بعد
الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري وذهب ضحيته الآلاف من الأتراك
والسوريين؛ تبرز أهمية قصوى لتسليط الضوء على ظواهر البؤس والحرمان في الدول
العربية، وهي زلازل أكثر خطورة وأوسع نطاقاً من أي زلزال طبيعي. وفي هذا السياق تعتبر
النظم والطغم العربية المستبدة الحاكمة أن الشعوب هي مجرد أرقام ولخدمتها، ويتم
تخديرها بشعارات رنانة في مقدمتها شماعة تحرير فلسطين، لتقع الشعوب التواقة للحرية
تحت سيف الجوع والفقر والحرمان والتضخم النقدي المعبر عنه بارتفاع الأسعار الذي
بات سيد المشهد في غالبية الدول العربية، لتتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والجوع
والتهجير فضلاً عن ارتفاع معدلات الأمية وتراكم قيمة الديون.
بؤس
المؤشرات
يلحظ
المتابع اشتداد وطأة القبضة الفولاذية للنظم العربية الحاكمة في غالبية الدول
العربية منذ عدة عقود خلت، لكن الأخطر أن تلك الدول باتت خلال العقد الأخير تعتمد
إلى حد كبير على مليشيات وعصابات طائفية داخلية أو عابرة للحدود بشكل لافت على
حساب مؤسسات الدول، ليصبح المواطن العربي أسيرا لمصطلحات عديدة فرضتها تلك النظم،
وباتت هي الناظم الوحيد لحركة المجتمعات العربية ونشاطاتها المختلفة، في الوقت
الذي تتطلع فيه تلك المجتمعات إلى بناء المؤسسات التي تعبّر عن ديناميكية المجتمع
وقدراته وقواه الحقيقية وكفاءاته الكامنة، لتنتشر ظاهرة
الفساد والإفساد وتصل إلى أهم
سلطة في الدولة المتمثلة بالقضاء، ولتصبح الرشوة سيدة الموقف، وليصبح الحق باطلاً
والباطل حقا في غالب الأحيان، لكن الحَكَم والجلاد يبقى في نهاية المطاف سلطة
العسكر، العسكر وحدهم، ولتنتشر بعد ذلك ظاهرة الفساد والإفساد والتسلّط في مناحي
الحياة كافة في غالبية الدول العربية، مع استمرار تبوؤ تلك النظم ريادة الحياة
السياسية والاقتصادية.
تحكم أقلية من السكان التي تعيش على فتات النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، وكان ذلك مقدمة لتهجير الملايين من الدول العربية باتجاه الغرب وبينهم طاقات علمية وأكاديمية عالية، وبقيت أكثرية المجتمعات العربية عُرضة لتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والبطالة والجوع والحرمان
وقد
أدى ذلك إلى تحكم أقلية من السكان التي تعيش على فتات النظام السياسي القائم
بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، وكان ذلك مقدمة لتهجير الملايين
من الدول العربية باتجاه الغرب وبينهم طاقات علمية وأكاديمية عالية، وبقيت أكثرية
المجتمعات العربية عُرضة لتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والبطالة والجوع والحرمان.
في
مقابل ذلك يتوزع الدخل القومي بشكل أكثر عدالة نسبياً في الدول المتطورة،
وبالأرقام ثمة 10 في المائة من سكان الوطن العربي يستحوذون على 90 في المائة من
الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعل 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر،
ويضعف خياراتهم الصحية والتعليمية والترفيهية.
زلازل
العسكرتارية
تبوأ
العسكر السلطة في غالبية الدول العربية إثر استقلال وهمي قبل أكثر من سبعة عقود
خلت، وتبعاً لذلك تمت سطوة العسكر على كافة مقاليد الحياة في غالبية الدول
العربية، وتمّ إخضاع المؤسسة العسكرية لتوجهات النظم المستبدة، حيث لم يتم تشكيل
الجيوش وصياغة المؤسسة العسكرية بشكل يلبي تطلعات الشعوب العربية وتطورها، ناهيك
عن حفظ الأمن والسلم الأهلي، وحماية الأوطان من أي عدو خارجي يتربص بالدول العربية
ومقدراتها الوفيرة.
وكانت
موازنات الجيوش العربية وما زالت عبئاً إضافيا على الشعوب العربية والتنمية
المستدامة والتعليم والصحة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. وتشير دراسات إلى أن
إجمالي الإنفاق العسكري والأمني التراكمي للبلدان العربية قدِّر بنحو تريليون و513
مليار دولار خلال فترة ما بين 2002 و2022. ومرد ارتفاع الإنفاق العسكري والأمني
للبلدان العربية توسع غالبية حكومات البلدان العربية في زيادة عدد أفراد الجيوش
والأجهزة الأمنية، وشراء أسلحة ومعدات عسكرية وأمنية، ورفع رواتب العسكريين وأفراد
قوات الأمن بمختلف مسمياتها.
يفوق حجم ما تنفقه الدول العربية وبلدان أخرى في العالم الثالث على المجال العسكري، ما يتم إنفاقه على التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبنية التحتية وخلق فرص عمل والتعليم والصحة والبحث العلمي وغير ذلك، ويترجم ذلك بعدم إخضاع الإنفاق على التسلح والأمن لمعايير تراعي ضرورات أن لا يؤثر على متطلبات تنمية مستدامة ومتوازنة
وتبعاً
لذلك، يفوق حجم ما تنفقه الدول العربية وبلدان أخرى في العالم الثالث على المجال
العسكري، ما يتم إنفاقه على
التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبنية التحتية وخلق
فرص عمل والتعليم والصحة والبحث العلمي وغير ذلك، ويترجم ذلك بعدم إخضاع الإنفاق
على التسلح والأمن لمعايير تراعي ضرورات أن لا يؤثر على متطلبات تنمية مستدامة
ومتوازنة، ومعالجة المعضلات الاقتصادية والفقر والعوز والحرمان في الخدمات العامة
والرعاية الاجتماعية.
كل
ذلك جعل غالبية الشعوب في الدول العربية ترزح تحت سيف التهجير والفقر والحرمان،
فضلاً عن اتساع معدلات الأمية وهجرة مزيد من رأس المال البشري العربي ورؤوس الأموال
العربية المالية إلى الدول الغربية كأمريكا والدول الأوروبية التي تتمتع
باقتصاديات قوية ومتطورة، في وقت وصلت فيه قيمة الديون الخارجية على الدول العربية
خلال العام المنصرم 2022 إلى تريليون ونصف التريليون دولار، وكافة تلك المؤشرات
البائسة إنما هي زلازل من صناعة النظم العربية المستبدة والمتحكمة برقاب الشعوب
العربية.