التبادل.. الخيار الأنجع أمام الفلسطينيين لتحرير الأسرى وإنقاذهم

تنذر انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة بحق الأسرى الفلسطينيين بزيادة معاناتهم، وتضاعف احتمالات وقوع المزيد من الوفيات في صفوفهم، خاصة بين الأسرى المرضى وكبار السن ممن أمضوا عشرات السنين داخل سجون الاحتلال، ما يفتح الباب للسؤال عن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين من أجل إنقاذ الأسرى من موت محقق.

وفجر الثلاثاء 20 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أعلن عن استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، بعد دخوله في غيبوبة، جراء تدهوره صحته بفعل مرض السرطان الذي يعاني منه، وسياسة الإهمال الطبي التي يتعمدها الاحتلال في حربه ضد الأسرى.

ويقبع نحو 6 آلاف أسير فلسطيني في عدة سجون إسرائيلية، بينهم نحو 600 مريض، منهم 22 يعانون من مرض السرطان والأمراض المختلفة الخطيرة، حيث يرفض الاحتلال الإفراج عنهم أو حتى منحهم الخدمة الطيبة والعلاج المناسب لحالتهم الصحية.

بلورة استراتيجية كفاحية 


وعن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين لتحرير الأسرى وإنقاذهم من الموت المحقق داخل سجون الاحتلال، التي تفتقد لأدنى المقومات الإنسانية، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس: "لقد أوصدت كل الأبواب، ولم يعد أمامنا سوى خيار واحد فقط، هو مقاومة الاحتلال".

وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21": "لا توجد نوافذ أمل غير أن يستعيد الشعب الفلسطيني ثقته بنفسه وقدرته على توفير مظلة حماية لنفسه ولأبنائه داخل السجون الإسرائيلية"، مؤكدا أنه "لا يمكن التعويل على أي شيء آخر".

ولفت فارس، وهو أسير محرر، إلى أن "البعض يكثر الحديث عن المجتمع الدولي والقانون والقضاء الدولي، لكن شعبنا جرب المؤسسات الدولية طيلة 75 عاما، لم ينفذ أي قرار اتخذ بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وبقيت مكدسة على الرفوف"، متسائلا: "كيف لنا اليوم أن نعول أو نتوقع منهم خيرا بعد كل هذه التجربة الطويلة والمريرة؟".

وقال: "لقد جربنا عندما خضنا الصراع مع الاحتلال، كيف تمكنا من إحداث تغيير وتحولات على صعيد الموقف الدولي وعلى أصعدة كثيرة، اليوم وبعدما التأكد من عدم وجود عملية سياسية، كما لم تعد هناك أي آمال بأن يحقق الشعب الفلسطيني أيا من حقوقه من خلال الحوار والمفاوضات، بعد أن أثبت المجتمع الدولي عجزه الكامل، بقي أمامنا الخيار الوحيد؛ أن نكافح ونقاوم هذا الاحتلال".

وردا على سؤال "عربي21": "مما سبق، ألم يتبق أمام الشعب الفلسطيني سوى عمليات تبادل الأسرى؟"، أجاب رئيس نادي الأسير الفلسطيني: "نعم بكل تأكيد، قضية تحرير الأسرى كانت دائما على مدار سنوات النضال الفلسطيني موضوعا مدرجا على جدول أعمال الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية، ونجحت في إتمام مجموعة من عمليات التبادل".

وأفاد بأنه "يوجد في سجون الاحتلال الآن 320 أسيرا فلسطينيا أمضوا أكثر من 20 عاما، وعشرات الأسرى الذي أمضوا أكثر من 30 عاما داخل السجون، وهذا يعني أن الحركة الوطنية الفلسطينية مدعوة لأن تعيد ترتيب جدول أعمالها، وأن تتموضع قضية الأسرى في صدارة الاهتمام الوطني، وأي شيء غير ذلك يعني أننا سنتحول إلى منتظرين لاستقبال أسرى شهداء جدد، حتى لم يعد متاح لنا استقبالهم، لأن إسرائيل تبقي جثامينهم رهانا لديها محتجزة في الثلاجات، في إطار سلوك لا يشبه سلوك عصابات الإجرام في أي مكان في العالم".

