نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية مقال رأي للكاتب تشارلز ليستر، تحدث فيه عن وضع السوريين في ظل الحصار الذي يفرضه نظام الأسد على الشمال السوري، الذي ضربه
زلزال مروع خلّف آلاف الضحايا ودمارا كبيرا، بينما يصعب إيصال المساعدات والإغاثة.
وقال الكاتب، في مقال ترجمته "
عربي21"، إنه قبل وقوع الزلزال كان شمال غرب
سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة يمثل إحدى أكثر الأزمات الإنسانية حدة في العالم، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون مدني محاطين ببنية تحتية أساسية مدمرة بنسبة 65 في المئة على الأقل، ويعتمد 90 في المئة منهم على المساعدات الإنسانية التي تأتي عبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الحدودي الوحيد المفتوح.
كانت هناك ثلاثة معابر تستخدم في نقل المساعدات عبر الحدود في شمال سوريا، لكن روسيا أغلقت اثنين منها باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وفي السنوات الأخيرة، هددت روسيا بإغلاق معبر باب الهوى تمامًا، ما دفع هيئات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية إلى التحذير من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى كارثة إنسانية. ومنذ وقوع الزلزال، تم إغلاق المعبر بالقوة، وتعرض الطريق الرئيسي الوحيد الذي يربطه بتركيا لأضرار جسيمة، وتعطلت البنية التحتية لهيئات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة.
وأضاف الكاتب أن السوريين في شمال غرب البلاد يموتون كل دقيقة وهم محاصرون تحت الأنقاض، فضلاً عن آلاف آخرين بلا مأوى. من جهته، تعهد المجتمع الدولي بتقديم مساعدة كبيرة لتركيا، بينما كالمعتاد يبدو أن السوريين مجرد قضية ثانوية. والمنظمة غير الحكومية المعنية، الخوذ البيضاء، لديها ما يقارب 3000 متطوع يعملون وسط 4.5 مليون نسمة، وتم تأسيسها للاستجابة للضربات الجوية وليس لزلزال مروع.
توجد معابر حدودية بديلة في باب السلامة واليعربية يمكن من خلالها تقديم المساعدات. وقد تعهدت قوات سوريا الديمقراطية بتسهيل الاستجابة الإنسانية من الشمال الشرقي. في المقابل، تتجنب الأمم المتحدة المخاطرة، وتتأثر بضغوط النظام بشأن آلية دخول المساعدات، وهذا من شأنه أن يتسبب بخسارة العديد من الأرواح. ويبقى الخيار الوحيد بذل جهد أحادي الجانب، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها وبتيسير من تركيا.
قبل الزلزال، كانت المناطق التي يسيطر عليها النظام تعاني عواقب الانهيار الاقتصادي؛ بسبب تبني النظام أسلوب الأرض المحروقة، فضلاً عن الآثار غير المباشرة لأزمة السيولة في لبنان وجائحة كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا والتدهور الاقتصادي لإيران. وفي مواجهة الضغوط الداخلية المتصاعدة وسخط المدنيين، حشر هذا الزلزال النظام في الزاوية، ودفعه إلى إصدار نداء استغاثة عالمي. وفي تصريح للصحفيين في 6 شباط/ فبراير، قال سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، بسام الصباغ، إن كل المساعدات المقدمة لسوريا ستكون موضع ترحيب، لكنها لا يمكن أن تمر إلا عبر دمشق، ما يشير إلى رفض
النظام السوري أي إغاثة عبر الحدود في مناطق المعارضة.
وأكد الكاتب أهمية النظر في توسيع نطاق المساعدات التي تمر عبر دمشق مؤقتًا، ولكن فقط إذا تم توفير الإذن لفعل الشيء نفسه في الشمال الغربي. ويتمتع النظام بسجل حافل يمتد لعقد من الزمن في التلاعب بالمساعدات الإنسانية وسرقتها. وهو يكسب مبالغ طائلة من خلال فرض أسعار صرف متلاعب بها على الأمم المتحدة، وبالتالي سرقة نصف كل دولار من المساعدات المرسلة إلى سوريا.
يجب اتخاذ إجراء لتخفيف المعاناة الإنسانية الناجمة عن الكوارث أو الصراع. لكن إذا فشلنا في الالتزام بالشروط الصارمة الموجودة أصلاً لتقديم المساعدات عبر دمشق، فإننا نخاطر بتمهيد الطريق عن غير قصد نحو إعادة النظام إلى الساحة الدولية. وفي السنوات الأولى من الأزمة، وافق المجتمع الدولي على تزويد حلفاء النظام الروس بإحداثيات كل مستشفى في شمال غرب سوريا؛ لحمايتها من الأعمال العسكرية. لكن سرعان ما تحولت هذه الإحداثيات إلى معلومات استخباراتية أدّت إلى تدمير كل مستشفى مدرج في القائمة تقريبًا في ضربات دقيقة.
بشكل عام، من المرجح أن يقوم النظام بجعل الموقف أسوأ بالنسبة له، ويرفض عروض المساعدة المحتملة من الغرب، لكن يجب على الولايات المتحدة وحلفائها عدم إغفال السياق الأوسع الذي حدثت فيه هذه المأساة. وإذا تم قبول المساعدة، فيجب اتخاذ تدابير صارمة لشرط وصول المساعدة إلى المجتمعات المستفيدة المتفق عليها مسبقًا عبر الجهات المنفذة التي تم التحقق منها من قبل الأمم المتحدة. حتى هذا غير مثالي إلى حد كبير، حيث يتم توجيه ما يقارب ربع أموال مشتريات الأمم المتحدة من خلال كيانات خاضعة للعقوبات، لكن يبدو أن الأمم المتحدة قد قبلت هذا باعتباره شرًا لا بد منه.
وأشار الكاتب إلى أنه إذا أدار النظام السوري ظهره للعروض الخارجية أو فرض عليها شروطًا مستحيلة، فيجب أن نكون متيقظين للعواقب الوخيمة التي ستنجم عن هذه الأزمة. قبل الزلزال، كانت سوريا تقف على هاوية الانهيار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي والعرقي والطائفي. ولا يُظهر السبب الجذري لكل هذا -أي النظام- أي استعداد للانفتاح على التسوية. وفي سنة 2022، ارتفعت الهجرة غير الشرعية للسوريين إلى أوروبا بنسبة 100 بالمئة. ومع تأثيرات هذا الزلزال، فإن هذه الأرقام سترتفع بشكل ملحوظ بمجرد حلول الربيع.