اختار الرئيس سعيد مواصلة التصعيد ليس فقط
ضد الاتحاد
العام التونسي للشغل، وإنما تعمّد أيضا الدخول في معركة كسر عظم مع الحركة
النقابية العالمية. لا أدري من نصحه
بطرد السيدة استر لانش، الأمينة العامة لاتحاد
النقابات الأوروبية، بتلك الطريقة المهينة دون مراعاة الحد الأدنى من تقاليد
التعامل مع ضيوف
تونس، لكن المؤكد أن ما حصل ستكون له مزيد التداعيات السلبية على
صورة البلد وستزيد من العزلة الدولية للسلطة التونسية.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى هذا
الأسلوب، إذ سبق لرئيس الجمهورية
قيس سعيد أن فعل نفس الشيء مع رئيسة لجنة
البندقية ومرافقيها احتجاجا منه على موقف هذه الهيئة الاستشارية الأوروبية من مجمل
الإجراءات التي اتخذها بعد 25 تموز/ يوليو. فبدل أن يستقبل أعضاء اللجنة وهم
مختصون مثله في القانون الدستوري، ويشرح لهم وجهة نظره في مسائل خلافية، رفض
التحاور معهم واعتبرهم أشخاصا غير مرحب بهم في تونس. وبالتالي يعتبر ما حصل هذه
المرة هو ثاني إجراء قاس يأخذه الرئيس سعيد ضد هيئة هامة وحساسة للمنظومة
الأوروبية التي تُعتبر الشريك الأول لتونس.
من الخلافات الجوهرية مع قيس سعيد أنه يعتبر التضامن الخارجي أو الدولي في مجال الحريات وحقوق الإنسان شكلا من أشكال الاعتداء على السيادة الوطنية. ولا يقتصر حكمه على الحكومات الغربية، وإنما يشمل أيضا المنظمات الدولية وفعاليات المجتمع المدني العالمي. لهذا كلما حصل اشتباك بين السلطة وبين قوى سياسية ومدنية داخلية، وعبرت منظمات وهيئات إقليمية أو دولية عن تضامنها ودعمها، إلا وتشنج الخطاب الرسمي، وتدخلت رئاسة الجمهورية بكل ثقلها ورفعت شعار السيادة
فعل ذلك الرئيس وسيستمر على هذا النهج باسم الدفاع عن
السيادة التونسية، وهي مهمة مقدسة من واجب كل رئيس في العالم التحرك بحزم للدفاع
عن سيادة بلده كلما تعرضت للمساس والإهانة من دولة أخرى.
السؤال الذي يطرحه النقابيون في تونس: هل تم فعلا
الاعتداء على البلاد وسيادتها؟ وهل ما قامت به هذه المسؤولة النقابية رفيعة
المستوى يشكل تدخلا سافرا في شؤون البلاد؟
من الإشكالات الكبرى المطروحة حاليا هي تحديد ماهية
السيادة وحدودها، وكيفية التعامل مع الذين نعتقد بأنهم يهددونها بطريقة ما.
من الخلافات الجوهرية مع قيس سعيد أنه يعتبر التضامن
الخارجي أو الدولي في مجال الحريات وحقوق الإنسان شكلا من أشكال الاعتداء على
السيادة الوطنية. ولا يقتصر حكمه على الحكومات الغربية، وإنما يشمل أيضا المنظمات
الدولية وفعاليات المجتمع المدني العالمي. لهذا كلما حصل
اشتباك بين السلطة وبين
قوى سياسية ومدنية داخلية، وعبرت منظمات وهيئات إقليمية أو دولية عن تضامنها
ودعمها، إلا وتشنج الخطاب الرسمي، وتدخلت رئاسة الجمهورية بكل ثقلها ورفعت شعار
السيادة في وجه الجميع. هو نفس الإشكال الذي كان قائما في عهد الرئيس بن علي خلال 23
عاما، وتصدت له الحركة الحقوقية بكل قوة.
هناك حركة نقابية عالمية، وهذه الحركة متضامنة مع
بعضها. نحن لن نصنع التاريخ من جديد، التضامن الدولي قيمة جماعية ترتقي إلى مستوى
القانون. وقد عرف الاتحاد التونسي للشغل تجارب من هذا القبيل، حيث وقف نقابيو
العالم إلى جانب قيادتها الشرعية خلال أزمة 26 كانون الثاني/ يناير 1978 في لحظات
تغول السلطة ومحاولة التدخل في شؤونها وضرب استقلاليتها.
تقف اليوم رئاسة الجمهورية في الموقف الأضعف لأن الاتحاد نجح في تجميع صفوفه، وتلك عادة النقابيين، فكلما هاجمتهم السلطة إلا والتفت القواعد حول قيادتها، وتم تجاوز الخلافات الداخلية وإرجاء الحسم فيها. كما أعلنت معظم القوى السياسية والجمعيات المختلف عن مساندتها للاتحاد ودعمه، إلى جانب التضامن الدولي
تقف اليوم رئاسة الجمهورية في الموقف الأضعف لأن
الاتحاد نجح في تجميع صفوفه، وتلك عادة النقابيين، فكلما هاجمتهم السلطة إلا
والتفت القواعد حول قيادتها، وتم تجاوز الخلافات الداخلية وإرجاء الحسم فيها. كما
أعلنت معظم القوى السياسية والجمعيات المختلف عن مساندتها للاتحاد ودعمه، إلى جانب
التضامن الدولي. فموقف الاتحاد واضح، لهذا دعا الأمين العام الطبوبي إلى مزيد من
التعبئة والتحشيد لتنظيم أكبر وأوسع تجمع احتجاجي من أجل استعراض القوة.
الكرة اليوم في ملعب السلطة، فهل تتراجع وتقبل الدخول
في حوار جدي وشامل معظم المركزية النقابية والمنظمات الحليفة لها، أم أنها ستتمسك
بمنهج التصلب والتشدد، وهو الخيار الأرجح الذي يعلم الجميع نتائجه وكلمته سياسيا
واقتصاديا؟