رغم العدوان الإسرائيلي المتواصل على سوريا في السنوات العشر الأخيرة بزعم التصدي للوجود العسكري الإيراني فيها، لكن دبلوماسيا إسرائيليا انخرط سابقا في
المفاوضات السورية الإسرائيلية زمن الرئيس السابق حافظ
الأسد يقترح استئنافها، لوجود تقاطع مصالح بين الجانبين.
غدعون بيغر العالم الجغرافي والمؤرخ بجامعة تل أبيب، ذكر أن "طرح فكرة السلام مع سوريا، والآن، تبدو صادرة عن إنسان فقد عقله، في ضوء عدم وجود من سيوافق حتى على طرحها، باعتبارها فكرة سخيفة، مع أنها ليست كذلك، وفي رأيي ومعي آخرين لديها إمكانية التحقيق، لأن سوريا ما زالت تعاني من مشاكل كثيرة، ولا تزال الحرب الأهلية مستمرة، وإن كانت بكثافة منخفضة، وأجزاء منها يسيطر عليها معارضو النظام، ومناطق أخرى تحت سيطرة تركيا".
وأضاف بيغر مسؤول ملف الحدود في المحادثات مع السوريين في قمة شيبردستاون بالولايات المتحدة عام 1999، التي جمعت الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، أن "الرئيس بشار الأسد تحت سيطرة روسيا وإيران، فيما تهاجم إسرائيل أراضيه بحرية تقريبا، وفوق كل هذا يتجول ملايين اللاجئين السوريين حول العالم، ولا تزال المدن السورية مدمرة، واقتصادها متزعزع، وعلاقاتها الدولية مفككة، ويمكن حل معظم هذه الأمور إذا توصلت سوريا فقط لاتفاق سلام مع إسرائيل، بحيث ستنسحب إيران وروسيا، ويعود اقتصاد البلاد بمنح من أوروبا والولايات المتحدة".
وأشار في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" إلى أن "مثل هذا الاتفاق كما أنه مفيد لسوريا، فهو كذلك لإسرائيل، مع أن جذور صراعهما تكمن بسيطرة الأخيرة على مرتفعات
الجولان، وفي الماضي أبدى أربعة رؤساء وزراء مختلفين: إسحق رابين، بنيامين نتنياهو، إيهود باراك، وإيهود أولمرت، استعدادهم بمبدأ إعادة الجولان، أو معظمه مقابل سلام كامل، وكادت إسرائيل أن تتوصل لاتفاق، ومن المحتمل أنها كانت ستفعل ذلك لولا اليد التي تجمدت في اللحظات الأخيرة، لكنه كان ممكنا من خلال انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان، وإجلاء مستوطنيها الذين يعيشون فيها وعددهم 30 ألفا".
وأكد أن "مثل هذه الخطوة ستكون صدمة كبيرة بالنسبة للإسرائيليين، لكنهم مرّوا بهذا بالفعل مع عودة شبه جزيرة سيناء إلى مصر، وإخلاء قطاع غزة، لأن الفائدة المرجوة من مثل هذا الاتفاق مجزية من عدة جوانب، فأولاً وقبل كل شيء إزالة التهديد القادم من الجبهة الشمالية، بحيث لن يقف حزب الله ولا الجيش السوري بمواجهتنا، وستفقد إيران موطئ قدمها في سوريا، وتنضم الدول العربية للتسوية، حتى لو لم يكن الفلسطينيون جزءًا منها، كما حدث بالفعل في اتفاقيات التطبيع مع مصر والإمارات والبحرين والمغرب، فضلا عن خفض العبء المالي العسكري الإسرائيلي، وتحويله للموارد الداخلية".
أكثر من ذلك، فإن المفاوض الإسرائيلي ينصح "نتنياهو بالاستعانة سراً بخبراء الشؤون السورية كالبروفيسور إيال زيسر لأنه يعرف بشار الأسد أفضل من معظم السوريين، والبروفيسور إيتمار رابينوفيتش والجنرال أوري ساغيه اللذين فاوضا السوريين سابقا، وكما أرسل سابقا رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن وزير خارجيته موشيه ديان لمحادثات سرية مع ممثلين مصريين قبل الكشف عن محادثات السلام مع أنور السادات، فقد يرسل نتنياهو وزير خارجيته إيلي كوهين لاجتماعات سرية في الشرق الأوسط وأوروبا مع المسؤولين السوريين، ومن يعلم، فقد يفوز بجائزة نوبل للسلام".
وليست المرة الأولى التي تصدر فيها دعوات إسرائيلية لإنجاز اتفاق سلام مع سوريا، فقد سبقها تقديم الاحتلال لعرض إلى سوريا في 2009 لبحث مستقبل الجولان، يتم بموجبه تبادل أراض تشمل هضبة الجولان بتدخل من الأردن والسعودية، وقضت الوساطة الأمريكية في حينه بأن يتم التنازل الإسرائيلي عن معظم التجمعات الاستيطانية في الجولان، أما الأردن فتنقل أراضي منها لسوريا، مقابل أن تبقى بعض المناطق في الجولان بأيدي الاحتلال، لكن دمشق رفضت العرض.
الغريب أن أربعة من رؤساء الحكومات الإسرائيلية أبدوا استعدادا للتنازل عن الجولان، اثنان من حزب العمل هما رابين وباراك، واثنان من الليكود هما أولمرت ونتنياهو، الذي أجرى في 2010 و2011 مفاوضات جدية غير مباشرة مع الأسد، للتنازل عن الهضبة، لكن ما حصل من أحداث بعد 2011 دفع الاحتلال للتمسك بالجولان، ودعوة المجتمع الدولي للاعتراف بسيادته عليها، كونها منطقة استراتيجية، والتنازل عنها يضعف كل الحدود الشمالية الإسرائيلية، ويحولها لتهديد دائم على الاحتلال.