يا
قلب
مصر النقي
وقلب
مصر بياض
عزيز
علينا اللُّقا
بعد
الفراق يا رياض
يا
عِتْرة الحراس
يا
أبو الايدين تنباس
يا
ريتني كنت معاك
وشربت
نفس الكاس
هطَّال
يا دمع البُكا
واللي
بكى لَمْ طال
دم
الجدع يا جدع
سال
ع الكنال هطَّال
يروي
على أرضنا
حدوتة
بالموال
بعد
الصلا ع النبي
يا
ليل يا عين يا نضال
بهذه
الكلمات رثى الراحلُ أحمد فؤاد نجم؛ رئيسَ أركان حرب القوات المسلحة بعد هزيمة
حزيران/
يونيو 1967، الفريق أول الشهيد
عبد المنعم رياض، وبعد حرب 1973 قرر الرئيس
السادات إعلان يوم استشهاده يوم الشهيد في مصر، ومثلُ شهيدنا يحق تخليد ذكراه
ليتعلَّم منه اللاحقون، ويعتزَّ بسيرته أبناء وطنه.
كان
الشهيد من مواليد عام ثورة 1919، وشارك في الحرب العالمية الثانية في ظل الاحتلال
الإنجليزي لمصر، ثم شارك في حرب 1956، ووقت هزيمة 1967 كان قائد مركز القيادة
العربية المشتركة المتقدم في الأردن، وفي اليوم الثاني من بدء العدوان الصهيوني
أرسل برقية إلى الراحل جمال
عبد الناصر، ونصُّها:
"عمَّان،
6/6/1967، (س 12.00)
الموقف
في سبيله إلى التدهور السريع في الضفة الغربية. هجوم مركّز على مختلف المحاور مع
قصف جوي عنيف ليل نهار. القوات الجوية الأردنية والسورية والعراقية في (هـ 3)
والقاذفات عمليا دمرت. بعد التشاور مع الملك حسين طلب مني إبلاغكم أن هناك حلا من
ثلاثة:
1
- قرار سياسي نافذ بإيقاف القتال اليوم يفرض من جهة خارجية (أمريكا- روسيا- مجلس
الأمن).
2
- إخلاء الضفة الغربية الليلة.
3
- البقاء ليوم واحد زيادة يؤدي إلى قطع الجيش الأردني بالكامل وتدمره.
طلب
مني الملك حسين عرض الموضوع عليكم للرد بما ترون وعاجلا".
كانت
الصورة واضحة أمامه، الجيوش العربية بتفكك زعماء الدول لن تصمد يوما واحدا، وأن
الحل ليس في يد الزعيم الخالد، ولا القادة الأشراف، بل في يد قوة خارجية، طالما
أعلن زعيم الهزائم أنه فوق كل قوى الإمبريالية والاستعمار.
انتهت
الهزيمة بما انتهت إليه، وقدم الفريق رياض تقريره بتارخ 19 حزيران/ يونيو 1976 في
نطاق عمله على الجبهة الأردنية، وجاء فيه:
"لم
تكن هذه المعركة، من وجهة نظر مسرح عمليات الجبهة الأردنية، معركة متكافئة بأي حال
من الأحوال، ولم يكن في الإمكان أن تنتهي إلا إلى النتيجة التي انتهينا إليها
فعلا. فمن ناحية قد أدت المفاجأة التي منيت بها القوات الجوية في "ج. ع. م"
إلى حصول العدو على السيطرة الجوية عموما منذ أولى ساعات العمليات، وبالتالي تكبدت
القوات الجوية السورية خسائر كبيرة استبعدتها عمليا من جو المعركة، مما أدى إلى
خوض المعركة في الجبهة الأردنية بلا معاونة أو غطاء جوي يذكر، وأصبح العدو في موقف
متميز إلى حد كبير، إذ كان يقوم بتدمير قواتنا جوا ثم يتقدم بقواته البرية عندئذ
بلا عناء.
وعليه،
كاستنتاج عام، فإن المعركة كانت معركة جوية أولا وأخيرا، حصل فيها العدو على
السيطرة الجوية منذ الساعات الأولى وسهَّل ذلك لقواته البرية النجاح بلا عناء
كبير. وقد قاتلت الوحدات الأردنية قتالا مريرا في ظروف غير مقبولة، وأدت واجبها
بكل أمانة وشرف، ولكن الموقف الجوي المطلق لصالح العدو لم يمكنها من أداء مهمتها".
وفي
حديثه عن القدس والانسحاب منه جاء في تقريره:
"خلال
ليل 7-6 صدر قرار مجلس الأمن بإيقاف القتال، وكان هناك أمل في تطبيق هذا الأمر من
ناحية العدو نتيجة للضغط السياسي عليه، وبناء على ذلك فقد عاد الأمل يراودنا في
الاحتفاظ بمعظم الضفة الغربية والقدس، التي كان قرار الانسحاب منها يعز علينا
جميعا، وعليه فقد صدرت الأوامر بإلغاء الأمر الأول (يعني الانسحاب إلى الضفة
الشرقية) سعت 235. ي 7-6.
وما
حدث بعد ذلك كان عكس ما تمنينا، واستمر العدو في القتال بغية الوصول إلى الوادي،
مما اضطرنا إلى تأجيل أمر الانسحاب الى إليوم التالي 8-6، وهذا أحدث خسائر أكبر في
القوات الأردنية، وخصوصا في لواء حطين الذي تكبد خسائر كبيرة أثناء انسحابه نهارا
تحت قصف جوي عنيف. إلا أنني أرى أن التضحية كانت تساوي الأمل الذي كان يراودنا".
ثم
ختم تقريره بالدروس المستفادة من المعركة، وكانت الفقرة الأولى منها على النحو
التالي:
"إن
خوض معركة مع العدو يلزم التنسيق والتحضير المسبق، والذي حدث هو أن القيادة
العربية الموحدة التي كانت قائمة بهذا العمل قد شلت أيديها قبل المعركة بحوالي
سنة، وعليه لم يكن هناك تنسيق بالمعنى المفهوم، ولم يكن هناك تجهيز لمسرح العمليات
بشكل مقبول، والقيادة المتقدمة التي شكلت قبل المعركة بأيام لم يكن في وسعها أن
تفعل أكثر مما فعلت، وهذا خطأ بيِّن للسياسة العربية التي جنت على الجندية العربية
قبل أن تجني عليها إسرائيل".
كان تقرير الراحل ملخِّصا لأهم سببين في الهزيمة؛ تجاهل
الحفاظ على الطيران مثلما نصح كثيرا الفريق مدكور أبو العز، والثاني التناحر
السياسي العربي الذي أوصلنا إلى الكارثة التي ما زلنا نعيشها.
كان الفريق رياض بطلا استثنائيا، وكُلِّف بأصعب مهمة في
التاريخ؛ أن يُحيي جيشا نالته الهزيمة، وأضعفته القيادة المشغولة بأمنها الشخصي،
فنالت الهزيمة تلو الثانية، لكن الزعيم الذي حوَّل قيادات المؤسسة العسكرية إلى
زمرة من الرفاق، يأتلفون في ليالي السهر والملذات الشخصية، اضطر ليتوقف أخيرا عن
عبثه بمصر، فأحضر الكفاءات العسكرية لمنصب القيادة، وكان الفريق رياض رئيس أركان
هذه المؤسسة، ومن نزاهته وجنديته وإخلاصه، ذهب لمتابعة عملية الهجوم على خط بارليف
لتدمير تحصيناته، ولم يقف على الخطوط الخلفية للقتال، بل على خط المواجهة
المباشرة، فصدق مع نَفْسه التي كانت تردد للعلن:
"إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب في القاهرة،
فالهزيمة مُحقَّقَة، إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المقدمة من
المؤخرة".
عندما
مات رياض خرجت جنازة شعبية له لا عسكرية وحسب، ورثاه نزار قباني بكلمات بليغة تدل
على حاله، وحال بعض من عاصرهم من العسكريين العابثين:
لو
يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..
لو
يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
لو
مدمنو الكلامِ في بلادنا
قد
بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
لو
أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
قد
خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..
واحترقوا
في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ
لم
يسقطِ المسيحُ مذبوحا على ترابِ الناصرةْ
ولا
استُبيحتْ تغلبٌ
وانكسرَ
المناذرةْ..
لو
قرأوا -يا سيدي القائدَ- ما كتبتْ
لكنَّ
من عرفتَهمْ
ظلُّوا
على الحالِ الذي عرفتْ..
يدخّنون،
يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ
ويطعمونَ
الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ
وبعضهمْ..
يغوصُ في وحولهِ..
وبعضهمْ..
يغصُّ في بترولهِ..
وبعضهمْ..
قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..
ومنتهى
نضالهِ..
جاريةٌ
في التختْ..
يا
أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ..
الخطوةُ
الأولى إلى تحريرنا
أنتَ
بها بدأتْ..
يا
أيُّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم
قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ..
جميعهم
قد هُزموا
ووحدكَ
انتصرتْ..