نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا للباحث هنري روم، أشار فيه إلى أن
الميزانية الجديدة التي اقترحها الرئيس، إبراهيم رئيسي، تتجنب الإصلاحات الصعبة التي يحتاجها
الاقتصاد الإيراني.
وأوضح في
التقرير، أنه في 11 كانون الثاني/ يناير، قدم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مشروع ميزانية العام المالي الجديد 2023-2024 إلى "المجلس النيابي" في إيران. وتمت صياغته وسط أشد
الاحتجاجات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ إنشائها في عام 1979.
وذكر التقرير أن مشروع الميزانية لم يتضمن أي بوادر حسن نية في مجال الاقتصاد تجاه الشعب، كما تجنب الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تساعد في كبح جماح التضخم ودفع عجلة النمو.
انعدام الإجماع على الخيارات الصعبة
وأدى انتخاب رئيسي عام 2021 إلى ترسيخ الحكم المتشدد في جميع مراكز السلطة في إيران، وقد توقع بعض المراقبين أن تؤدي السيطرة الموحدة إلى اتباع سياسات خارجية ومحلية أكثر تماسكاً. وقد حدث ذلك في البداية.
وعلى سبيل المثال، أطلق فريق رئيسي حملة فعالة إلى حد كبير لاستيراد اللقاحات الأجنبية لوباء فيروس كورونا وقمع تفشي المرض. ومع ذلك، فقد انقسمت النخبة المتشددة حول قضايا رئيسية مثل إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والرد على الاحتجاجات المناهضة للنظام. وعلى الجبهة الاقتصادية، ساعد التنفيذ الفوضوي لإصلاحات نظام دعم النقد الأجنبي في أيار/ مايو الماضي على دفع التضخم إلى مستويات قياسية.
ورأى أنه كان بإمكان الحكومة استخدام عملية وضع الميزانية للتوصل إلى إجماع حول التخفيضات الصارمة والإصلاحات اللازمة لتحقيق استقرار الاقتصاد. فقد فقد الريال أكثر من 20 بالمئة من قيمته أمام الدولار منذ أيلول/ سبتمبر، عندما بدأت الاحتجاجات الجماهيرية وانهارت المحادثات النووية بشكل أساسي.
ولفت إلى أن الحكومة استخدمت العديد من أدواتها المعتادة لكبح هذا التراجع، وشملت توقيف تجار العملة (الصرافين)، والتعهد بإحراز تقدم في المحادثات النووية، والتلميح إلى أنه سيتم تحرير المزيد من العملات الأجنبية من الخارج، وإقالة رئيس "البنك المركزي". وساعد ذلك في تجنب عملية بيع أكثر حدة، لكن الريال لا يزال ضعيفاً.
وعلى الرغم من هذه الأزمة، فشلت حكومة رئيسي في العمل بشكل بنّاء مع "المجلس النيابي" بشأن هذه القضايا، وهدرت بدلاً من ذلك الكثير من طاقتها في الاشتباك مع أعضاء البرلمان، الذين يتطلع بعضهم بلا شك إلى انتخابات 2024.
وسلّم رئيسي الميزانية بعد تأخير دام شهراً وتخبّط في صراعات حول تسلسل الوثيقة وهيكليتها، مع القليل من الاهتمام العام بمضمونها.
تقديرات الإيرادات المفرطة التفاؤل
وفي خطاب رئيسي أمام المشرعين في 10 كانون الثاني/ يناير، صرح بأن الأهداف الرئيسية للميزانية هي الانضباط المالي وإدارة السيولة، وخفض التضخم، وتحقيق نمو مستقر وفعال، و"موجه نحو العدالة".
ويمثل المقترح الإجمالي، الذي تبلغ قيمته 21.6 كوادريليون ريال (حوالي 52 مليار دولار بسعر الصرف في السوق الحرة)، زيادة بنسبة 42 بالمئة بالقيمة الاسمية مقارنةً بالميزانية السابقة. ومن المرجح أن يواكب التضخم الذي يتوقع "صندوق النقد الدولي" بلوغه 40 بالمئة. ولا تعكس الميزانية النطاق الكامل للنشاط الحكومي، حيث غالباً ما تعتمد السلطات على طرق تمويل إضافية مثل مطالبة المصارف بإقراض جماعات معينة بأسعار مخفضة. ومع ذلك، فإنها تقدم مؤشراً على الاتجاه المالي للدولة خلال العام المقبل.
ومن أجل تغطية النفقات، تعتمد الميزانية الجديدة على توقعات الإيرادات التي يرجَح أن تكون مفرطة التفاؤل.
وتوقع الحكومة أن تُصدّر إيران 1.4 مليون برميل يومياً من النفط بمتوسط سعر 85 دولاراً للبرميل وما يعادله من الغاز الطبيعي. وهذه التوقعات غير واقعية، إذ تكهنت طهران الحجم ذاته العام الماضي ولم تحقق هذا الهدف، بحيث قدرت منظمات مثل "تانكر تراكرز" و"فورتيكسا" و"كبلر" و"متحدون ضد إيران النووية" (United Against Nuclear Iran) صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات في الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 على أنها تتراوح بين 860000 و1.1 مليون برميل يومياً.
كما تتناقض توقعات الحكومة مع التقدير الذي قدمه "مركز أبحاث المجلس"، الذي يتوقع صادرات بنحو مليون برميل في اليوم. ومن شبه المؤكد أن الفارق يعكس تقييما مفرطا في التفاؤل للظروف الحالية، وليس أي توقع لتخفيف العقوبات الدولية.
