نشهد تصاعد حملة التراشق بين إعلاميين ومغردين
مصريين وخليجيين في تباين ملفت، حركها تفاقم الوضع الاقتصادي الصعب، وتراجع قيمة
الجنيه أمام الدولار والعملات
الخليجية. لكنها قمة جبل الجليد وتخفي أكثر ما تظهر.
هذا التراشق بين الطرفين: إعلام الطرف المصري
من خلال مقالات في صحف رسمية، ومغردين، يقابله رد مغردين خليجيين، مكرر ويشير
لتبدل التحالفات ومقاربات تفتقد لعمق استراتيجي، يؤكد تراجع دور ومكانة مصر، أكبر
وأقوى دولة عربية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
ينظر العرب إلى مصر كمركز للثقل والعمق
الاستراتيجي العربي، وتشكل ربع العالم العربي، والخزان الثقافي والسياسي، وهي مصدر
للعمالة متعددة التخصصات والخلفيات في شتى المجالات التي تحتاجها دولنا الخليجية
لإدارة شؤون بلادنا، من العمالة المدربة والماهرة من أطباء ومهندسين وقضاة وأساتذة
جامعات ومدرسين وعمال بناء وأعمال يدوية وحرفية.
لكن تبقى نقطة ضعف
العلاقات المصرية- الخليجية
عدم تطورها وتقدمها إلى علاقة استراتيجية وأمنية، تعزز الأمن الخليجي بشكل عملي
وفعال، وتقلص الاعتماد على ما أسميه «الأمن الغربي المستورد من بريطانيا إلى
أمريكا»! في المقابل نشهد تصاعدا لدور تركيا وحتى إسرائيل على حساب مصر.
صحيح شاركت مصر بقيادة الرئيس السابق محمد حسني
مبارك في عملية عاصفة الصحراء في تحرير دولة الكويت بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية عام 1991، ولكن بخلاف ما يروج من مسؤولين وإعلاميين مصريين، بأن مصر أدت
دورا رئيسيا، ويستفز بعض المصريين الكويتيين بترديد بتهكم: «نحن حررناكم!»، لكن
الواقع يثبت حسب اعتراف اللواء أركان حرب محمد علي بلال قائد القوات المصرية في
حرب عاصفة الصحراء لتحرير دولة الكويت: «لم تشتبك القوات المصرية في عمليات عسكرية، ولم تدخل حرباً في تحرير الكويت كما حدث في حروب 1956 1967 و 1973 وحرب الاستنزاف».
تؤكد نظريتا الأمن الجماعي والتحالفات، أهم
عامل مؤثر لإنجاح أي تحالف عسكري قدرته على ردع الخصوم والأعداء، وصولاً لمنع
الاعتداء على دولة من الدول الأعضاء؛ لأنه يشكل اعتداء على جميع دول التحالف.
برغم انتماء مصر لما تصفه أمريكا بدول الاعتدال
العربية مع دول مجلس التعاون الخليجي والأردن- بعد تحرير دولة الكويت عام 1991-، لم
تنجح مبادرة «إعلان دمشق» بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسوريا، اللتين
شاركتا في حرب تحرير الكويت، بإرسال قوات مصرية وسورية، وإقامة قواعد عسكرية
دائمة لتعزيز الأمن الخليجي. فشلت المبادرة في تحقيق أهدافها، بعد رفض إيران لأي
وجود عسكري من خارج دول المنطقة، ليقتصر إعلان دمشق على استثمارات ومساهمات مالية
خليجية في اقتصاد مصر وسوريا، حتى تلاشت واندثرت المبادرة قبل انطلاقها.
