أثار
قرار رئيس الوزراء
العراقي محمد شياع السوداني إقالة محافظ
البنك المركزي مصطفى غالب،
العديد من التساؤلات فيما إذا كان استبدال الأخير من شأنه إيقاف تدهور الدينار أمام
الدولار الأمريكي، في ظل إجراءات اتخذتها الولايات المتحدة للحد من تهريب العملة الصعبة
من العراق.
وذكرت
وكالة الأنباء العراقية "واع"، الاثنين، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني
اتخذ الخطوة بعد أن أبلغه المحافظ مصطفى غالب مخيف أنه لم يعد يرغب في البقاء في المنصب،
لافتة إلى أنه جرى تكليف المحافظ السابق علي العلاق مكانه.
وجاء
قرار إقالة غالب بعد لقاء تلفزيوني لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الأحد،
ألمح فيه إلى إمكانية أن يكون تدهور الدولار سببه جهات سياسية داخلية من أجل تأليب
الناس على الحكومة، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه يشير إلى التيار الصدري كون المحافظ
محسوبا عليهم.
"مساومة
سياسية"
من جهته،
قال الخبير في الشأن السياسي العراقي رعد هاشم لـ"عربي21" إن "أزمة
الدولار واضح أنها مرتبطة بتشديدات البنك الفدرالي الأمريكي، ونية الولايات المتحدة
حجب العملة الصعبة عن إيران، وذلك بتطبيق نظام سويفت في العراق والتشديد عليه".
وأوضح
رعد أنه "بعد تحليل وتفتيش كميات كبيرة من فواتير الاستيرادات العراقية، تبيّن
للبنك الفدرالي أنها غير معقولة وأثمانها باهظة، وربما كان يعرف الأمريكيون هذا الشيء،
لكن الغرب عودنا على استحداث وسائل ضغط جديدة كلما تصاعدت الأزمة بينهم وبين إيران".
وأكد
الخبير العراقي أن "الأمر في العراق لا يخلو من مساومات ومنافسة سياسية للحصول
على منصب محافظ البنك المركزي، فهناك تأكيدات حقيقية أن نوري المالكي يسعى من خلال
إعادة علي العلاق محافظا للبنك للإمساك بالورقة المالية، حتى تكون لديه نقطة قوة في
موضوع التفاوض الحكومي المقبل مع الجهات الأمريكية في الموضوع المالي، لذلك قدّم شخصية
يثق بها".
ولفت
إلى أن "وجود العلاق في أي عملية تفاوض مع الجانب الأمريكي يعني أنه واجهة للمالكي،
لذلك عليهم إرضاء الأخير حتى يقوم محافظ البنك المركزي الجديد التابع له بتنفيذ ما
تبقى من عمليات ضغط بخصوص حجب أو تقليل كميات الدولار الذاهب باتجاه إيران".
وأشار
رعد إلى "زيارة قريبة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات
المتحدة من أجل إقناع الأمريكيين في إعادة النظر في تطبيق نظام سويفت الذي يربط حركة
الدولار في العراق بالبنك الفدرالي لمد ستة أشهر حتى تمرر بعض التعاملات الاقتصادية".
واستبعد
الخبير العراقي أن "يوافق الجانب الأمريكي على الطلب العراقي، إلا من خلال بعض
التسهيلات الشكلية، لكن عملية تأجيل التطبيق مستبعدة لأن وزارة الخزانة لا يمكن أن
تعطل نظام سويفت بأي حجة كانت سياسية أم اقتصادية، وحتى أنه ليس هناك من حجة أمنية قوية
تجبر الجانب الأمريكي على ذلك".
ورأى
رعد أن "عملية إقالة محافظ البنك المركزي قد تكون ضمن صفقات المساومة بإبدال قيادات
تابعة للتيار الصدري، بآخرين موالين للإطار التنسيقي، لذلك، بالإمكان أن يكون هذا لكنه
لا يسهم في خفض الدولار".
وأردف:
"لأن ارتفاع الدولار لم يكن لخلل في عمل البنك المركزي، وإنما جرّاء تطبيق نظام
سويفت في العراق، بعد هدر العملة وترسيبها لإيران، وكذلك تخفيض المبالغ التي تحولها
إلى العراق من البنك الفدرالي الأمريكي، وهذا تسبب بشح الدولار في السوق العراقي".
"إقصاء
للصدريين"
وفي
السياق ذاته، توقع الباحث والأكاديمي العراقي الدكتور وحيد عباس لـ"عربي21"
أن "تكون خطوة استبدال محافظ البنك المركزي في الوقت الحالي هدفها إبعاد التيار
الصدري عن أحد أهم المناصب في البلاد، وذلك من خلال الاستثمار السياسي للغضب الشعبي
الحاصل بسبب ارتفاع سعر الدولار".
وأوضح
عباس أن "محافظ البنك المركزي السابق مصطفى غالب محسوب على التيار الصدري، واليوم
نرى إسناد المنصب إلى أحد رجالات حزب الدعوة وتحديدا رئيس الحزب نوري المالكي الغريم
الأول للصدريين".
ولفت
إلى أن "علي العلاق له تاريخ في البنك المركزي في وقت كانت فيه مبيعات الدولار خيالية
للحفاظ على سعر الصرف على 1200 دينار مقابل الدولار الواحد، لكن اليوم الأمور تبدلت
والولايات الأمريكية تراقب كل دولار يخرج ويدخل، وأن المحافظ الجديد لن يستطيع خفض
سعر الدولار".
وأردف:
"عمليا علي العلاق أقرب إلى إيران من مصطفى غالب المحافظ السابق للبنك المركزي،
لذلك المرحلة المقبلة ربما تكون أكثر صعوبة وتشديدا من الولايات المتحدة على العراق".
وعلى
الصعيد ذاته، علق عضو التيار الصدري عصام حسين على "تويتر" الاثنين، قائلا:
"البنك المركزي يقول لا علاقة لنا برفع سعر الصرف، إنما بسبب المنصة الإلكترونية
التي من خلالها يتم شراء الدولار، لذلك نحتاج من الإطار (التنسيقي) إقالة مدير هذه
المنصة وتعيين أحد مدراء المصارف المعنية بغسيل الأموال حتى يطلق الحوالات بدون تدقيق
لمستنداتها، وبهذه الطريقة نحافظ على سعر الصرف".
وفي
تغريدة أخرى، قال حسين إنه "ليس من المنطق أن نحمل حكومة السوداني خراب ما يحدث
اليوم، الرجل محكوم باتفاقات سياسية وهذه الاتفاقات يتم التجاوز عليها من قبل الأحزاب
من خلال صراع الاستحواذ على المناصب لأغراض اقتصادية، لذلك فشل الحكومة يكون أولا من
داخلها وثانيا تصرف رئيس الوزراء لإدارة تضارب مصالح الأحزاب".
ومنذ
وصول مرشح الإطار التنسيقي الشيعي محمد شياع السوداني إلى رئاسة الحكومة العراقية،
يشهد الدولار الأمريكي ارتفاعا غير مسبوق أمام الدينار العراقي، إذ قفز سعر الصرف من
1480 دينارا إلى 1650 مقابل الدولار الواحد، قبل أن يتراجع، الاثنين، إلى 1590 للدولار،
وسط ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية.