تنشط المملكة الأردنية في إقناع دولٍ
عربية بإعادة المياه إلى مجاريها مع نظام بشار
الأسد من خلال مبادرة أردنية-عربية
تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي وإنهاء ملفات أمنية وإنسانية في المنطقة.
مصدر أردني أطلع "عربي21"
على بعض مضامين المبادرة التي تأتي "انطلاقا من الأمر الواقع"، وبحسب
المصدر فإن "المبادرة تأتي استجابة للواقع السوري الحالي، ولعدم ترك الساحة
لدول إقليمية حاضرة في الساحة السورية في ظل غياب عربي دام سنوات".
إلا أن المبادرة لن تكون "مجانية
أو بدون شروط"، كما تقول المصادر لـ"عربي21"، وإن "الأردن سيعرض
المبادرة على دول عربية ستضع بدورها شروطها لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع
سوريا.. فعلى سبيل المثال ما يقلق الأردن هو تهريب الأسلحة والمخدرات من الداخل
السوري وضرورة بذل جهد سوري أكبر في مكافحة ذلك".
كارتالات المخدرات
وبحسب ما نشرت الناطقة باسم الحكومة
البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، في حسابها على تويتر فإن "تجارة مخدر الكبتاغون لنظام الأسد نمت إلى مستوى الإنتاج الصناعي حيث تبلغ
عائداتها بالنسبة للنظام ما يصل إلى 57 مليار دولار أمريكي سنويًا، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف تجارة مخدرات جميع الكارتالات المكسيكية معا، كما أنها تمثل 80% من
إمدادات العالم من هذا المخدر".
طموح اقتصادي
وتسعى المملكة الأردنية إلى دمج سوريا
في مشاريع اقتصادية كبيرة أبرزها ربط سوريا ولبنان بشبكة الكهرباء الأردنية على
غرار الربط المرتقب مع العراق، في محاولة للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تضرب
البلاد منذ سنوات.
لكن في المقابل تنتظر الأردن من النظام
السوري تقديم خطوات إيجابية في ملفات إنسانية وأمنية، وقال الأردن على لسان وزير
خارجيته أيمن الصفدي إن المبادرة تقوم على "مبدأ الخطوة مقابل خطوة"،
بمعنى أن يقدم نظام الأسد تنازلات أيضا للمضي بهذه المبادرة.
الخبير العسكري مأمون أبو نوار، يرى
في حديث لـ"عربي21" أن "نجاح المبادرة الأردنية صعب جدا"، ويقول: "ستصطدم بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، والمتعلق بوقف
إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا من خلال دستور وانتخابات
جديدة.. لن يلقى قبولا من نظام الأسد".
لكن ما يهم الأردن بحسب أبو نوار هو
"تخفيف التواجد الإيراني بالقرب من الحدود الأردنية، والسيطرة على عملية
تهريب المخدرات والأسلحة، إلى جانب الاستفادة الاقتصادية بعد تعثر التبادل التجاري،
لكن السؤال الأقوى هو: هل ستنجح المبادرة دون موافقة أمريكية، وتوافق روسي؟".
وتعتبر الأردن من أكثر الدول التي
تأثرت بالحرب في سوريا، ويرتبط البلدان بأطول حدود مشتركة تمتد لأكثر من 375
كيلومتراً، تخللها هجوم متكرر على نقاط أردنية من قبل متطرفين إلى جانب تدفق آلاف
اللاجئين السوريين وتعثر التبادل التجاري بين البلدين.
مشاروات أردنية-عربية
وبدأت الدبلوماسية الأردنية بالترويج
للمبادرة عربيا، وقال وزير الخارجية الأردني الثلاثاء في استقبال نظيره اللبناني
عبدالله بوحبيب، إن "المملكة تعمل بالتنسيق مع المجتمع الدولي على التوصل إلى
حل سياسي للأزمة السورية، عبر المبادرة الأردنية القائمة على دور عربي ينخرط بشكل
مباشر مع الحكومة السورية وفق منهجية الخطوة مقابل الخطوة للتوصل إلى حل متدرج
ينهي هذه الأزمة ويعالج كل تبعاتها السياسية والإنسانية والأمنية".
وقال الصفدي في مؤتمر صحفي، إن
المبادرة التي طرحتها بلاده تستهدف "إطلاق دور عربي مباشر ينخرط مع الحكومة
السورية في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة في سوريا ومعالجة تبعاتها الإنسانية
والأمنية والسياسية".
ويسعى الأردن من خلال تلك المشاورات
إلى تخفيف العقوبات تدريجياً عن نظام الأسد، والبدء بإعادة الإعمار، وضمان عودة
آمنة للاجئين، وإجراء مصالحة وطنية تتضمن الإفراج عن المعتقلين مقابل الانخراط في
عملية سياسية ديمقراطية بسوريا قوامها إجراء انتخابات شاملة، الأمر الذي يعتبره أبو
نوار صعب المنال.
خصوصية أردنية
ويعتقد رئيس جمعية العلوم السياسية خالد
شنيكات، أن "للأردن خصوصية في العلاقة مع سوريا كونه من أكثر الدول التي
تأثرت بالحرب في سوريا، بسبب تدفق مليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري، ما شكل ضغطا
على البنية التحتية وتكاليف على قطاعات مثل التعليم والصحة، خصوصا أن المساعدات
الدولية لم تكن كما توقعها الأردن".
يقول لـ"عربي21": "ناهيك عن الخطر الذي تشكله المليشيات القريبة من الحدود الشمالية والإرهاب
وتهريب المخدرات والأسلحة بسبب حالة غياب الأمن على الحدود السورية بسبب الحرب، كما أن هنالك ضررا اقتصاديا، فقد كانت سوريا بوابة تصدير لتركيا وأوروبا، لذا فالأردن مهتم
بإيجاد مخرج وحل سياسي في سوريا".
يتابع: "المبادرة الأردنية تراعي
هذه الخصوصية من خلال عودة آمنة للاجئين، ووقف تهريب المخدرات، وعودة تصدير
المنتجات السورية إلى الخليج الى جانب مشاريع الربط الكهربائي، أما بالنسبة للدول
العربية وخصوصا الخليجية، فهي تطمح في أن تكون سوريا دول مستقلة ذات سيادة وأن لا تتواجد
على أراضيها المليشيات، بحسب ما تعلنه هذه الدول. في المقابل يحتاج النظام السوري لإعادة
إعمار ودور خليجي لكن ضمن شروط حماية أطراف المعادلة السورية ومنع تدفق المليشيات وإنشاء
قواعد لها".
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان
قد زار دمشق منتصف فبراير الماضي والتقى بشار الأسد إبان الزلزال المدمر الذي ضرب
شمال سوريا وجنوب تركيا، ورحب خلالها الأسد بأي "موقف إيجابي" يصدر من
الدول العربية، التي قطع عدد منها علاقته مع دمشق منذ بداية النزاع في سوريا.
لكن الحديث عن إعادة تأهيل نظام بشار
الأسد ليس جديدا، إذ طرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مبادرة لإعادة
تأهيل النظام السوري في 2021، مبادرة طرحها الملك أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن،
تتضمن تقليص عقوبات واشنطن المفروضة على الأسد بما يخدم المصالح الأردنية.