قررت الحكومة
المصرية، أكبر مستورد للقمح في العالم، رفع سعر توريد
القمح المحلي من الفلاحين في موسم الحصاد العام، الذي يبدأ في نيسان/ أبريل المقبل، بهدف تشجيع الفلاحين والمزارعين، لكنه يظل أقل من
السعر العالمي بــ20 بالمئة على الأقل.
ورفعت الحكومة المصرية سعر توريد القمح المحلي من الفلاحين 1250 جنيها للأردب (يساوي 150كغم)، أو ما يعادل 8250 جنيها للطن (
الدولار يساوي نحو 30 جنيها) بدلا من 880 جنيها الموسم الماضي، أو ما يعادل 5800 جنيه فقط.
وأثار نهج الحكومة المصرية المستمر في عرض سعر للقمح أقل من السعر العالمي، تساؤلات حول السبب وراء هذه القرارات المتكررة، التي يراها مراقبون أنها لا تصب في صالح الفلاح المصري، في ظل ارتفاع التضخم وتكاليف ومستلزمات الزراعة والحصاد 100%، والجهات المستفيدة من تفضيل الاستيراد عن شراء القمح المحلي ذي الجودة المرتفعة.
ويقل السعر الذي أعلنته الحكومة عن آخر سعر في مناقصة دولية، قبل أيام، بأكثر من 20 بالمئة، حيث قالت الهيئة العامة للسلع التموينية، مشتري الحبوب في مصر؛ إنها اشترت 120 ألف طن من القمح الروسي في مناقصة دولية بتمويل من البنك، بسعر 337 دولارا للطن شاملا التكلفة والشحن.
من ثم، فإن سعر طن القمح الروسي بالعملة المحلية يبلغ نحو 10 آلاف و110 جنيهات مقابل 8 آلاف و250 جنيها للقمح المحلي، الذي يعد أعلى جودة وقيمة من نظيره المستورد سواء الروسي أو الروماني أو الأوكراني، أي إنه أغلى من القمح المحلي بنحو ألف و800 جنيه.
وتستهدف وزارة التموين المصري شراء نحو أربعة ملايين طن من القمح خلال موسم الحصاد المحلي، الذي يبدأ في نيسان/ أبريل المقبل.
وفشلت الحكومة المصرية الموسم الماضي في جمع الكمية التي حددتها من القمح عند 6 ملايين طن، قبل أن تخفضها إلى 5.5 مليون طن مع انخفاض معدلات التوريد، رغم توعدها بعقوبات للمخالفين، ولم تجمع سوى 3.7 مليون طن فقط.
استمرار سياسة غبن الفلاح
وقال أستاذ العلوم الزراعية والمستشار السابق بوزارة التموين، عبد التواب بركات؛ إن "النظام يدعي أنه يدعم الفلاح المصري وأنه رفع سعر توريد القمح من ألف جنيه للأردب زنة 150 كيلو غراما إلى 1250 جنيها، وهو ادعاء كاذب؛ لأن السعر العالمي للقمح الأمريكي المقارب للقمح المصري في الجودة، هو ما يعادل 1800 جنيه للأردب".
وأضاف لـ"عربي21": "تبيع وزارة التموين القمح الروسي لمطاحن القطاع الخاص بسعر 1500 جنيه للأردب، ومن المعلوم أن جودة القمح الروسي متدنية، ومحتواه من البروتين منخفض، ومحتواه من (فطر) الإرجوت قد يكون مرتفعا".
وتابعت: "إذا تمت مقارنة سعر القمح المصري العام الماضي، وهو 885 جنيها للأردب، بسعر الدولار العام الماضي، وهو 15.6 جنيها للدولار الواحد، فإن السعر العادل للقمح المصري يكون 1700 جنيه للأردب، خاليا من أي دعم حكومي".
وبشأن توقعاته للموسم المقبل، قال بركات؛ إن "انخفاض سعر القمح عن السعر العادل، سيمنع
المزارعين من توريد القمح لوزارة التموين كما حدث العام الماضي، في ظل ارتفاع سعر الذرة الصفراء إلى 1800 جنيه للأردب، ومن ثم قد يضطر الفلاح لاستخدام القمح كعلف للمواشي في ظل انخفاض السعر عن سعر الذرة".
ورأى أن الحكومة ستكرر سيناريو التوريد الإجباري الذي طبقته العام الماضي، وستفشل مجددا في شراء كمية القمح المستهدفة.
وتستورد مصر نحو 12 مليون طن من القمح سنويا (حكومي وخاص)، وتستهلك قرابة الـ18 مليون طن، من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.
الخبز المدعم هو الدعم العيني الوحيد المتبقي في منظومة السلع التموينية، ويصرف على بطاقات التموين، ويستفيد منه 71 مليون مواطن بسعر 5 قروش للرغيف، ويحصل كل مواطن بمقتضاها على خمسة أرغفة يوميا، بإنتاج يومي يبلغ 270 مليون رغيف.
وعلقت الحكومة خططها لإلغاء الدعم العيني بسبب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتعرضت مصر بشكل خاص لصدمة أسعار القمح؛ باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث إن نحو 80% من وارداتها تأتي عادة؛ من روسيا 50% وأوكرانيا 30%.
لماذا تفضل الحكومة المستورد عن المحلي
وصف الإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي المصري، جلال جادو، السعر المعلن من الحكومة المصرية لشراء محصول القمح من الفلاح "بالفضيحة"، وقال: "سعر طن النخالة (الردة) يزيد عن 9 آلاف جنيه في الأسواق؛ أي إنها أغلى من سعر القمح البالغ 8250 جنيها، وهذا يفند مزاعم الحكومة بدعم الفلاح، في حين أنها تدعم الفلاح الأجنبي بشراء طن القمح بنحو 1740 جنيها، بزيادة تصل إلى أكثر من 30%، وفي هذا غبن للفلاح المصري ودعم للفلاح الأجنبي".
ورأى في تصريحات لـ"عربي21"، أن "السعر الجديد سرقة علنية للفلاح المصري، ولا يراعي انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار الذي تخطى 30 جنيها، وكأن الفلاحين المصريين لا يعيشون في هذا البلد، ولا يتأثرون بما يجري فيه من أزمات اقتصادية".
وأكد أن الحكومة "تريد أن تكرر الفشل الذي منيت به الموسم الماضي وعجزها عن جمع القمح من الفلاح، فقد أعلنت في بداية الموسم عن سعيها لجمع 6 مليون طن، لكنها حصلت أقل من 4 مليون طن بالضبط نحو 3.7 مليون طن فقط، رغم التهديد والوعيد للفلاحين".
لكن هناك نقطة مهمة في هذا الشأن، بحسب جادو، وهي إعلان الحكومة هذا الموسم أنها تستهدف شراء 4 ملايين طن من القمح المحلي فى الموسم، وهذا يعد تخليا عن القمح المحلي لصالح المستورد، وكأن الحكومة أو مسؤولين فيها يستفيدون من مناقصات استيراد القمح من الخارج.
وتابع: "لو أن الحكومة المصرية جادة، فعليها أن تحدد سعرا عادلا يحقق هامش ربح معقول للفلاح الذي يكد ويتعب في زراعة المحصول لمدة 7 شهور، والسعر العادل في تقديري هو ألفي جنيه للأردب، وسط توقعات بارتفاع أسعار الحبوب الموسم المقبل بسبب استمرار الحرب شرق أوروبا".