وأضاف التقرير أن السعر المستهدف من قبل الحكومة يعتبر أكثر منطقية، بحيث توقع محللو سوق الطاقة وبنوك الاستثمار أن تتراوح أسعار خام برنت بين 80 دولارا و100 دولار للبرميل في عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تحويل الإيرادات عند 230 ألف ريال للدولار، وهي القيمة ذاتها كالعام الماضي.
ونوه إلى أن إيران قد تعجز عن إصدار السندات أيضا. وتتوقع الميزانية زيادة حقيقية بنحو 28٪ في مبيعات السندات، وهو هدف طموح بالنظر إلى أن الحكومة واجهت صعوبة مؤخرا في جذب الاهتمام إلى مزاداتها.
أما توقعات الإيرادات الضريبية، فهي أكثر واقعية، مع زيادة حقيقية بنسبة 5 بالمئة. (تمثل هذه الزيادات في النسبة المئوية تضخما بنسبة 40 بالمئة، ويتم حسابها مقارنة بالميزانية السابقة كما تم اعتمادها، وليس بالأداء المالي الفعلي للحكومة).
ومن المرجح أن يؤدي ضعف الأداء في مبيعات النفط والسندات إلى قيام فجوة تمويلية في الميزانية الإيرانية، وهي ظاهرة متكررة. ويميل العجز الكبير في الميزانية بدوره إلى زيادة التضخم، حيث تعتمد الحكومة على الاقتراض المباشر أو غير المباشر من "البنك المركزي" لسداد فواتيرها. ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال مجدداً.
خفض الرواتب وزيادة الإنفاق العسكري
ولفت التقرير إلى أن رئيسي اقترح زيادة رواتب موظفي الحكومة بنسبة 20 بالمئة فقط، ما يشكل خفضا في ظل ارتفاع معدلات التضخم. كما أن الدعم النقدي لن يزيد مع التضخم، ما يؤدي إلى تآكل قيمته بشكل كبير. وستبرز هذه الأرقام على الأرجح إلى الواجهة عندما يراجع "المجلس النيابي" الميزانية، وقد يعدلها المشرعون.
ومن المقرر أيضا أن ينخفض الإنفاق على التنمية (على سبيل المثال، الاستثمار في البنية التحتية) بنسبة 10بالمئة بالقيمة الحقيقية. ولم تقترب الحكومة من تحقيق أهدافها للإنفاق التنموي هذا العام، لذا فإن إجراء المزيد من التخفيضات سيضر بصورة أكثر.
وتمت زيادة قيمة الإنفاق الدفاعي الفعلية بنحو 5 بالمئة. وعلى الرغم من تمتع الكيانات الدفاعية بمصادر أخرى للإيرادات مثل التهريب، توفر أرقام الميزانية الرسمية معيارا مرجعيا مفيدا. وتشمل الكيانات التي حصلت على زيادات "فيلق الحرس الثوري"، و"قيادة إنفاذ القانون"، و"وزارة الدفاع ولوجستيات القوات المسلحة"، و"منظمة الضمان الاجتماعي للقوات المسلحة". ويواجه الجيش النظامي ("أرتيش") و"هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة" تخفيضات.
كما واصل رئيسي ممارسة تخصيص بعض عائدات تصدير النفط مباشرةً لقطاع الدفاع، بمعزل عن مخصصات الميزانية العادية. وعلى وجه التحديد، سيتم تخصيص حوالي 3.3 مليار دولار لوزارة الدفاع من مبيعات النفط العام المقبل، أي أقل من المبلغ المخصص هذا العام (حوالي 5 مليارات دولار). ومن خلال ربط مبيعات النفط مباشرةً بالأغراض العسكرية، يمنح النظام الحكومات الغربية عن غير قصد فرصة ذهبية لإقصاء المزيد من الكيانات عن المشاركة في قطاع النفط الإيراني.
كما اقترحت الحكومة زيادة ميزانية "منظمة الابتكار والبحث الدفاعي" ثلاثة أضعاف. وتُعد المنظمة، التي كان يقودها المسؤول الراحل في "الحرس الثوري" الإيراني والبرنامج النووي محسن فخري زاده، خليفة لـ "خطة آماد"، برنامج إيران النووي السابق. وقد تكون هذه الزيادة الكبيرة بمثابة إشارة للغرب في ظل انهيار المحادثات النووية والتقدم في أنشطة تخصيب اليورانيوم التي يقوم بها النظام. وفي المقابل، تواجه "منظمة الطاقة الذرية" الإيرانية، التي تشرف على البرنامج النووي المدني، تخفيضاً بنسبة 4 بالمئة.
توقعات معقدة
أحيلت عملية وضع الميزانية الآن إلى "المجلس النيابي"، حيث أعرب المشرعون أساسا عن إحباطهم من تقديم رئيسي للاقتراح دون "خطة التنمية السابعة" المصاحبة، والتي تأخرت أكثر من عام.
ولمّح الأعضاء أيضا إلى أن مراجعتهم قد لا تكتمل قبل بدء العام الإيراني الجديد في 21 آذار/ مارس. وفي هذه الحالة، سيتوجب إقرار قوانين الإنفاق القصير الأجل، ما سيتسبب بالمزيد من المتاعب.
وأشار التقرير إلى أن "المجلس النيابي" قد يزيد الإنفاق العسكري بما يفوق طلب الحكومة، وقد يكون المشرعون حريصين أيضاً على زيادة الإنفاق الاجتماعي والرواتب هذا العام في ظل الغضب الشعبي الواسع.
ورأى أن إيجاد موارد لهذه النفقات الإضافية سيكون صعبا للغاية، وغالبا ما يكون موسم (إقرار) الموازنة في طهران مضطربا، لكن نسخة هذا العام ستكون متقلبة بشكل خاص نظراً للاضطرابات العامة السائدة.