أثار تباطؤ برنامج طروحات الحكومة
المصرية لطرح 32 شركة مملوكة
للدولة لمستثمرين استراتيجيين أو الاكتتاب العام بالبورصة من أجل جمع مليارات الدولارات
لتلبية حاجة البلاد الماسة للنقد الأجنبي، تساؤلات بشأن أسباب هذا التأخير.
منذ إعلان البرنامج منتصف العام الماضي وتأكيد رئيس الوزراء
المصري مصطفى مدبولي مطلع العام الجاري أن الدولة تستهدف طرح 25% على الأقل من عدد
الشركات المستهدفة خلال 6 أشهر، لم يتم إحراز أي تقدم في بيع أي من تلك الأصول.
وألقت تصريحات وزير المالية المصري محمد معيط على هامش اجتماعات
صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن التي قال فيها إن برنامج الطروحات سيكون خلال
عام، بظلال من الشك حول مدى التزام مصر بخصخصة الشركات في المواعيد المقررة؛ نتيجة
الأوضاع
الاقتصادية المتردية داخليا، والمتقلبة عالميا.
تستهدف السلطات المصرية تسييل 40 مليار دولار من أصول الدولة
خلال 4 أعوام تنفيذا لوثيقة ملكية الدولة التي طرحتها في حزيران/ يونيو الماضي، والتي
تهدف إلى تخارج الحكومة من قطاعات استثمار عديدة، وتشمل خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول
الحكومية.
تثير نقاط الضعف في الاقتصاد المصري، بحسب موقع بلومبيرغ
الأمريكي، مخاوف المستثمرين من دخول السوق المصري مجددا بانتظار تخفيض قيمة العملة
المحلية للمرة الرابعة منذ آذار/ مارس 2022، على عكس حالة الهدوء في سوق التداول الفوري،
حيث يجري تداول
الجنيه عند مستوى 31 جنيها لكل دولار دون تغيير يذكر منذ أكثر من شهر.
وتشير التوقعات إلى أن السلطات المصرية سوف تسمح بهبوط سريع
لقيمة الجنيه بعد شهر رمضان، خاصة مع تدهور
الديون المصرية واتجاهها نحو منطقة التعثر،
حيث لدى الحكومة المصرية سندات دولارية حتى نهاية 2061، وتبلغ قيمة أصل الدين بالإضافة
إلى مدفوعات الفائدة نحو 74 مليار دولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
وضع السوق وقيمة الجنيه معوقات البيع
أعرب الاقتصادي المصري والخبير في مجال الاستشارات الاقتصادية
والإدارية إلهامي الميرغني، عن توقعاته بأن "مسألة خصخصة أصول وشركات الدولة،
والتي ستكون بمثابة القشة التي سوف تكسر ظهر البعير، آتية لا محالة أيا كانت أسباب
التأخير التي تعود إلى عوامل داخلية وخارجية".
وأضاف نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لـ"عربي21"
أن "الوضع الاقتصادي المصري العام، وسعر صرف الجنيه سيجعل أي طرح هو بيع بالخسارة،
ولذلك فإن هناك تأخيرا مستمرا في تنفيذ البرنامج أملا في تحسن السوق المصري، لكن شهية المستثمرين
في العالم ليست في أفضل أحوالها نتيجة الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة التي لا
تشجع على الاستثمار في أسواق ضعيفة، ولذلك فليس هناك أسوأ من هذا الوقت الصعب، كما أن
تأخير البيع يعني المزيد من الاقتراض والديون".
وذهب إلى القول إن "قيمة الجنيه تعد هي العائق الأساسي
لإتمام البرنامج سواء بالنسبة للحكومة أو المستثمر الخليجي الذي يسعى إلى شراء أصول
رابحة بأقل سعر ممكن، لكن يمكن القول إنه في إتمام برنامج الطروحات لم يعد هناك ما
تبيعه مصر لسداد ديونها والوفاء بالتزاماتها الخارجية والداخلية، وبالتالي فسيكون ضررها
ليس أكثر من نفعها بل سيكون ضررها كارثي".
