لا شك أنَّ
الزلزال الذي ضرب
تركيا وسوريا الأسبوع الماضي، كان أمراً مأساوياً، آثاره ستبقى في الأذهان، والوجدان، لذوي الضحايا، والمتضررين، ولكل ضمير حي، في منطقتنا، أو خارجها.
إلا أنَّ هذه المأساة ليست الوحيدة بمنطقتنا، صحيح أن الزلزال هو الأسوأ في 100 عام، لكن بلغة الأرقام، وأقول الأرقام، لأنه لا مقياس للألم، وما يشعر به البشر، الأرقام تقول لنا إننا شاهدنا، ونشاهد الأسوأ.
اليوم هناك من يتحدث عن كارثة الزلزال بمحاولة لإجراء «غسيل سمعة» لنظام الأسد، وهذا بحد ذاته كارثة ومأساة. الزلزال قتل بتركيا وسوريا، حتى آخر الإحصائيات، أكثر من 25 ألف شخص، وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 5 ملايين سوري مشردون بسبب الزلزال.
وهذا أمر مؤلم، ولا يتحمله ذو فطرة سليمة، لكن ما هي أرقام جرائم الأسد وإيران بسوريا؟ وفقاً لإحصائيات عام 2021، ولا أتحدث عن الآن، قتل في
سوريا نحو 400 ألف شخص.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد تشرد بسوريا، بسبب عنف نظام الأسد وإيران، والتدخل الروسي، أكثر من 6 ملايين سوري داخل البلاد، بينما تم تهجير 5.5 مليون خارج سوريا.
كما بلغ عدد المرات التي استخدم فيها السلاح الكيماوي بسوريا، منذ الثورة, 38 مرة، وفقاً للأمم المتحدة. 32 منها منسوبة لنظام الأسد، وقبل أسبوعين فقط، أدانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية نظام الأسد باستخدام سلاح كيماوي بمدينة دوما بالغوطة الشرقية عام 2018.
وعليه فإن كل ما سبق، وبالأرقام، يقول لنا إن حجم الكوارث، والمآسي التي تسبب بها البشر، تحديداً نظام الأسد، وميليشيات
إيران في سوريا، وكذلك التدخل الروسي، يفوق حجم المأساة التي خلفها الزلزال.
جرائم النظام كانت بسبب البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، هذا عدا عن التعذيب، والإعدامات، وكلها موثقة، وبسببها صدرت عقوبات «قيصر». وكذلك استخدام «داعش»، وتدخل الميليشيات الإيرانية، وبسبب القصف الروسي الذي وحده قتل نحو 9 آلاف سوري.
هنا سيقول القارئ: ما المقصود؟ والمقصود أمران؛ الأول للمجتمع الدولي الذي يتحدث عن أسفه على كارثة الزلزال، تحديداً بسوريا، ويريد المساعدة الآن، بينما جرائم الأسد وإيران هناك فاقت ما فعله الزلزال، وكان جحيماً منتظماً، وليس هزة. ودون مساعدة للسوريين العزل.
والأمر الآخر المراد قوله، أن من يحاولون «غسيل سمعة» نظام الأسد بعد جرائمه في سوريا، وكذلك الجرائم الإيرانية، يرتكبون خطأ جسيماً، ومركباً. خطأ بحق ضحايا نظام الأسد، وخطأ الآن بحق ضحايا الزلزال.
وهذا ليس كلاماً مرسلاً، حيث لم يسمح نظام الأسد بدخول المساعدات لمناطق المعارضة إلا بعد 5 أيام من كارثة الزلزال، وستثبت الأيام المقبلة تلاعب النظام بذلك. كما طالب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بـ«وقف فوري لإطلاق النار» بسوريا، لتسهيل إيصال المساعدات إلى ضحايا الزلزال.
خلاصة القول أنه لا يمكن اللعب على عواطف الناس الآن، وتشتيت ذاكرتهم، كما لا يمكن قبول حلول نتائج مأساة حقيقية، لكن على حساب مآسٍ أكبر، ومستمرة، بسبب نظام الأسد وإيران.
الشرق الأوسط