كتب الأستاذ خالد
داود، الصحفي والسياسي
المصري، مقالا بعنوان "وماذا يفعل
الإخوان لكي يُفرج
عن الجميع؟" على موقع "المنصة"، وكان مقاله في الأصل ردا أو تعليقا
على ما كتبه المهندس يحيى حسين عبد الهادي عبر فيسبوك، بعنوان "بل يجب
الإفراج عن الجميع بمن فيهم الإخوان".
لا يسعني في هذا
المقام الرد على كل ما ورد في مقال الأستاذ خالد، ولكن سأكتفي بالرد والتعليق على
بعض منه، فحق الرد مكفول، وهذا الرد ليس دفاعا عن أحد؛ وسوف أكتب لخالد مباشرة مع
حفظ الألقاب، ولعدم التكرار والإطالة.
صعوبة في رفض
العفو
يجد الأستاذ خالد
-المتحدث باسم جبهة الإنقاذ التي دعمت الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في مصر-
صعوبة في رفض ما ذهب إليه المهندس يحيى، من المطالبة بالإفراج عن كافة المعتقلين،
ولا أعرف كيف يستسيغ لنفسه رفض المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين جميعا،
والذين يعرف القاصي والداني براءتهم.
لا تُعد محاولة رفض المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين منافية للإنسانية فحسب، وإنما انتهاكا صارخا للحد الأدنى من حقوق الإنسان، التي طالما كتب عنها الأستاذ في مقالاته، فضلا عن أن ذلك يتنافى مع قواعد العمل السياسي
كما لا تُعد
محاولة رفض المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين منافية للإنسانية فحسب،
وإنما انتهاكا صارخا للحد الأدنى من حقوق الإنسان، التي طالما كتب عنها الأستاذ في
مقالاته، فضلا عن أن ذلك يتنافى مع قواعد العمل السياسي.
أين سيادة القانون،
وحقوق الضحايا الذين تتحدث عنهم يا خالد؟ سنتجاوز سيادة القانون الذي يطالب الجميع
بسيادته بالتساوي على جميع المواطنين، ولكن هل تطالب أيضا بحقوق ضحايا فض
الاعتصامات، أم ضحايا القتل خارج إطار القانون، أم ضحايا الاعتقال التعسفي
والعشوائي بالآلاف في السجون، وأنت أعلم الناس بهم؟
ولأن الإنصاف
عزيز، فجدير بالتذكير استقالتك الجريئة من منصبك في جبهة الإنقاذ، يوم 16 آب/ أغسطس
2013، ولكن بعد ماذا؟!! بعدما قُتل الآلاف، بعدما أخطأتم التقدير وشرعنتم استخدام
العنف؟ هذه الخطيئة يا خالد، عار سياسي لا يمحوه الزمن.
من يتحمل النصيب
الأكبر
مما لا شك فيه،
أن الإخوان يتحملون نصيبا مما آلت إليه الأوضاع، ولكن هل نسيت نصيبك أيضا من هذا؟
يا خالد أنت تعلم أنه من أول يوم كانت هناك طرق للحل، ولكن النظام أبى سوى العنف. وهنا
أذكرك بالرسالة التي كتبها البرادعي للسيسي بعد فض الاعتصام، عندما قال: "أصبح
من الصعب عليّ أن أستمر في تحمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها، وأخشى عواقبها، ولا
أستطيع تحمل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني، خاصة
مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها".
الإخوان يتحملون نصيبا مما آلت إليه الأوضاع، ولكن هل نسيت نصيبك أيضا من هذا؟ يا خالد أنت تعلم أنه من أول يوم كانت هناك طرق للحل، ولكن النظام أبى سوى العنف
كما أذكرك،
ومتيقن أنك قرأت، ما قاله المسؤول الأوروبي بعد فض رابعة، أنه كان هناك اتفاق للحل
والتسوية قبل الفض، وقبل مذبحة الحرس الجمهوري، ولكن الفريق المتشدد نجح في تحييد
الفريق المتعاون من دائرة اتخاذ القرار في القصر، بعد القبض على الرئيس مرسي. يا خالد
إذا كنت تبحث عمن تحمله ما آلت إليه الأوضاع، فالكل شريك في هذا، كلٌ على قدر
مسؤوليته.
وهنا إشارة يجب
أن أؤكد عليها، أن الذي اختار مسار العنف والقتل هو النظام الانقلابي، وأن جبهة
الإنقاذ التي كنت أنت يا خالد المتحدث الإعلامي باسمها أحد أذرع هذا الانقلاب؛
وأحد أدواته في القتل، والله أشهد، أن كل ضحايا هذا العنف والقتل خارج إطار
القانون، لن تضيع حقوقهم في الدنيا والآخرة.