كما لم تشارك مصر بقوات ضمن تحالف «عاصفة
الحزم» العربية وإعادة الأمل بقيادة السعودية لإعادة الشرعية إلى اليمن، وإنهاء
انقلاب الحوثيين منذ عام 2015. واكتفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتكرار
العقيدة العسكرية: «أمن الخليج ذات أهمية استراتيجية كبيرة، ويشكل أحد الركائز
الرئيسية للأمن القومي المصري. وأن أي تهديد يواجه الأمن الخليجي ومن ثم الأمن
القومي العربي الذي يعد جزءا لا يتجزأ وأمن الخليج، هو من أمن مصر. ويقتضي منا وقفة
لمواجهته بمنتهى الحزم والحكمة». ومسافة السكة لحماية الأشقاء من أهم أولوياتنا».
تبقى تلك العقيدة من ثم شعارا مكررا مستهلكا. وبرز ذلك بوضوح قبل وبعد أكبر
اعتداء بصواريخ ومسيرات إيرانية الصنع على منشآت أرامكو في ابقيق وخريص شرقي
السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وتعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي-5 ملايين برميل
يوميا.
كما تحفظت مصر على الانضمام إلى مبادرة الرئيس
أوباما أولا، والرئيس ترامب لاحقا، على ما عُرف بمبادرة «التحالف الاستراتيجي
للشرق الأوسط»-MESA-»الناتو العربي» بعضوية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن،
لمواجهة إيران والتنظيمات الإرهابية كتنظيم الدولة داعش والقاعدة وغيرهما. كان هذا
قبل أن يبادر الرئيس بايدن بالتحرك لإقحام إسرائيل في تحالف شرق أوسطي واسع في صيف
2022، ما شكل نقطة خلاف رئيسي.
دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، موقف المؤسسة
العسكرية التي تحفظت على المبادرة؛ لأن العقيدة العسكرية المصرية، لا ترى في إيران
عدوا مباشرا لأمنها كما نراه نحن في دولنا الخليجية، وكلفة المبادرة المالية على
اقتصاد مصر، لذلك أعلن الرئيس السيسي انسحاب مصر من مبادرة التحالف الاستراتيجي
للشرق الأوسط مطلع عام 2019، حتى قبل تشكيل التحالف. وكنت وصفت مبادرة التحالف
حينها «بالهلامي ووُلد ميتا-؛ لتزامنه مع الأزمة الخليجية وحصار ومقاطعة دولة قطر».
شاركت مؤخرا بدعوة من إدارة التواصل في
الرئاسة التركية ومركز الدراسات الإيرانية في إسطنبول في مؤتمر عن العلاقات
التركية- الخليجية. ورغبة تركيا بتطوير وتعميق العلاقات مع الدول الخليجية في شتى
المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارات والتجارة والسياحة والتعليم. لفتني
اهتمام تركيا بعد التقارب مع السعودية والإمارات، بأداء دور عسكري ومصدّر للمعدات
العسكرية المتطورة، خاصة بعد توقيع تركيا اتفاقية أمنية مع قطر وإرسال قوات تركية
لقاعدة العديد، برغم تمركز 11 ألف عسكري وطيار أمريكي مع اندلاع الأزمة الخليجية، وتوقيع تعاون أمني مع الكويت. وتوقيع وزارة الدفاع الكويتية صفقة شراء مسيرات
بيرقدار TB2 التركية بقيمة 370 مليون دولار الشهر الماضي، بعدما أثبتت فعالية
قدرتها الهجومية في الحروب في سوريا وأذربيجان وليبيا، ومؤخرا في أوكرانيا ضد
الجيش الروسي. ما زاد عدد الدول المستوردة لمسيرات بيرقدار إلى 28 دولة حول
العالم. كنت أتمنى لو كانت مصرية بدل التركية.
بقاء عقيدة مصر العسكرية شعارات، وغياب
اتفاقيات عسكرية وأمنية، وتراجع أداء مصر لدور قيادي، يعزز الأمن الخليجي والعربي
معا، وعدم قيادة مصر لمشروع عربي يردع الخصوم والأعداء، يمنع تطور علاقات مصر مع
دولنا الخليجية لعلاقة أمنية ودفاعية واستراتيجية.
(القدس العربي)