لم يعد الأمر بحاجة لبذل المزيد من الجهد -كما فعلتُ من
قبل- لإثبات أن المملكة العربية
السعودية هي المستهدفة بالهجوم الذي شنه نفر من
أبواق النظام
المصري ضد عمرو أديب!
ولم يعد الأمر بحاجة إلى جهد مضاعف -بذلتُه من قبل- للتأكيد
على أن رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" القاهرية،
يستهدف السعودية بمقاله
الطويل العريض، الذي قال فيه في وصف السعوديين ما قال مالك في الخمر!
ولم يعد الحال يلزم باستدعاء وقائع من التاريخ -وقد فعلتُ-
لكي أنطلق إلى نقطة محورية وهي أن هذا الهجوم على المملكة لا يمكن أن يقدم عليه
أحد من الأذرع
الإعلامية من تلقاء نفسه، ناهيك عن أن يكون رئيساً للتحرير جرى
اختياره "على الفرازة"، وفق معايير المرحلة، وهي معايير منعت أكبر كاتب
في مصر (فهمي هويدي) من الكتابة، في الوقت الذي وُسِّد فيه منصب رئيس التحرير، لمن
لا يستطيعون كتابة جملة واحدة مستقيمة، وليس من بينهم رئيس تحرير الجمهورية، فهو
ينتمي لطائفة أخرى من رؤساء التحرير، تمتلك القدرة على رص الكلمات، فيصنع مقالاً
طويلاً عريضاً يفتقد للجاذبية، ويذكرنا بموضوعات الإنشاء. ولأن مقالاته مع هذا
التواضع تشغل مساحة كبيرة، فإنه يذكرنا بثقافة تتوارثها الأجيال في العملية
التعليمية، وهي إذا دخلت امتحاناً، وفوجئت أنك لا تعرف شيئاً، فإياك أن تسلم ورقة
الإجابة بيضاء، ولكن احرص على أن تسود كل الصفحات من أول سطر لآخر سطر، فمن بين
الأساتذة من يقدر هذا الجهد، ومنهم من يعتقد أنك تفهم أكثر من اللازم ولهذا اختلطت
في ذهنك المعلومات، ومنهم من يصححون أوراق الإجابات بدون اهتمام، وعلى أسوأ تقدير
سوف تحصل على درجة النجاح!
وعندما يقرأ المرء مستوى الكتابة من حيث التقييم المهني،
سوف يتحسر على أيام كان فيها كتّاب السلطة بحجم موسى صبري، وأنيس منصور، ومحسن
محمد، وإبراهيم سعدة، ومكرم محمد أحمد، وغيرهم، والذين كنا نختلف معهم لكن مع هذا
كانت أعيننا تلتهم سطورهم التهاما!
ما بين القاهرة والرياض:
الأيام أثبتت أن الحملة تستهدف السعودية، كما أن حديث المسؤول السعودي عن أن زمن تقديم المساعدات للدول بدون شروط قد ولّى؛ يقصد مصر على سبيل الحصر. وأثبتت الأيام أن العلاقات المصرية السعودية كما توقعنا تماما، وأن الحملة الإعلامية إنما تستهدف إجبار السعودية على التراجع
ما علينا، فلم نعد بحاجة إلى بذل جهد -بذلناه من قبل- للقول
إن هذا الهجوم الذي انطلق في وقت واحد، كاشف عن أن
العلاقات المصرية السعودية ليست
على ما يرام!
فالأيام أثبتت أن الحملة تستهدف السعودية، كما أن حديث
المسؤول السعودي عن أن زمن تقديم
المساعدات للدول بدون شروط قد ولّى؛ يقصد مصر على
سبيل الحصر. وأثبتت الأيام أن العلاقات المصرية السعودية كما توقعنا تماما، وأن
الحملة الإعلامية إنما تستهدف إجبار السعودية على التراجع، خوفاً من مستوى في
الهجوم لا قِبَل لهم به، لأنها خناقات حواري يستباح فيها الردح وسلاحها الخوض في
الأعراض، والمملكة لا تملك قناة كالجزيرة، تجيد التصويب حيث موضع الوجع، دون إسفاف
أو ابتذال، ودون مجاراة في الردح، وإن كانت الأبواق الإعلامية تورمت ذاتها حتى
اعتقدت أنها انتصرت بهذا الأسلوب في المعركة ضد قطر، ومن ثم كانت المصالحة، وليس
هذا موضوعنا!
