أثناء
إجرائه حوارا مع مدير المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، حرص مذيع
مصري
على استنطاق المدير بشأن قدرة المباني في العاصمة الإدارية الجديدة على تحمل
الزلازل، وذلك بعد سقوط آلاف الضحايا جراء الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا
وشمال غربي سوريا، وبلغت شدته 7.7 على مقياس ريختر.
وبغض
النظر عن الدعاية الفجة والرخيصة وراء سؤال المذيع، إلا أنه أداء مثير للسخرية
وبلا هدف أيضا، فهل معنى ذلك أن مباني العاصمة الإدارية قادرة على الصمود أمام
الزلازل وأن المصريين جميعا سيشدون الرحال إليها مثلا؟ أم أنهم سيركضون للاحتماء
فيها عند حدوث زلزال لا قدر الله؟ كما أن القدرة الشرائية للمصريين أصبحت ضعيفة
للغاية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها النظام نفسه، وبالتالي فإن العاصمة
الإدارية ستظل مغلقة أمام الغالبية العظمى من المواطنين الذين لن يستطيعوا شراء
ولو متر واحد فيها!
يتفوق الإعلام المصري دائما على نفسه في انعدام الإحساس، بل وإبداء الشماتة في كل المواقف التي تتطلب حسا أخلاقيا. ولم يكتف هذا الإعلام بإبداء الشماتة داخليا، بل قرر تصدير فائض الشماتة وانعدام الأخلاق لديه إلى الخارج
يتفوق
الإعلام المصري دائما على نفسه في انعدام الإحساس، بل وإبداء
الشماتة في كل
المواقف التي تتطلب حسا أخلاقيا. ولم يكتف هذا الإعلام بإبداء الشماتة داخليا، بل
قرر تصدير فائض الشماتة وانعدام
الأخلاق لديه إلى الخارج، عبر تناوله المنحط
للأحداث على مستوى العالم.
لم
تقتصر هذه التغطية بعد زلزال تركيا وسوريا على البرامج السياسية فقط، بل امتدت إلى
الإعلام الرياضي، فها هو مذيع في قناة رياضية يقول إن زلزالا بقوة 3 درجات على
مقياس ريختر ضرب فريق الزمالك! وذلك تعليقا على هزيمة الأخير بثلاثية نظيفة في
الدوري المصري الممتاز لكرة القدم.
تركيا
تحديدا كانت هدفا لشماتة هائلة من وسائل الإعلام في مصر أثناء محاولة الانقلاب
الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016، فلم تكن الفرحة تسع المذيعين بهذا الانقلاب الذي
قتل المئات من الأتراك وقصف مبنى البرلمان وكان سيعود بتركيا عشرات السنين إلى
الوراء، حتى إن الصحف المطبوعة صدرت في اليوم التالي مؤكدة أن الجيش أطاح
بأردوغان، قبل أن يخيب رجاؤهم ويضطروا آسفين إلى تغيير العنوان في الطبعات
التالية!
بعد
ذلك تنوعت حفلات الشماتة، فكلما تعرضت تركيا إلى تفجير أو عملية إرهابية، سارعوا
إلى إبداء التشفي والسعادة. وحتى بعد هدوء العلاقات بين القاهرة وأنقرة خلال
العامين الماضيين، وتكرار اللقاءات بين مسؤولي البلدين لحل المشكلات العالقة
بينهما، شمت إعلاميون مصريون في التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال بمدينة
إسطنبول التركية قبل أشهر، وزعمت مذيعة أن تركيا كانت تدعم الإرهابيين فإذا هي
تكتوي بنارهم، مضيفة بتشف واضح: "اللهم لا شماتة"، وهي جملة تحمل كل
معاني الشماتة!
هناك المئات من الأمثلة لهذا النوع من التغطيات التي قدمها الإعلام المصري خلال السنوات الماضية
وغني
عن القول إن هناك المئات من الأمثلة لهذا النوع من التغطيات التي قدمها الإعلام
المصري خلال السنوات الماضية، لكن أبرزها كان عنوان صحيفة الأهرام العريقة، تعليقا
على الهجمات السبع التي وقعت في العاصمة الفرنسية باريس عام 2015، إذ نشرت خبرا
يقول إن "الإرهاب" سجل 7 أهداف! نظرا لتزامن الهجمات مع مباراة كانت
تجمع بين المنتخبين الفرنسي والألماني، وبالتالي رأت الصحيفة أن الأمر يحتمل مزاحا
من هذا النوع في خضم تلك المأساة، وأن مقتل المئات من البشر يماثل مباراة في كرة
القدم!
أما
التغطية الإعلامية تجاه الأشقاء السوريين في مصر فحدث ولا حرج عن حملات التحريض
والبذاءة والانحطاط الإعلامي تجاههم، بدءا من اتهامهم بأنهم كانوا من المعتصمين في
ميدان رابعة العدوية عام 2013، مرورا بتحميلهم المسؤولية عن أزمات البلاد
الاقتصادية، حتى إن بعضهم طالب المصريين بعدم شراء الشاورما السوري لأنها، بحسب
تخاريفهم، السبب في أزمة نقص الدولار الحالية!