يشهد
سوق
العقارات والمقاولات في
مصر اضطرابا غير مسبوق سواء على مستوى الأسعار، أو تضرر
الكثير من المقاولين والمطورين العقاريين؛ بسبب ارتفاع مواد البناء وخاصة
الحديد إلى
مستويات تاريخية تقدر بأكثر من 50% في فترة زمنية قصيرة.
دفع
انفلات الأسعار في حديد التسليح بشكل شبه أسبوعي إلى التحذير من انهيار العديد من الشركات
الصغيرة، وتوقف بعض المشاريع السكنية؛ لعدم قدرتها على تحمل فرق الأسعار، وبالتالي
خسارة بعض العملاء أموالهم واستثماراتهم.
وقالت
مواقع صحف محلية إن سعر طن الحديد في مصر قفز 17 ألف جنيه دفعة واحدة في أقل من شهرين،
مشيرة إلى أنه ارتفع من 18 ألف جنيه إلى 35 ألف جنيه، قبل أيام على خلفية ارتفاع الدولار
في البنوك وتحريك سعر الفائدة عالميا.
طن الحديد
من 20 ألف إلى 40 ألف جنيه
وأعلنت
شركات الحديد في مصر زيادة أسعار الحديد بجميع أنواعه للمرة الثانية خلال شهر آذار/
مارس الجاري، ويتراوح متوسط سعر طن الحديد للمستهلك بين 37 و40 ألف جنيه، بحسب المحافظة
التي يباع فيها والشركة.
ويرى
خبراء ومطورون عقاريون في تصريحات لـ"عربي21" أن التغير المستمر في سعر طن
الحديد غير مبرر ومبالغ فيه، حيث تنتج مصر حوالي 7.9 مليون طن من حديد التسليح، وحوالي
4.5 مليون طن بليت، بينما تستورد 3.5 مليون طن بليت، بحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية
باتحاد الصناعات.
خسائر
للشركات وشكاوى من تعثر البناء
أدى
الارتفاع الحاد في سعر طن الحديد إلى تكبد بعض شركات المقاولات خسائر كبيرة، وقال المحاسب
مجدي بشارة مدير الحسابات في شركة "الفتح للتطوير العقاري" بمحافظة الجيزة،
إن "أعمال البناء توقفت في الشركة بنسبة 90% بسبب الزيادات المستمرة في أسعار
مواد البناء خاصة الحديد، وبات التوقف نهائيا يهدد الشركة التي تأخرت في دفع أقساط
الأرض محل المشروع".
وأضاف
لـ"عربي21" أن "إدارة المبيعات توقفت بدورها عن طرح وحدات سكنية جديدة
للعملاء لأنه ليس بمقدورها تقدير سعر المتر الحقيقي في ظل تقلبات الأسعار، ولن نستأنف
البيع إلا بعد استقرار السوق"، مشيرا إلى أن "ما يجري سوف يؤخر موعد تسليم
الوحدات السكنية في موعدها من 6 أشهر إلى عام على الأقل".
المشروع
الذي تنفذه الشركة هو عبارة عن كمباوند غرب محافظة الجيزة ويتكون من نحو 45 عمارة من
أربعة طوابق يتضمن مئات الوحدات السكنية بمساحات مختلفة، إلى جانب مركز تجاري ومركز
طبي ويقع على طريق رئيسي ويبلغ حجم الاستثمار فيه أكثر من مليار جنيه.
وأعرب عدد من الحاجزين في ذات المشروع عن مخاوفهم من توقف أو فشل المشروع، وقال محمد
سعيد: "دفعت مبلغ التعاقد على وحدة سكنية 157 م2 نصف تشطيب في الطابق الثالث على
موقع متميز يطل على إحدى بحيرات المشروع الصغيرة منتصف عام 2021، ومنذ ذلك الوقت أقوم
بدفع أقساط ربع سنوية، ولكني لاحظت تباطؤا كبيرا في عمليات الإنشاء".
وأوضح
لـ"عربي21" أن "متوسط سعر الوحدة يتراوح بين مليون ونصف المليون جنيه
ومليونين ونصف المليون بحسب وقت الحجز. منتصف عام 2021 تعاقدت على الوحدة بسعر مليون
وثلاثمئة ألف ثم قفزت إلى مليون وسبعمئة ألف إلى مليونين و200 ألف جنيه، وفشل المشروع
يعني خسارتي لجزء كبير من مدخراتي ومدخرات مئات العملاء".
خسائر
فادحة لقطاع المقاولات
وتسببت
الأزمة الاقتصادية في تكبد قطاع المقاولات خسائر تقدر بنحو 40 مليار جنيه مع استمرار
زيادة حجم الخسائر، وفق تقديرات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، فيما تقدمت
غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية وشعبة الاستثمار العقاري باتحاد
الغرف التجارية بعدة مطالب للحكومة للتخفيف من تداعيات الأزمة على الشركات.
من بينها
إضافة مدة زمنية لكل المشروعات الجاري تنفيذها، ما بين 9 و12 شهرا، من دون احتساب أي
فوائد، وإرجاء سداد الأقساط والفوائد على الأراضي لمدة زمنية توازي المهلة الممنوحة
لتنفيذ المشروعات لجميع الأقساط المتبقية، فضلا عن شمول القطاع العقاري مبادرة الحكومة
لدعم الصناعة المصرية البالغة 150 مليار جنيه بفائدة 11%.
"جنون
الحديد"
وصف
رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة، أحمد الزيني، ما يجرى في سوق البناء
"بالجنون"، وقال: "لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا المنوال، الأسعار
خرجت عن السيطرة، ولا تعبر عن سعر الحديد الحقيقي، فالأسعار العالمية أقل بكثير من
السعر المحلي، ما يعني أن هناك انفلاتا في تحديد السعر وكل طرف يحمل الآخر المسؤولية
(المصنعين والوكلاء)".
وحذر
الزيني في تصريحات لـ"عربي21" من تكبد بعض المقاولين خاصة صغار المطورين
خسائر كبيرة، وخروجهم من السوق، وخسارة الكثير من العملاء أموالهم في بعض الشركات التي
تواجه أزمة مالية ولا تستطيع تحمل تكاليف فرق الأسعار الناجم عن القفزات المتتالية
في سعر طن الحديد، مضيفا أن "الأمر لا يخلو من جشع واستغلال الأزمة، وهذا سوف ينعكس
على صورة السوق".
وتوقعت
مؤسسة "فيتش سوليوشنز" في تقرير لها صدر في كانون الثاني/ يناير تباطؤ نمو
قطاع العقارات بنسبة 9% خلال العام الحالي في مصر، بعد نمو كان متوقعا بنسبة 11% في
2022؛ ما يؤثر على النمو الاقتصادي للبلاد.
وتبلغ
نسبة مشاركة قطاع المقاولات من الناتج المحلي الإجمالي نحو 17%، وفق بيانات الاتحاد
المصري لمقاولي التشييد والبناء الذي يضم تحت مظلته نحو 30 ألف شركة.