أعلنت أنقرة درجة الإنذار الرابعة لتطلب مساعدة دولية إثر
الزلزال الذي ضرب
جنوب
تركيا، واستجابت عشرات الدول من كافة أنحاء العالم لذاك الطلب، وأرسلت فرق
الإنقاذ والمساعدات للمشاركة في جهود إخراج العالقين من تحت الأنقاض وتضميد جراح
المتضررين من الكارثة؛ التي أسفرت عن انهيار آلاف المباني ومقتل ما يفوق 45 ألف نسمة في عشر محافظات، بالإضافة إلى إصابة عشرات الآلاف الآخرين.
العلاقات التركية
اليونانية كانت متوترة قبل وقوع الزلزال، كما أن العلاقات
الدبلوماسية بين تركيا وأرمينيا لم يتم تأسيسها حتى الآن، إلا أن كلتا الدولتين
أرسلت فرق إنقاذ إلى جنوب تركيا. وقام وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس،
ووزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، بزيارة بعض المدن المنكوبة التي دمرها
الزلزال، للتعبير عن تضامن بلاديهما مع تركيا وتقديم تعازيهما في ضحايا الكارثة.
أنقرة ترغب في تطبيع علاقاتها مع القاهرة منذ مدة. وعلى الرغم من مصافحة
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ونظيره
المصري عبد الفتاح السيسي في
العاصمة القطرية الدوحة، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على هامش افتتاح كأس
العالم لكرة القدم، لم تصل جهود المصالحة بعد إلى الهدف المنشود، الأمر الذي أدى
إلى تراجع الآمال في عودة العلاقات التركية المصرية إلى مسارها الطبيعي في
المستقبل القريب، إلا أن المساعدات المصرية لمنكوبي الزلزال والزيارة التي قام بها
وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى تركيا للتضامن إثر وقوع الكارثة، أحيت تلك الآمال.
نشاط الدبلوماسية الإنسانية بعد الكوارث ووصول مساعدات وفرق إنقاذ من دول مختلفة إلى المناطق المنكوبة أمر طبيعي لا يحدث لأول مرة. ومن المؤكد أنه يخفف حدة التوتر ويسهم في بقاء القنوات الدبلوماسية لحل المشاكل، إلا أن مصالح الدول القومية وقضاياها الكبرى لا تتأثر برسائل التعازي والتضامن
نشاط الدبلوماسية الإنسانية بعد الكوارث ووصول مساعدات وفرق إنقاذ من دول
مختلفة إلى المناطق المنكوبة أمر طبيعي لا يحدث لأول مرة. ومن المؤكد أنه يخفف حدة
التوتر ويسهم في بقاء القنوات الدبلوماسية لحل المشاكل، إلا أن مصالح الدول
القومية وقضاياها الكبرى لا تتأثر برسائل التعازي والتضامن. وبعبارة أخرى، العلاقات
التركية اليونانية ستبقى متوترة ما لم تتراجع أثينا عن مزاعمها الباطلة في بحر
إيجة والبحر الأبيض المتوسط حول الحدود اليونانية البحرية، وما لم تتخل عن سياسة تسليح
جزر إيجة التي تنص المعاهدات على إبقائها منزوعة السلاح وعدم استخدامها لأغراض
عسكرية. كما أن تطبيع العلاقات التركية الأرمينية مرهون بتطبيع العلاقات
الأذربيجانية الأرمينية ومدى التزام يريفان بتعهداتها.
تركيا أعلنت دائما رغبتها في حل المشاكل بطرق دبلوماسية، ولكنها في ذات
الوقت أبدت استعدادها لكافة الخيارات بما فيها العسكرية من أجل حماية أمنها وحقوقها
ومصالحها. وهو ما تشدد عليه مرة أخرى، في ظل كارثة الزلزال التي تنشغل بها هذه
الأيام، وسط أصوات ترتفع من أثينا قائلة إن انشغال تركيا بجراحها فرصة لا تعوض
لتوسيع مياه اليونان الإقليمية إلى 12 ميلا لتحويل
بحر إيجة إلى بحيرة يونانية. وهو ما ترفضه تركيا جملة وتفصيلا، وتعتبره إعلان حرب
عليها.
العلاقات التركية المصرية هي الأقرب إلى التطبيع نظرا لعدم وجود مشاكل
كبيرة تعيق التقارب بين البلدين، كما أن تحسن العلاقات بين تركيا ومصر يخدم مصالح
الطرفين. وكان تجاهل أردوغان للسيسي أكبر عائق أمام ترميم العلاقات، إلا أنه زال
بعد مصافحة الدوحة. وأشار المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد،
إلى وجود "نية من تركيا ومصر لوضع أطر محددة، وعودة العلاقات لمسارها الطبيعي"،
مؤكدا أن الهدف من زيارة شكري لتركيا هو استعادة العلاقات المصرية والتركية.
تركيا ليست منشغلة بكارثة الزلزال وآثارها فحسب، بل أمامها أهم انتخابات رئاسية وبرلمانية في تاريخها. ومن المؤكد أن قوى إقليمية ودولية كثيرة تنتظر نتائج هذه الانتخابات لتعيد النظر في حساباتها
تركيا ليست منشغلة بكارثة الزلزال وآثارها فحسب، بل أمامها أهم انتخابات
رئاسية وبرلمانية في تاريخها. ومن المؤكد أن قوى إقليمية ودولية كثيرة تنتظر نتائج
هذه الانتخابات لتعيد النظر في حساباتها، إلا أن العلاقات التركية المصرية مرشحة
للتحسن في كلتا الحالتين، سواء فاز أردوغان أو مرشح المعارضة. فإن فاز أردوغان فستواصل
أنقرة جهودها لتطبيع علاقاتها مع القاهرة، كما أن فوز مرشح المعارضة في الانتخابات
الرئاسية سيعني إزالة كثير من الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقات التركية
المصرية بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.
هناك ملف دبلوماسي آخر ينتظر نتائج الانتخابات التركية، وهو ملف انضمام
السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". وبعد وقوع الزلزال، قام
الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، بزيارة تركيا، وقال إن "السويد وفنلندا
فعلتا ما يكفي لتلبية مطالب أنقرة بقمع التطرف"، ظنا منه أن الكارثة وفرت
ظروفا مناسبة لممارسة مزيد من الضغط على تركيا الجريحة كي توافق على انضمام ستوكهولم
إلى الحلف، إلا أن أنقرة لا تتفق مع ستولتنبرغ، بل ترى أن ستوكهولم لم تفعل حتى
الآن ما هو مطلوب منها، وهو ما أعرب عنه وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو،
الذي أشار إلى وجود تعهدات بشأن انضمام السويد إلى حلف الناتو، مؤكدا أن موافقة
أنقرة على عضوية ستوكهولم غير ممكنة ما لم يتم تنفيذ تلك التعهدات.
twitter.com/ismail_yasa