مخاوف دولية واطمئنان مصري
رغم المخاوف الكبيرة لدى بنوك الاستثمار والمحللين الماليين
وخبراء الاقتصاد بشأن مدى قدرة الاقتصاد المصري على التماسك في ظل الأوضاع الحالية،
يؤكد وزير المالية، أن "الاقتصاد المصري متماسك في مواجهة التحديات العالمية القاسية،
التي ألقت بظلالها على اقتصادات مختلف الدول خاصة النامية، والاقتصادات الناشئة".
ويرى الوزير المصري أن الإصلاحات الهيكلية التي عكفت الحكومة
على تنفيذها خلال السنوات الماضية جعلت الاقتصاد المصري أكثر صلابة في مواجهة الصدمات
الداخلية والخارجية، رغم شدة الأزمات المالية المتعاقبة بدءًا من جائحة كورونا، مرورًا
بالحرب في أوروبا، وما خلفته وراءها من ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، وأسعار
الوقود والغذاء، وزيادة تكاليف الشحن، واضطراب في سلاسل الإمداد والتوريد.
يترقب صندوق النقد الدولي وفاء الحكومة المصرية بتعهداتها
والقيام بالمزيد من الإصلاحات، ويتضمن الشق العاجل منها تنفيذ الحكومة برنامج الخصخصة،
ومرونة حقيقية في سعر العملة المصرية، وهما الشرطان الأساسيان في برنامج مصر وصندوق
النقد الدولي، الذي تم توقيعه نهاية العام الماضي بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا.
ضعف إدارة الطروحات وغموض المستقبل السياسي
من جهته يرى خبير أسواق المال الدكتور وائل النحاس أن
"أسلوب الخصخصة من البداية خاطئ، فهو يفتقد إلى الحرفية والمهنية المطلوبة للترويج
لبيع الأصول أو طرحها في البورصة، وعرض هذا الكم من الشركات والأصول دفعة واحدة هو
من أجل إرضاء صندوق النقد الدولي ليس أكثر، الأمر الآخر يتعلق بنوعية الأصول المطروحة
هل هي منافسة أو مغرية للمستثمرين، وهل تشكل إضافة جديدة أو تمتلك ميزات صناعية أو
إنتاجية غير موجودة إلا في مصر.. الإجابة لا بالطبع".
وأضاف لـ"عربي21": "الدولة المصرية ليس لديها
نية لتنفيذ برنامج الطروحات، وسبق أن أعلنت عنه في أعقاب تعويم عام 2016 ولم تأخذ أي
خطوة جادة فيه، كما أن هناك تشبعا بالشركات في المنطقة بالقرب من مصر، وهناك فرص استثمار
مغرية في شركات أخرى نتيجة الهزات الاقتصادية بسبب إفلاس بنك وادي السيليكون وبعض البنوك،
ولا توجد بها مخاطر تقلب عملة أو سعر صرف أو غيرها من المخاطر التي تتعلق بالسياسات
المالية المتقلبة".
ورأى أن "الصندوق السيادي الذي يتولى إدارة برنامج الطروحات
غير مؤهل، ولا يتمتع بحرفية تساعده على إنجاز مهمته، وهذا التعثر ناجم عن عدم قدرته على إدارة الملف.. إلى جانب ما سبق هناك سبب مهم، هو غموض المشهد السياسي في مصر، فحتى الآن
لا يعلم أحد من هو المرشح لانتخابات الرئاسة، والكثير من الاستثمارات تأتي من أجل شخص
رئيس الجمهورية الذي بيده جميع السلطات بما فيه الصندوق السيادي، ومن غير المعروف
هل سيترشح لفترة جديدة أم لا، لذلك فإن هناك حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي
للبلاد تنعكس على قرارات المستثمرين".