إن بداية الحملة التي بدا عنوانها عمرو أديب، العميل
السعودي الذي يتبنى الأجندة السعودية بحسب محمد الباز، كانت عبر صفحات عدد من على
منصات التواصل الاجتماعي، ثم خطت الحملة خطوة أخرى بالتحاق نشأت الديهي بها عبر
قناة "تن" (ويلاحظ أنها قناة إماراتية وإن كنت أستبعد أن تكون الإمارات
جزءاً من الحملة)، ثم انتقلت إلى مستوى آخر بمقال رئيس تحرير الجمهورية، وفي هذا
رسالة لمن يهمه الأمر، أنها حملة السلطة، وليست إرادة إعلاميين، وإن كان الكاتب لم
يذكر اسم السعودية صراحة، بيد أن كل من قرأ المقال أو سمع به وقف على الدولة
المقصودة بهذا التجريح!
فيلم الاعتذار:
وقد حدث ما أوقف تطوير الهجوم، حيث فقد هذا اللون من الأداء
مفعوله، وبدت السعودية ليست مكترثة بذلك، ولديها وديعة حان وقت استحقاقها، ولم
تمدد تاريخ هذا الاستحقاق بعد الهجوم، كما أن من بين الكتاب السعوديين من
انطلقوا
يصدون الهجوم، ويتحدثون عن أن أزمة مصر الاقتصادية سببها هيمنة الجيش على
الاقتصاد!
والحال كذلك، فكان لا بد من الاعتذار، ولو أدى الأمر
للتضحية برئيس التحرير كاتب المعلقة، لكن في ثقافة القوم لا شيء بدون مقابل،
والمقابل صار عزيزاً، فكانت حيلة اعتذار جريدة الجمهورية، والذي نشر بعنوان:
"اعتذار للسعودية"، حول اعتذار الجريدة عن مقال رئيس التحرير، وإذ بدا
هذا سابقة في تاريخ الصحافة المصرية، أن تعتذر الجريدة عن رأي لأعلى سلطة تحريرية
فيها، فقد اعتبرت أنها محاولة للالتفاف على الاعتذار الصحيح، باعتذار الهيئة
الوطنية للصحافة باعتبارها هي ممثل المالك للصحافة القومية، وهذا الاعتذار يستدعي
عزل رئيس التحرير!
لنكتشف أننا أمام ألاعيب شيحة، بشكل ذكرني بالراحل حافظ
أبو سعدة، عندما كان يشغل موقع رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وتطوع
لمساندتي في معركتي مع وزير الداخلية حبيب العادلي، وأرسل لي بياناً شديد اللهجة
على الفاكس باسم المنظمة، وإذ أكبرت فيه هذه الشجاعة، فقد اكتشفت بعد ذلك أنه بيان
من نسخة واحدة كتبها من أجلي وأرسلها لي، ولا أثر له في سجلات المنظمة!
تم حذف المقال، جسم الجريمة، من الموقع الإلكتروني للجريدة، لكن لا يمكن محوه من النسخة الورقية، التي يتم الاحتفاظ بها في أكثر من مكان، مثل المجلس الأعلى للإعلام، ودار الكتب، ومكتبة الأهرام، وأرشيف الجريدة نفسها، للتاريخ، لكن الحذف أكد من المستهدف بمقاله، وهو ما لا يحتاج إلى تأكيد
فالاعتذار نقله موقع "نبض" ذائع الصيت، واحتوى
على صورة زنكوغرافية من جريدة الجمهورية التي نشرت البيان، لنكتشف بعد قليل أن العدد
(الأحد) من الجمهورية لم يتضمن هذا البيان، ولأن تطبيق "نبض" يضع رابطا
للوصول للموقع الرسمي الناشر، فقد وجدناه موقعا مصريا اسمه "المشاهير"،
ينسب الخبر لجريدة الجمهورية، الأمر الذي يجعلنا أمام أداء غير مسؤول، يستهدف إدخال
الغش والتدليس على الجانب الآخر، فيستقر في وجدانهم أن جريدة
"الجمهورية" قد اعتذرت، بهذا الخبر وهذه الصورة الزنكوغرافية، وفي
الحقيقة لم تعتذر، وهي استهانة بذكاء القوم لا تليق بالتعامل بين الدول!
