نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تحليلا للصحفي إيشان ثارور، تناول فيه نتائج دراسة جديدة أجريت على 54 دولة في
أفريقيا قدمت قراءة قاتمة، ووجدت أن جزءا كبيرا من القارة أصبح أقل أمانا وديمقراطية مما كان عليه قبل عقد من الزمن.
وقالت الدراسة، إن تصاعد الانقلابات العسكرية وانتشار النزاعات المسلحة يهددان الآن بوقف سنوات من التقدم السياسي في جميع أنحاء المنطقة، بل وعكس مسارها.
والمؤشر، الذي تصدره مؤسسة محمد إبراهيم كل عامين، يجمع تصنيفا لجودة الحوكمة الشاملة في جميع أنحاء أفريقيا بناء على الدرجات المخصصة لمجموعة من المعايير، بما في ذلك التنمية والفرص الاقتصادية والشمول السياسي.
ووفقا للدراسة، فقد تدهورت الفئات الفرعية التي تقيس المشاركة
الديمقراطية و"
الأمن وسيادة القانون" على حد سواء، مع "تسارع وتيرة التراجع منذ عام 2017"، إذ يعيش ما يقدر بنحو 70% من سكان القارة في بلدان يصنفها المؤشر على أنها أقل أمانا الآن مما كانت عليه في عام 2012.
وأشارت الدراسة إلى 23 محاولة انقلاب ناجحة أو محاولة انقلاب منذ عام 2012، وثمانية حالات استيلاء على السلطة من قبل مجلس عسكري منذ عام 2019. وشهدت كل من مالي وبوركينا فاسو، وهما جارتان في غرب أفريقيا عرفتا يوما باستقرارهما السياسي النسبي، انقلابين لكل منهما.
وأنشأ محمد إبراهيم، الملياردير البريطاني المولود في السودان والذي استخدم ثروته لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في أفريقيا، قبل عقد ونصف، جائزة سنوية باسمه تُمنح لزعيم أفريقي سابق منتخب ديمقراطيا دافع عن الحكم الرشيد وسيادة القانون وكان مثالا يحتذى به للقيادة في المنطقة الأوسع. جاءت الجائزة بمكافأة ضخمة بقيمة 5 ملايين دولار، وتبدو حافزا للسياسيين الذين يهتمون بإرثهم في القارة، ولكن بالنسبة لغالبية السنوات منذ الإعلان عن الجائزة لأول مرة، فقد اختارت مؤسسة إبراهيم عدم منحها.
ويشعر المحللون والخبراء بالقلق من التدهور الديمقراطي في أفريقيا منذ سنوات، وعجلت نهاية الحرب الباردة بموجة من التحول للديمقراطية في جميع أنحاء القارة. ووفقا لتصنيفات فريدوم هاوس، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، فإنه تم تصنيف ثلثي الدول الأفريقية على أنها "غير حرة" في عام 1989. وفي عام 2009، تم اعتبار ثلثي الدول "حرة" أو "حرة جزئيا".
لم تستمر التوجهات الإيجابية خلال العقد الماضي، حيث اختبأت مجموعة من الحكومات خلف ورقة التوت للديمقراطية الانتخابية حتى في الوقت الذي عززت فيه قبضة أكثر استبدادا.
وذكر تقرير عام 2021 مقدم إلى البرلمان الأوروبي مجموعتين من الأسباب تفسر هشاشة الديمقراطيات في أفريقيا؛ الأول يشمل انخفاض التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصراع وانعدام الأمن.. والثاني يشمل المؤسسات الضعيفة، والافتقار إلى استقلال القضاء، والتلاعب بالقوانين الانتخابية والأعراف الدستورية، فضلا عن القيود الخطيرة على الحقوق المدنية والسياسية.
ويضيف التقرير: "من الناحية العملية، أصبحت الأنظمة
الاستبدادية ماهرة في استخدام واجهة من الشرعية لإضفاء الشرعية على قبضتها على السلطة".
ثم جاء الوباء، الذي أدى، كما أشارت مؤسسة محمد إبراهيم، إلى "اتجاه مقلق للعنف المدعوم من الدولة" إلى جانب تسارع معدلات العنف ضد المدنيين والنزاع المسلح.
وانتشرت حركات التمرد والحروب من منطقة الساحل إلى القرن الأفريقي، وكذلك في مناطق أبعد جنوبا. حيث لم تكن هناك نزاعات عميقة، وكانت هناك أنظمة استبدادية عميقة.
ومع ذلك، فإن الرغبة في ديمقراطية أكبر وحكومة أقوى منتشرة في أفريقيا، كما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة. وأشار مركز الأبحاث البريطاني تشاتام هاوس في آب/ أغسطس الماضي إلى أن "التزام الشعوب الديمقراطي يعززه الدعم القوي والمتزايد في بعض الحالات للمؤسسات الديمقراطية الأساسية.
ولا يزال دعم المنافسة متعددة الأحزاب والرقابة البرلمانية للقادة ثابتا، في حين زادت التوقعات بضرورة أن تكون الحكومات مسؤولة أمام المحاكم بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي".
وفقا لتحليل مؤسسة محمد إبراهيم، فقد كانت هناك تحسينات ملحوظة في المؤشرات القارية الأخرى، بما في ذلك التقدم في الصحة والتعليم والمساواة للمرأة والبنية التحتية للتنمية. لكنها لا تستطيع الهروب من لحظة عالمية مضطربة، حيث تتدهور الديمقراطية في الأماكن الأخرى، وحيث يتسبب تغير المناخ في إحداث دمار في أفقر مجتمعات العالم وأكثرها ضعفا، وحيث كشفت تقلبات الوباء عن الاقتصادات المتعثرة والمثقلة بالديون في العالم النامي.
وقال إبراهيم لـ"رويترز" في مقابلة: "لم نتسبب في تغير المناخ لكننا تضررنا به. لم نبدأ الحرب في أوكرانيا، لكن أصابتنا. لم يبدأ كوفيد عندنا، لكننا أصبنا بذلك. ثم لدينا حكم سيئ. نحن مسؤولون عن ذلك".