تواصل
السلطات
الإماراتية اعتقال، العشرات من الدعاة والأكاديميين منذ سنوات، رغم انتهاء
محكومية النسبة الأكبر منهم.
وبحسب ما رصدت "عربي21" فإن السلطات الإماراتية تواصل
اعتقال 50 شخصا انتهت محكومياتهم، ومن المرجح أن يرتفع الرقم إلى 57 بعد شهر من
الآن.
ويعد الناشط عبد الله الحلو، أقدم
المعتقلين ممن انتهت
محكومياتهم ولا يزال سجينا، إذ انقضت مدة الحكم بسجنه 3 سنوات في نيسان/ أبريل من
العام 2017، أي أنه أتم 5 سنوات و8 شهور منذ الموعد المقرر للإفراج عنه.
وبحسب مصدر حقوقي إماراتي، فإن النيابة العامة تحججت بأن عبد
الله الحلو "يشكل تهديدا" على أمن الدولة، وبالتالي تم إبقاؤه سجينا
بتنسيب من دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي.
ومن ضمن المعتقلين الذين انتهت محكومياتهم، محمد الصديق، والد
الناشطة الراحلة آلاء الصديق، والذي كان من المفترض الإفراج عنه قبل نحو 300 يوم،
علما أنه أنهى محكوميته كاملة بالسجن 10 سنوات.
واللافت أن تجاهل الإفراج عن المعتقلين المنتهية محكومياتهم،
شمل أيضا الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، ابن عم حاكم رأس الخيمة الشيخ سعود بن صقر
القاسمي.
والقاسمي هو خبير تربوي، عين لسنوات مديرا للمناهج في وزارة التعليم
الإماراتية، وكان ناشطا في المجال الخيري، قبل أن يعتقل في العام 2012 ويقضي حكما
بالسجن 10 سنوات، انتهت في نيسان/ أبريل الماضي، أي أنه يقترب من إتمام عام كامل
بعد انتهاء محكوميته.
"اعتقال إداري"
المستشار القضائي والقانوني الإماراتي، محمد بن صقر الزعابي، قال لـ"عربي21"، إن السلطات الإماراتية ابتكرت نظاما يشبه الاعتقال الإداري، وهو برنامج "المناصحة".
ولفت إلى أن "المناصحة" تعني إبقاء المنتهي محكوميته رهن الاعتقال، إلى حين اقتناع القاضي بأنه قد تخلى عن أفكاره التي تسببت بسجنه .
وأضاف أن "نظام المناصحة يغني عن إعادة المحاكمات، لأنه نظام مفتوح للسجن، لذلك نجد بعض المعتقلين الآن أكملوا ست سنوات مثل عبدالله الحلو وخمس سنوات مثل عبدالواحد البادي، والبقية بعدد من السنوات يفوق لبعضهم ما كان محكوما به".
ولفت الزعابي إلى أن "النظام الإماراتي استحدث برنامج المناصحة لتبرير استخدام الاعتقالات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو نوع من الابتزاز حتى عندما يخرج المعتقل يبقى خاضعا لسطوة جهاز الأمن وتهديده بالعودة للسجن في حال خروجه وعودته لنشاطه السلمي".
تراجع على مستوى العالم
تراجع ترتيب الإمارات على مؤشرات حقوقية عالمية، إذ وصل ترتيبها
في مؤشر حرية الإنسان لعام 2022 للمركز 127 عالمياً من أصل 165 دولة حول
العالم.
وبحسب المؤشر الذي ينظمه معهد "كاتو"، فإن ترتيب
الإمارات المتدني يأتي بعد أخذ عدة جوانب بعين الاعتبار، منها الحرية الشخصية،
والاقتصادية، ومبدأ سيادة القانون، والمجال الذي تعطيه الدولة للتجمعات، وتشكيل
الأحزاب، وغيرها.
وكانت الإمارات حصلت على المركز 123 في المؤشر لعام 2021، أي
أنها تراجعت 4 مراكز.
وسلط تقرير المركز الضوء على تدني حرية الصحافة في الإمارات، إذ
أصدرت أبو ظبي خلال السنوات الماضية قوانين تجرم حرية التعبير، وتربط أي انتقاد
لعمل الحكومة بالتحريض على الاستقرار.
وبحسب المؤشر الجديد، حصلت الإمارات على 2.6 درجة من أصل 10 في
حرية التعبير والمعلومات.
وحول موقف الإمارات من هذه التقارير التي تدينها على المستوى الحقوقي، قال محمد بن صقر الزعابي، إنه من الواضح أن أبو ظبي "لا تكترث، وما زالت مصممة لتجعل المال وسيلتها لتلميع صورتها، وكذلك استخدام الكذب الإعلامي والرسمي وسيلة لتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي وتشويه صورة من تنتهك حقوقهم".
وأضاف أن مما يساعد أبو ظبي في تجاهل هذه التقارير "نفاق المجتمع الدولي الذي أصبح واضحاً أنه لا يهتم لمعاناة الناس، إلا بقدر ما تعنيه المصالح السياسية له في اتخاذ موقف ضد أو مع دولة له مصالح أو عداوات معها".