كلنا أخطأنا يا خالد،
من يوم 25 يناير وإلى الآن، نعم كلنا أخطأنا، عندما أطلقنا العنان لرغباتنا في
الحرية والديمقراطية، فانتقلنا من قاع الفساد والاستبداد في عهد المخلوع، لقمة
النزاهة والحرية في عهد الرئيس المنتخب. ولا حاجة لتذكيرك بما فعله مرسي حتى لا
ينام صحفي في الحبس الاحتياطي ليلة واحدة، ولا بما فعله لإحضار صحفية من السودان، والحديث
عن نزاهة مرسي لا يحتاج دليلا.
نعم كلنا أخطأنا،
عندما لم نستطع الموازنة بين رغباتنا وقدراتنا على تحقيقها والتحديات التي يمكن أن
نواجهها، كان الأمل أن نبني دولة حقيقية في مصر، وهذا يعني لاعبا جديدا رئيسا في
بنيان السياسة الدولية وقائدا في الإقليم، وهؤلاء يا خالد من تحالفتم معهم
للانقلاب على الثورة ووأد التجربة في مهدها.
الليبرالية
المستبدة
يقول أحد علماء
علم النفس: "قد يكون أكثر الناس إظهارا للتواضع، هو أشدهم غرورا".. للأسف
تنطبق هذه القاعدة على الكثير من النخبة السياسية المصرية، فالأستاذ خالد الذي لم
يحتمل
الديمقراطية في انتخابات حزب الدستور، وقبلها لم يحتمل الديمقراطية
2012-2013، الآن يحاضرنا في أدبيات الديمقراطية وحلفاء الدولة المدنية!
ضمَن الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان للحقوق المدنية والسياسية؛ يعد الحق في حرية الرأي والتعبير
للأفراد والدول، باعتباره أحد الضرورات لتحقيق حقوق الإنسان الآخر.
قد تكون هناك
ملاحظات إجرائية جديرة بالاعتبار، متعلقة بعمل الجماعة، ولكن ألم تسمع قول السيسي
أنه جفف منابع الإخوان؟ هل تعرف كيف يفهم السيسي تجفيف منابع الإخوان؟ هو
الاستيلاء على الآلاف من المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، التي يعرف القاصي
والداني دورها في المجتمع المصري، وكيف أثر غيابها على المجتمع.
التجفيف الذي
رأيته بعينيك في السجون، التجفيف البشري لرجال عرفتهم بنفسك، كان كل همهم أن ينهض
هذه البلد ويأخذ مكانته الطبيعية بين الأمم، التجفيف بالاستيلاء على أموال الشعب.
من سيبني الدولة
المدنية الديمقراطية؟
يا أستاذ خالد كان يسعُك السكوت، فإن كنت مرغما على ما كتبت -ولا أظنك- فعذرك مقبول، وإن كنت حقا تريد أن تبني مصر المدنية الديمقراطية فالباب مفتوح للعمل على بناء تحالف وطني حقيقي، يسعى لصياغة معادلة جديدة للعلاقات بين القوى المدنية والنظام، ويسعى لنبذ العنف وإطلاق سراح المعتقلين
في هذا الجانب
بالذات، لن أتكلف عناء الرد، لأني واثق أنك بخبرتك الصحفية العريضة مع الصحف
الأجنبية قد اطلعت وقرأت العديد من التقارير والدراسات التي تؤكد قدرة الإخوان على
العودة والعمل، بل وضرورة عودتهم لبناء الدولة المصرية.
يا خالد أنت وكل
من له علم بالسياسة يعلم، أنه لا سبيل لبناء الدولة سوى بالتوافق بين القوى، يعني
كل القوى، وفي القلب منهم الإخوان. تختلف أو تتفق معهم، ليست مشكلة، لكن أن تحكم
بإقصائهم أو تطالبهم بالتنحي، فهذا الكلام أبعد ما يكون عن الواقعية السياسية.
أخيرا..
فلا أريد
الإطالة، يا أستاذ خالد كان يسعُك السكوت، فإن كنت مرغما على ما كتبت -ولا أظنك-
فعذرك مقبول، وإن كنت حقا تريد أن تبني مصر المدنية الديمقراطية فالباب مفتوح
للعمل على بناء تحالف وطني حقيقي، يسعى لصياغة معادلة جديدة للعلاقات بين القوى
المدنية والنظام، ويسعى لنبذ العنف وإطلاق سراح المعتقلين.
النداء الأخير
لعقلاء وشرفاء هذا الوطن، وهم كُثر، هلموا إلى بناء توافق وطني حقيقي بلا إقصاء أو
تخوين أو محاسبة على الماضي، يا أستاذ خالد إذا كان مستحيلا أن نحيا متفقين،
فلنتفق أن نتعايش ونحن مختلفين.