يلقب
بـ"عراب
اتفاق الطائف" و"أبو اتفاق الطائف"، رجل رصين ومعتدل
ومهذب، يتقن فن البرتوكولات بشكل لافت.
كان طوال فترة
عضويته بالبرلمان
اللبناني نائبا مستقلا، لا ينتمي لأي تكتل سياسي، ولم يوال أي
جنرال حرب.
صنع مسيرة
سياسية وتشريعية شكلت بصمة وعلامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية أثناء وبعد
الحرب الأهلية اللبنانية.
حسين
الحسيني
المولود في عام 1937 في بلدة شمسطار قضاء بعلبك، صاحب نهج وطني وعروبي، حاصل على
شهادة دبلوم في إدارة الأعمال من جامعة القاهرة عام 1963.
انضمامه إلى
سوق العمل سبق دراسته الجامعية بسنوات فقد عمل قبل الدراسة في الفترة ما بين عامي
1956 و1963 مديرا لإدارة شركة توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية في مدينة بعلبك.
ورأس منذ عام 1957 إلى عام 1998 بلدية شمسطار، وشيد على نفقته مبنى البلدية.
انتخب عضوا في
البرلمان عام 1972 عن بعلبك الهرمل، وانتخب في جميع الدورات التي تلت ذلك حتى
تاريخ استقالته في عام 2008، في خطوة شكلت مفاجأة واعتبرت غير مسبوقة، بالإعلان
عنها خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة فؤاد السنيورة، إذ توجه آنذاك بقوله:
"أمام حقيقة أن السلطة قادرة إذا أرادت، وحقيقة أنها حتى الآن لا تريد، أعلن
استقالتي من عضوية هذا المجلس".
كان مشغولا
طوال حياته بالشأن اللبناني والعربي، فقد شارك الإمام موسى الصدر الذي اختفى أثناء
زيارته لليبيا، في تأسيس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، وحركة
"أفواج المقاومة اللبنانية- أمل" عام 1973، وترأس الحركة منذ عام 1978
إلى عام 1980 بعد اختفاء الإمام الصدر، ثم ما لبث أن انفصل عن "حركة
أمل" التي عرفت في بداياتها بـ"حركة المحرومين".
كما أنه شارك في
تأسيس الهيئة الوطنية للمحافظة على الجنوب عام 1977، وانتخب رئيسا لمجلس النواب
اللبناني ما بين عامي 1984 و1992 بعد نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، وكانت له
مساهمة كبيرة بالتوصل إلى "اتفاق الطائف" لحل الأزمة اللبنانية.
ورأس الحسيني
النواب اللبنانيين في اجتماعهم الذي عقد في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية
في عام 1989 الذي صدرت عنه "وثيقة الوفاق الوطني" التي عرفت
بـ"اتفاق الطائف". وكان للحسيني دور كبير في هذا المنجز الوطني اللبناني
والعربي الذي أخرج لبنان من دوامة العنف والحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، ما
جعل كثيرا من اللبنانيين، يطلقون عليه لقب "عراب الطائف" أو "أبو
الطائف".
ولم ينخرط
الحسيني في الصراع بين قوى "8 آذار" وقوى "14 آذار" اللتين
برزتا بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان.
ولم يخرج من
تحت عباءة الحرب الأهلية، ولم يحمل البندقية في وجه أي لبناني أو عربي، وتميزت
مسيرته بمواقفه المستقلة، وانتقاده سياسات الحكومات المتتالية لعدم تطبيقها بنود
اتفاق الطائف، رافضا تشويه وجه لبنان الحضاري وتحجيم دوريه العربي والدولي، أو جره
إلى أي محور عربي ودولي.
أدى دورا
وطنيا وحدويا بارزا في أحداث لبنان وتميز بالاعتدال والبعد عن المغالاة وعن كل ما
من شأنه إثارة الفتنة. وفي خطوة مشابهة لتلك التي اتخذها في عام 2008، انسحب من
الانتخابات النيابية عام 2018، قبل إغلاق باب تسجيل اللوائح الانتخابية. وضمت
لائحته شخصيات من الطائفة الشيعية معارضة لـ"
حزب الله" و"حركة
أمل".
ألقى الحسيني
عدة محاضرات، وشارك بعدة ندوات في لبنان والعالمين العربي والإسلامي وأوروبا
والولايات المتحدة الأمريكية، حول الأزمة اللبنانية. وكانت له كتابات وآراء في
الشؤون السياسية والتاريخية والاجتماعية والتنموية، بجانب مجموعة من الإصدارات التي
كتبها أو تحدثت عنه والتي أثرت المكتبة العربية.
توفي حسين
الحسيني عن 85 عاما صباح 11 كانون الثاني/ يناير الحالي، بعد عارض صحي دخل على
أثره مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت للعلاج. وأسلم الروح إثر إصابته بإنفلونزا
حادة استدعت نقله إلى غرفة العناية الفائقة.
اتخذ
"أبو علي" موقفا قوميا صلبا من القضية الفلسطينية، وكان يؤكد دائما على
أن "جريمة الاحتلال بحق فلسطين هي جريمة العصر، وتضامن لبنان مع الشعب
الفلسطيني هو تضامن مع الذات، وواجب اللبنانيين الدفاع عن النفس من خلال دفاعهم عن
فلسطين، لأن ضياع الحق الفلسطيني، سيؤدي إلى ضياع كل الحقوق العربية".
رحل بعد مسيرة
تميزت بمواقفه المستقلة بعيدا عن عباءة "حزب الله" و"حركة
أمل"، بل إنه لم يتوان عن انتقاد مواقف وممارسات "حزب الله"، مؤكدا
أنه "لا خلاف حول المقاومة ضد إسرائيل التي تحتل أراضي لبنانية، ولكن الخلاف
هو حول ما يقوم به حزب الله"، قائلا: "لسنا مع احتكار المقاومة
بما ومن يمثل في الطائفة الشيعية وفي غيرها، ونحن مع تعميم المقاومة".
ويرى أن
"حزب الله هو حزب ديني ونحن نريد الدولة المدنية التي تؤمّن حرية الاعتقاد
المطلقة"، فيما عبر عن رفضه التدخل في الشأن السوري.
وترى بعض
التحليلات أن التحول الشيعي الحاسم كان بدخول "حزب الله" البرلمان وصعود
الحزب كقوة في الحياة السياسية مع "حركة أمل" بزعامة نبيه بري رئيس مجلس
النواب وتشكيلهما قوة شيعية متحكمة في المشهد بأكمله، قد أزاحت الحسيني المعتدل من
الواجهة.
رحل من آمن
بالدستور وأحكامه وبدولة القانون ومؤسساتها وفي حماية الحريات العامة، وأحد عقلاء
السياسة اللبنانية في وقت يحتاج فيه لبنان إلى صوت العقل والرصانة والاعتدال بعيدا
عن المناكدات والمناكفات السياسية والطائفية.