وناشد فارس كافة أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية من كافة الفصائل، بأن "تجلس إلى كلمة سواء، وأن تبلور استراتيجية وطنية كفاحية جديدة، تضع بموجبها قضية الأسرى على رأس سلم أولوياتها".

ما هو الخيار الأنجع؟


من جانبه، أوضح رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية التابع لجامعة القدس، أحمد رفيق عوض، أن "أسلوب المبادلة والمقايضة هو الذي يظهر على السطح، أي أسر جنود إسرائيليين والمبادلة بهم".

وبين في حديثه لـ"عربي21"، أن "الخيار الذي لا يظهر على السطح هو خيار التسوية السلمية، الذي يقضي بتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، والخيار التالي هو وجود حراك ميداني حقيقي يطالب بإطلاق سراح الأسرى، والرابع، هو الحراك الدولي والدبلوماسي، وأخيرا الحراك داخلي السجون، وكل هذه الخيارات على أرض الواقع في الحقيقة لا تثمر".

وأضاف عوض: "لكن كي نكون واقعيين، إسرائيل لا ترد على أي جهة، لهذا السبب، إسرائيل علمت الشعب الفلسطيني أنه من أجل تحرير الأسرى لا بد من أن يكون هناك عمليات تبادل، وهذا حصل قديما وحديثا"، منوها بأن "الاحتلال لا يؤمن إلا بالقوة".

وشدد على أهمية "عمليات التبادل من منطلق القوة والندية، من دون ذلك تبقى الأمور صعبة، وجيش الاحتلال سيواصل الاعتقالات دون حساب"، مؤكدا أن "دروس التاريخ والأحداث المختلفة تعملنا أن الأسلوب والخيار الأنجع والأفضل من أجل تحرير الأسرى، هو عمليات التبادل من منطلق القوة، وهذا أيضا قياسا بالحالات التاريخية وما يجري حولنا؛ حيث تتبادل الدول الأسرى، وكذلك الحركات الثورية".

وقال الخبير السياسي: "لا يمكن إطلاق سراح أحد إلا بمقابل وفائدة، وإسرائيل لا يمكن أن تطلق سراح الأسرى الفلسطينيين إلا بعد الحصول على فائدة ما، وكلنا شاهد كيف رفضت إسرائيل إطلاق سراح الشهيد الأسير ناصر أبو حميد، حتى وهو يحتضر، وبعد ذلك أبقت على جثمانه".

ونبه بأن "إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق سياسي ينص على تحرير الأسرى، وهي تفرغه من مضمونه، حتى أنها قامت بإطلاق سراح أسرى وأبقت آخرين، ولم تلتزم بما تم الاتفاق عليه مع السلطة"، منوها بأن "إسرائيل استطاعت أن تفرض مفاهيم لم نتمكن من الرد عليها مثل؛ أسرى على أيديهم دماء، قبل أوسلو وبعدها، أسرى غزة والضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، علما بأنهم جميعا أسرى الثورة الفلسطينية".

وخلص عوض إلى أن "الخيار الأول هو التبادل، والثاني وجود اتفاق سياسي حقيقي يقضي بتبيض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، مع وجوب التأكيد بأنه لا اتفاق سياسيا جديدا دون تبيض جميع السجون، وهذا لم يحصل".

صفقات التبادل


وجرت أول عملية تبادل بين للأسرى الفلسطينيين بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1968، وذلك بعد نجاح مقاومين ينتمون للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، وكان على متنها مئة راكب.

وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في إحصائية خاصة لـ"عربي21" وصلت سابقا، أن عدد صفقات التبادل بلغ 39 منذ 1948، وحتى تشرين الأول/ أكتوبر، مبينة أن أول صفقة تتم داخل فلسطين المحتلة هي "صفقة شاليط"، التي عرفت باسم صفقة "وفاء الأحرار".

وأشارت الهيئة إلى أن أول دولة عربية بدأت صفقات التبادل هي مصر، في شباط/ فبراير 1949، وفلسطينيا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1968، وحركة "فتح" أنجزت أكبرها عام 1983، وأزخمها كان على يد القيادة العامة عام 1985، وآخرها حركة "حماس" عام 2011.

وبلغ إجمالي الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم 7063 أسيرا في الفترة السابقة ذاتها، ويبقى أمل قرابة 7000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال في إتمام صفقة جديدة بين كتائب الشهيد عز الدين القسام، التي اختطفت الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون.