ما بات مسلّما به لدى جميع المعنيين بالأزمة الرئاسية في
لبنان، أن مقاربة هذا الملف انتقلت إلى
مستوى جديد من التعاطي ويأخذ هذه المرة طابع جديا لا تراجع عنه، بالتزامن مع حديث
متزايد داخل الغرف المغلقة عن احتمال حصول مفاجآت غير محسوبة، وظاهر الأمور
الداخلية يَشي بأنّ الانقسام الحاصل بين مكونات الصراع السياسي، من النوع الذي
يستحيل وقفه داخليا.
وذلك ربطا بعمق
التناقضات فيما بينها سواء على الأساسيات، وجنوحها الدائم نحو الصدام وإغلاق كل
المعابر المؤدية إلى توافق على انفراج رئاسي، إلّا أنّ الوقائع التي تدحرجت على
المشهد الرئاسي في الأيّام الاخيرة، أوحَت وكأنّ خلف الأكمة الرئاسية يد خفية تسعى
خلف الكواليس لإنضاج "الطبخة الرئاسية".
ومع تبني الثنائي
الشيعي لترشيح رئيس تيار المردة،
سليمان فرنجية، يفتتح مسارا سياسيا جديدا في
المشهد اللبناني، ما سيضع الاستحقاق المنتظر على عربة الجدية، بغض النظر عن موعد
الوصول إلى صيغة تسوية، التي تعول عليها أغلبية الأطراف السياسية، لذا فإن هذا
الدعم والتبني من قبل طرفين شيعيين، لا بد من أنه سيسهم في إطالة أمد المشكلة
الحاصلة حول الرئيس ومواصفاته، في ظل غياب أي معطى فعلي للدخول في حوار حقيقي بين
الأطراف السياسية.
مع تبني الثنائي الشيعي لترشيح رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، يفتتح مسارا سياسيا جديدا في المشهد اللبناني، ما سيضع الاستحقاق المنتظر على عربة الجدية، بغض النظر عن موعد الوصول إلى صيغة تسوية، التي تعول عليها أغلبية الأطراف السياسية، لذا فإن هذا الدعم والتبني من قبل طرفين شيعيين، لا بد من أنه سيسهم في إطالة أمد المشكلة الحاصلة حول الرئيس ومواصفاته.
واندفاعة الثنائي
الشيعي أتت عقب اللقاء الثاني الذي جمع مستشار نبيه بري مع السفير السعودي وليد
البخاري العائد من الخارج، ما يعني أن رئيس مجلس النواب قرر الذهاب خطوة نحو
الأمام لدفع الأطراف للتسوية، بعد تبلغه الموقف السعودي الرسمي الذي يرفض انتخاب
فرنجية، ووصول حليف لحزب الله والأسد لسدة
الرئاسة الأولى في البلاد، لأن حاجة
لبنان تقتضي اختيار رئيس جديد، وغير محسوب على طرف سياسي، ما أدى لانتهاء تفاؤل
بري بقدرته على إقناع السعودية بفرنجية.
في المقابل، أتى
موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ يومين، الذي أعلن من خلاله
دعم ترشيح فرنجية، للتساؤل حول إذا ما كان موقفه يؤدي لإمكانية فتح الباب أمام
نقاش جدي للبحث عن مرشح ثالث، أو القبول قائد الجيش في ظل تكرار نصر الله لموضوع
"الضمانات" التي تطلبها المقاومة من أي رئيس.
فحزب الله وحركة
أمل اختارا خوض المعركة التي من المرجح لن تصل إلى أي نتيجة، فيما التفسيرات
الأخرى تقوم على أن ما قام به الثنائي الشيعي، هو من باب التشبث على موقفه، والاستعداد
للدخول إلى مرحلة من التصعيد السياسي، من خلال التمسك بخيار فرنجية، إلى أن تتوفر
الظروف لانتخابه كما حصل في انتخاب ميشال عون بين 2014 و2016.
وهذه المسارات قد
تدفع باتجاه إطالة أمد الأزمة واستمرار العبث السياسي والاقتصادي والأمني في الوقت
الضائع، من دون الوصول إلى أي نتيجة. وذلك من خلال تقديم اقتراحات لا يمكنها أن
تقود إلى حسم وإنجاز مهمة انتخاب الرئيس، فيما الواضح أن تأكيد نصر الله على مسألة
نصاب الثلثين وحق الطرف الآخر بتعطيل النصاب، يعني عدم الاستعداد لخوض معركة فرض
فرنجية.
ومن هذا المنطلق
عادت المشاورات الدبلوماسية في الكواليس بين الدول الخمس، التي كانت اجتمعت في
باريس للبحث في الفراغ الرئاسي (السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا)،
وكان لافتا تسريب موقف سعودي تمخض عن لقاء البخاري مع نظيرته الفرنسية حول رفض
الرياض أي محاولة للالتفاف على مخرجات اجتماع 6 شباط/ فبراير في باريس، وترويج
فكرة المقايضة بين سليمان فرنجية ونواف سلام، بسبب فشل هذه التجربة سابقا بين
ميشال عون وسعد الحريري ونجيب ميقاتي.
في هذا الإطار تُستكمل
المشاورات الدولية والإقليمية حيال لبنان، في ظل التماهي الأمريكي والقطري مع
السعودية، وعليه جاء اقتراح الدوحة بانعقاد النسخة الثانية للاجتماع هذه المرة في
الرياض بدلا من باريس، وهذه رسالة من الأطراف المشاركة بدعمها إعلان الرياض، رفض
وصول مرشح الأسد-
حزب الله. وهذا الاجتماع يبدو أنه سيعقد خلال الأيام المقبلة، وتحديدا قبيل أيام من بدء شهر رمضان، بهدف البحث في استكمال اجتماع باريس واتخاذ خطوات أكثر
مواكبة للأزمة الداخلية، مع إعلان الثنائي ترشيح فرنجية.
بالتوازي، يبدو
هذا الاجتماع أكثر إحاطة بتطورات الملف الرئاسي، وسيجري التوافق على بيانه الختامي
قبيل انعقاده، في ظل الاتصالات اليومية المستمرة بين باربرا ليف ونزار العالولا
ومحمد الخليفي، وسيكون العنوان الأبرز للقاء البحث المعمق في مستوى التطورات، التي
حصلت على الساحة اللبنانية ومناورات الأطراف اللبنانية.
الصمت الأمريكي وترك الأمور لمعالجتها سعوديا وفرنسيا، مرده أن واشنطن تدرك بأن الوقت يلعب هذه المرة ضد إيران، التي تعيش أسوأ تدهور اقتصادي وتحديات داخلية؛ أبرزها الحراك الشعبي الآخذ بالاتساع.
كذلك فإن الصمت
الأمريكي وترك الأمور لمعالجتها سعوديا وفرنسيا، مرده أن واشنطن تدرك بأن الوقت
يلعب هذه المرة ضد إيران، التي تعيش أسوأ تدهور اقتصادي وتحديات داخلية؛ أبرزها
الحراك الشعبي الآخذ بالاتساع. وهذان الملفان من أبرز عوامل الضغط، وينعكسان على لبنان
وسوريا والعراق بشكل انسيابي، فيما الحلول المالية هي بيد السعودية وقطر، وتلك
الدول باتت تضع نصب عينيها مقابلا، عنوانه ضرورة ابتعاد لبنان وسوريا عن سياسات
إيران.
وعليه، فإن كل تلك
المسارات تشي بأن حزب الله يهدف بخطوته الأخيرة إلى البحث عن رئيس يقدم له وبشكل
واضح ضمانات سياسية وعسكرية، فيما أي ضمان يقدمه مرشح رئاسي للحزب سيضعه في خانة
التشكيك الدولي والعربي مستقبلا إذا ما قرر غض النظر على مغامرات الحزب في كل
المساحات الإقليمية الشائكة، وعند هذه المؤشرات تقف المعالجات الجارية للاستحقاق
الرئاسي، في ظل استعصاء الحلول وتحليل ما ستحمله التطورات المقبلة من اليوم، لذا؛ فإن لقاء الرياض المفترض قد يشكّل دعوة لا بد من أن تأتي بما يؤشّر إلى المنحى، الذي ستتخذه هذه المصارعة الدولية الحامية.