دخلت
الانتخابات التركية المقبلة في مسارها النهائي على بُعد أقل من شهر
على إجرائها، وبعد تحديد المرشحين الرئاسيين وقوائم المرشحين لعضوية البرلمان
والبرامج الانتخابية للأحزاب المختلفة. ورغم نتائج بعض استطلاعات الرأي وما تقوله
الأحزاب المتنافسة، إلا أنه من الصعوبة بمكان الجزم بنتائج الانتخابات المقبلة
ولصالح من ستكون، حيث إن الفرص متقاربة وليس متوقعاً أن يحقق أي من الطرفين
انتصاراً واسعاً على الآخر.
والحال كذلك، يصبح للحملات الانتخابية أهمية مضاعفة في تحديد الفائز في
الاستحقاق القادم، إذ أنها ستحاول التأثير على قرار شريحة المترددين التي تقدر
عادة بزهاء 10 في المئة من
المصوتين، وهي نسبة مرتفعة جداً وقادرة على التأثير على
النتائج بالنظر لحالة التنافس القائمة.
وبالنظر للخطاب الذي ينتهجه الطرفان الرئيسان في الانتخابات، تحالف الجمهور
ومرشحه الرئيس
أردوغان وتحالف الشعب/ الأمة ومرشحه زعيم المعارضة
كليتشدار أوغلو،
نرى أن الأخير يركز على المشاكل والأخطاء والأزمات التي تواجه
تركيا من باب أن
أردوغان والحكومات المتتالية للعدالة والتنمية هي السبب فيها، أو على أقل تقدير
عاجزة عن حلها بعد 21 عاماً مستمرة ومتواصلة من الحكم، وأنهم كمعارضة قادرون على
حلها.
إن هناك مساراً انتهجه أردوغان منذ ما يقرب من عامين يمكن تسميته بسحب البساط من تحت أرجل المعارضة أو سحب الذرائع منها في الملفات التي تنتقده بخصوصها
في المقابل، تقوم سردية الرئيس التركي على عدة نقاط؛ أهمها التذكير
بإنجازات العدالة والتنمية على مدى عقدين من الزمن، وأنه بغض النظر عن أسباب
الأزمات إلا أن أردوغان هو القادر على حلها كما فعل سابقاً، وأن "ائتلاف
المعارضة" لن يكون قادراً على حكم تركيا وإدارة الأمور بشكل سلس في ظل
الخلافات التي نشبت بين أعضائه.. الخ.
بيد أن هناك
مساراً انتهجه أردوغان منذ ما يقرب من عامين يمكن تسميته بسحب
البساط من تحت أرجل المعارضة أو سحب الذرائع منها في الملفات التي تنتقده بخصوصها.
ففي السياسة الخارجية، كان أبرز ما تعد به المعارضة هو
تحسين علاقات تركيا
المتوترة مع مختلف الأطراف في المنطقة، محمّلة أردوغان مسؤولية ذلك، فكان أن ذهب
لتحسين علاقات بلاده مع عدد من الأطراف الإقليمية في مقدمتها كل من السعودية
والإمارات ومصر ودولة الاحتلال.
داخلياً، كان الاقتصاد وملف اللاجئين (السوريين تحديداً) على رأس قائمة
انتقادات المعارضة والوعود التي قدمتها، وقد كانت هناك قناعة لدى حزب العدالة
والتنمية أن رصيده في الشارع في تراجع لعدة أسباب؛ في مقدمتها هذان الملفان.
ولذلك، فقد أعلن أردوغان العام الفائت عن مشروع لإعادة/ عودة مليون سوري
مقيم في تركيا لبلادهم، كما عملت المؤسسات التركية على تقنين وجود الأجانب في
البلاد من حيث الإقامات والسكن في بعض الأحياء، وما إلى ذلك.
كان الاقتصاد وملف اللاجئين (السوريين تحديداً) على رأس قائمة انتقادات المعارضة والوعود التي قدمتها، وقد كانت هناك قناعة لدى حزب العدالة والتنمية أن رصيده في الشارع في تراجع لعدة أسباب؛ في مقدمتها هذان الملفان
وعلى صعيد الاقتصاد، فقد انتهجت الحكومة مجدداً "اقتصاد
الانتخابات"، أي زيادة الإنفاق الحكومي لا سيما على الشرائح الضعيفة وتخفيف
الجباية، مثل رفع الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين، وتسهيل القروض
ومشاريع الإسكان لا سيما للشباب، وإعادة هيكلة الديون ومسح الكثير منها.. الخ.
