يقولون: "إن بورقيبة حرر
المرأة وأن المرأة التونسية هي الوحيدة في
العالم العربي والإسلامي التي تتمتع بحقوق لم تتمتع بها حتى السويديات
والدينماركيات ولكننا بعد 66 عاما من
(تحرير المرأة) نجد مع الأسف أن بلادنا تحتل المرتبة الأولى في نسبة الطلاق
والمرتبة الأولى في نسبة العنوسة والمرتبة الأولى في نسبة الأمهات العازبات
والمرتبة الأولى في نسبة الإجهاض غير المبرر بالإضافة إلى المراتب المتقدمة في
الأمراض النفسية والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات!
وهذه الحقائق يمكن الرجوع إليها في إحصاءات رسمية نشرها الديوان
الوطني للأسرة والعمران البشري ومصالح وزارة الصحة وبعض المنظمات المستقلة. إنني
أطرح هذه المشاكل الاجتماعية العسيرة من منظور مواطن يشعر بمسؤولية إبداء
رأيه
راجيا مناقشتي علميا حتى يتغير هذا المنكر المتمثل في الانعكاسات السلبية في
القانون وهو خلل يعالج بهيئة من الخبراء وعلماء الاجتماع والقضاة. والله من وراء القصد.