لقد تم حذف المقال، جسم الجريمة، من الموقع الإلكتروني
للجريدة، لكن لا يمكن محوه من النسخة الورقية، التي يتم الاحتفاظ بها في أكثر من
مكان، مثل المجلس الأعلى للإعلام، ودار الكتب، ومكتبة الأهرام، وأرشيف الجريدة
نفسها، للتاريخ، لكن الحذف أكد من المستهدف بمقاله، وهو ما لا يحتاج إلى تأكيد، فاعتماده
بأنه هجوم ضد السعودية لم ينف القوم أنهم يقصدونها بهذا الهجوم المسفّ (أتحدث هنا
عن المعايير المهنية)، لأنه رغم الحرص على ألا يكتب "دولة" ولكن "دول"،
فإن الإشارات تعني دول الخليج، فماذا لو نفى أنها السعودية هل يقول إنها الإمارات
مثلا؟!
القاهرة والرياض القلب النابض:
في عدد اليوم (الاثنين) من جريدة "الجمهورية"
نشر رئيس تحريرها
مقالاً إنشائياً طويلاً عريضاً بعنوان "القاهرة والرياض..
القلب النابض للوطن العربي"، عاد وزاد في العلاقات التاريخية بين البلدين،
وكيف أنهما صمام أمان للأمة، وبدون أي اعتذار عن المقال السابق انطلق يدين التطاول
على الدول العربية ويقول: "لا يمكن ويستحيل أن تصدر من مواطن مصري شريف وكاتب
وطني أي إساءة لدولة عربية"! يا إلهي، من كتب المقال، وفيه حدد المقصود به
بأنها الدول الشقيقة، والصديقة؟ هل يقصد إسرائيل؟ وهو هنا ينفي عن أي مواطن شريف
وكاتب وطني أي إساءة لدولة عربية (في المجمل)!
هل نحن أمام كاتب بروحين؟ أم أن فكرة المقال ألقاها
الشيطان في روعه، فكان هذا التناقض الذي يصيب بالدوار، وأي قارئ غير ملمّ بما جرى
سيعتقد أن هذا ليس ذاك!
لقد بذلت جهداً حتى انتهيت من مقال اليوم، لأكتشف أنني
أمام حالة من الشيزوفرانيا، اكتملت بذكر هذا الموشح الذي صار جزءا من أداء الجوقة،
يشبه استهلال الشعراء القدماء قصائدهم بعدد من الأبيات في الغزل، فلا يكتمل أداء
الواحد منهم إلا بالهجوم على الإخوان، كما لو كانوا حمّلوا المقال غير ما يحتمل،
هذا إذا سلمنا بأن كل من عداهم هو من الإخوان، فكتب "سيظل الإخوان المجرمون
رمزا للخيانة والعمالة والخداع والتزييف والاجتراء وتزييف الحقائق أملاً في إحداث
الوقيعة وهي أضغاث أحلام"!
هذا الأداء الهزلي مرده إلى التمسك بالكاتب في موقعه، أو أنهم لا يريدون التضحية به الآن، ثمناً لمصالحة قد تكون قريبة، وكان يمكن حل هذا الإشكال بالاعتراف بالخطأ وأن من ارتكبه تم عزله، ليكون هذا افتتاحية رئيس التحرير الجديد، بالاعتذار الصريح، وليس بتعليق الاتهام في رقبة الإخوان!
لم يقل ماذا قال "الإخوان المجرمون رمز الخيانة
والعمالة.. الخ.. الخ"، ومثّل تزييفا واجتراء وتزييفا للحقائق.. الخ.. الخ،
دفعهم إلى ذلك سعيهم إلى إحداث الوقيعة بين البلدين.. الخ؟.. الخ، وهي أضغاث
أحلام؟!
فهل لم يرد في المقال أنها دولة ضئيلة تعاني الهشاشة
البشرية والحضرية؟ وهل فبرك الإخوان أن المقال احتوى وصفاً للقوم بأنهم سفلة (وردت
نصاً في المقال) وأنهم أقزام (وردت نصاً في المقال) وأنهم كانوا حفاة عراة (نقلتها
نصاً من المقال)؟!
إن هذا الأداء الهزلي مرده إلى التمسك بالكاتب في موقعه،
أو أنهم لا يريدون التضحية به الآن، ثمناً لمصالحة قد تكون قريبة، وكان يمكن حل
هذا الإشكال بالاعتراف بالخطأ وأن من ارتكبه تم عزله، ليكون هذا افتتاحية رئيس
التحرير الجديد، بالاعتذار الصريح، وليس بتعليق الاتهام في رقبة الإخوان!
مرة أخرى الإخوان لم يصفوا القوم بـ"الأقزام،
والسفلة، والحفاة العراة"، ولم يصفوا الدولة السعودية بالهشاشة البشرية
والحضرية، إلا إذا كان الكاتب خلية إخوانية نائمة!
ليست كل المعارك يصلح لها الهواة.
twitter.com/selimazouz1