الشاهد أن أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية ذهب لفكرة سحب الذرائع من يد
المعارضة، من خلال تنفيذ ما وعدوا هم بتحقيقه، وقد انسحب ذلك على البيان أو
البرنامج الانتخابي الذي أعلنه قبل أيام.
ذلك أنه إضافة لسرد إنجازات الماضي والوعد باستمرارها والبناء عليها،
والإشارة
لبعض المشاريع المهمة، كان لافتاً استمرار العدالة والتنمية بنفس
السياسة. فعلى سبيل المثال، كان إجراء المقابلات قبل التوظيف الحكومي (وعدم
الاكتفاء بالامتحانات الكتابية والشهادات الجامعية) أمراً تُنتقد بسببه الحكومة
بعدِّه يفتح مجالاً للمحاباة وتعيين المعارف وعدم تكافؤ الفرص، فكان أن أعلن
أردوغان عن إلغائها.
كما أعلن عن إلغاء الحكومة ما يعرف بـ"العفو العقاري" وهو تسوية
الأوضاع القانونية لبعض الأبنية المخالفة، إذ كان ذلك من ضمن ما هاجمت المعارضة به
الحكومة محمّلة إياها المسؤولية عن الخسائر الكبيرة في الزلزال الأخير.
بل وعد أردوغان بإعادة النظر في النظام الرئاسي واستدراك أي ثغرات أو نواقص
أو أخطاء فيه نظرياً وعملياً في الفترة المقبلة، وليس خافياً أن العنوان الأبرز
الذي ترفعه المعارضة هو رفض النظام الرئاسي والعودة بالبلاد للنظام البرلماني.
يسحب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الكثير من الذرائع من يد المعارضة ويخفف من الانتقادات من خلال قيامه بشكل مباشر أو وعده بتنفيذ ما تعد به المعارضة. لكن من جهة ثانية، يحمل هذا الأمر اعترافاً ضمنياً بصحة نقد المعارضة من جهة وتقصير أو خطأ الحكومة من جهة ثانية، لا سيما وأن العدالة والتنمية بقيادة أردوغان يحكم بشكل متواصل منذ 2002 بحيث لا يمكنه إلقاء اللوم على أطراف داخلية أخرى أو حكومات قبله
في الظاهر، يسحب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الكثير من الذرائع من يد
المعارضة ويخفف من الانتقادات من خلال قيامه بشكل مباشر أو وعده بتنفيذ ما تعد به
المعارضة. لكن من جهة ثانية، يحمل هذا الأمر اعترافاً ضمنياً بصحة نقد المعارضة من
جهة وتقصير أو خطأ الحكومة من جهة ثانية، لا سيما وأن العدالة والتنمية بقيادة
أردوغان يحكم بشكل متواصل منذ 2002 بحيث لا يمكنه إلقاء اللوم على أطراف داخلية أخرى أو حكومات قبله.
أكثر من ذلك، تبدو بعض الوعود مكررة، فقد كان حزب العدالة والتنمية أعلن
قبل أعوام -في الذكرى السنوية الأولى لبدء تطبيق النظام الرئاسي- بحث نقائص
النظام وثغراته وشكّل لذلك لجنة، لكن لم يعلن لاحقاً عن نتائج عمل اللجنة أو أي
تعديلات جوهرية بخصوص النظام، ما يقلل من ثقل تكرار الوعد في هذه الانتخابات.
وعليه، اختصاراً، يبدو سعي الرئيس التركي لسحب البساط من تحت أقدام
المعارضة بتبني بعض مطالبها سيفاً ذا حدين، وبالتالي ليس مضمون العواقب، إذ سيفيد
ذلك مع شرائح في المجتمع ولن يفيد مع أخرى، ما يبقي تأثير ذلك على نتائج الانتخابات
المقبلة منوطاً إلى حد كبير بمدى قدرة الجانبين على إقناع الناخب، ولا سيما
الشريحة المترددة خلال الحملة الانتخابية.
twitter.com/saidelhaj