أرقام غير معلنة
كشف تقرير حديث عن أن الأرقام غير المعلنة لعدد المعتقلين في
الإمارات، لا سيما ممن انتهت محكومياتهم أكبر من المعلن.
وذكر
تقرير صادر عن مركز الإمارات للدراسات والإعلام
"إيماسك"، أن "الأرقام المعلنة غير نهائية، إذ تضم السجون، معتقلين
آخرين لم تكشف السلطات عن أسمائهم سواء من المواطنين أو المقيمين إمعانا في
التنكيل بهم".
ولفت التقرير إلى أن السلطات الإماراتية تمارس أصنافا من
العقوبات بحق المعتقلين وأسرهم، إذ تمنعهم من الزيارات بشكل دوري، وتضيق عليهم
بالمكالمات الهاتفية الأسبوعية.
كما فرضت السلطات "إجراءات تعسفية بحق زوجات وبنات المعتقلين
والنشطاء المقيمين خارج البلاد دون حكم قضائي"، بحسب التقرير.
وبحسب التقرير، فإن السلطات الإماراتية قامت بإيقاف الرواتب
الشهرية لزوجات وبنات معتقلين، كما عطلت إجراءات الوكالة لعدد منهم بهدف تجميد
قدرتهم على بيع ممتلكات أزواجهم المعتقلين ليتمكنوا من الإنفاق منها.
ونوه التقرير إلى ما قامت به السلطات قبيل بدء حملة اعتقالاتها
في 2012، بسحب الجنسية الإماراتية من نحو 7 معتقلين، ما يعني حرمان ذويهم
من بطاقات الهوية ورخص القيادة، والبطاقات الصحيّة، مع الحرمان من الحق في
التظلم إداريًا وقضائيًا ضد التجريد التعسفي من الجنسية والوثائق الرسمية.
وأشار التقرير إلى استمرار حالات التعذيب ضد معتقلين في العام
2022، تشمل الضرب، والسجن الانفرادي، والتجويع، والإهمال الطبي.
وعلق الزعابي على مسألة الجنسيات، ووضع من سُحبت منه في حال تم الإفراج عنه، بالقول إنه "لا يوجد وضوح في هذه المسألة، لأن الإمارات حتى عندما سحبت جنسياتهم وجنسيات آخرين من بعدهم لم تنشر ذلك في الجريدة الرسمية، وترفض إعطاءهم نسخة من هذه المراسيم".
وأضاف "كأنها تريد أن تعاقبهم وتجردهم من حقوقهم الإنسانية، ولا تريد لهم حتى الخروج والذهاب لمكان آخر يحتويهم، فهو سلوك في غاية الشذوذ والعدوانية والاستمتاع برؤية الآخرين يعانون ولا يستطيعون الحصول على شيء من حقوقهم".
"مصير مجهول"
في كانون أول/ ديسمبر الماضي، كتب عمر الصديق، نجل الداعية
المعتقل محمد الصديق، مقالا يتحدث فيه عن مخاوف الأسرة حول مصير والده.
وقال في
مقال إن "حلم شقيقتي آلاء الصديق – رحمها الله –
كان أن تشاهد والدي المعتقل محمد عبدالرزاق الصديق وهو يخرج من السجن
سواء كان ذلك بعفو رئاسي أو حتى بعد أن يكمل محكوميته في السجن والتي انتهت في
أبريل الماضي".
ولفت إلى أن السلطات تجاهلت الإفراج عن والده رغم مرور 8 شهور
على انتهاء محكوميته، مضيفا: "يبدو أنه حتى سماع أصوات المعتقلين أو زيارتهم،
أضحى حلماً مستحيلاً.. في كل عيد وطني، وفي كل مناسبة سنوية، تنتشر الشائعات
عن عفو متوقع، ومع كل تغيير في السلطة، يتحدث الجميع عن إغلاق ملف المعتقلين، لكن
بدل العفو نحصل على مزيد من الانتقام، وتسوء الأوضاع بشكل مستمر".
وتساءل: "في يوم من الأيام سوف ينتهي ملف معتقلي
الرأي في الإمارات بكل تأكيد، لكن من سوف يغلق هذا الجرح الغائر الذي ينزف
منذ سنوات، وكيف سوف ينتهي؟! هل سينتهي بموتنا أم بموت المعتقلين أنفسهم؟! يا ترى
هل ما زال والدي حياً؟! وإن كان حياً هل يستطيع الحديث؟!".
يشار إلى أن قضية المعتقلين الأساسية في الإمارات، بدأت عند التوقيع على ما يعرف بـ"عريضة 3 مارس" في آذار/ مارس من العام 2011، والتي طالبت رئيس الدولة السابق الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بالإصلاح، وبمنح صلاحيات أوسع للمجلس الاتحادي، لترد السلطات بحملة استدعاءات وسحب جنسيات، واعتقالات طالت العشرات.