تبرأت حركة
النهضة مما ورد في تدوينة لصاحبها رفيق عبد السلام، وزير
الخارجية السابق وأحد الكوادر الأساسية للحركة، الذي فاجأ الجميع بهجومه العنيف
على المؤسسة العسكرية. وأكدت النهضة في بيانها على كونها "تحترم
الجيش"،
وأن ما صدر في هذه التدوينة "لا يمثلها" وأن مواقف الحزب الرسمية "يعبر
عنها فقط رئيس الحزب وناطقه الرسمي".
من جهته اعتبر صاحب التدوينة أن "الحقيقة التي يجب أن تقال ودون
مواربة، وهي أن مقولة حياد الجيش وابتعاده عن السياسة كذبة كبيرة لا يمكن أن تصدق، يجب
أن يتم التوقف عن ترويجها". وأضاف: "الجيش حرك دبابته للانقلاب على
الدستور والمؤسسات، وما كان بمقدور سعيد إحكام قبضته على السلطة من دون علم
الجنرالات وإسنادهم".
وردت الحركة بالقول إنها: "تثمن دور المؤسسة العسكرية في حماية الثورة
ومسارها الانتخابي وفي الحرب على الإرهاب"، ودعت الجميع إلى "حيادية
القوات الحاملة للسلاح والنأي بها عن الخلافات والتجاذبات السياسية".
ما تعاهدت عليه النخب في تونس هو تجنب توجيه الانتقاد المباشر للمؤسسة العسكرية، وذلك لاعتبارات متعددة؛ ليس خوفا منها كما يحدث في دول عربية أخرى، وإنما بالنظر إلى الخصوصية التونسية.
فالعسكر لا يحكمون ولا يسيطرون على أجهزة الدولة، وعلاقتهم بالسلطة التنفيذية ليست عضوية مثلما هو الشأن في الأنظمة العسكرية. هم يتمتعون بقدر من الاستقلالية المؤسساتية، لكن ولاءهم في الآن نفسه لرئيس الدولة الذي يعتبر دستوريا القائد الأعلى
هل يكون البيان هذا كافيا -رغم وضوح عباراته- للحد من التداعيات السلبية
المحتملة لما أفصح عنه صهر رئيس الحركة راشد الغنوشي؟ فالسلطة وجزء واسع من الطبقة
السياسية والإعلامية غالبا ما اعتبرت تباين المواقف بين قيادة النهضة وأحد كوادرها
هو تكتيك وتوزيع أدوار داخل الحركة، وجزء من طبيعة "خطابها المزدوج".
لكن ما يحصل منذ ثلاث سنوات على الأقل كشف بوضوح أن الحزب يمر بأزمة عميقة على
أكثر من صعيد، وتشقه تناقضات حادة وجذرية أدت في بعض الحالات إلى خروج المئات من الكوادر،
بعضهم معروف بانتسابه إلى الصف الأول ومن القادة المؤسسين للحركة.
لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن ما ذكره رفيق عبد السلام في
تدوينته، رغم خطورته وحساسيته، يعتبر حديثا منتشرا ومتداولا بين عدد واسع من
النشطاء السياسيين، لكنه لا يصرح به ويبقى حبيس المجالس، كما تعرضت له معظم وسائل
الإعلام الدولية.
ما تعاهدت عليه النخب في
تونس هو تجنب توجيه الانتقاد المباشر للمؤسسة
العسكرية، وذلك لاعتبارات متعددة؛ ليس خوفا منها كما يحدث في دول عربية أخرى، وإنما
بالنظر إلى الخصوصية التونسية.
فالعسكر لا يحكمون ولا يسيطرون على أجهزة الدولة، وعلاقتهم بالسلطة
التنفيذية ليست عضوية مثلما هو الشأن في الأنظمة العسكرية. هم يتمتعون بقدر من
الاستقلالية المؤسساتية، لكن ولاءهم في الآن نفسه لرئيس الدولة الذي يعتبر دستوريا
القائد الأعلى لكل الحاملين للسلاح. هو يمثل بالنسبة إليهم الجهة الشرعية التي يجب
الخضوع لها، وتنفيذ الأوامر التي تصدر عنه. حتى في دستور 2014 وقبل أن يقوم الرئيس
سعيد بالسيطرة على وزارة الداخلية، ورغم تقسيم السلطات الذي دعمه البرلمان بمختف
مكوناته، فإن رئيس الدولة يتمتع بعدد من الصلاحيات من بينها "القيادة العليا
للقوات المسلحة"، وهو الذي يقوم بـ"التعيينات والإعفاءات في الوظائف
العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي".
يعتبر اتهام الجيش خط أحمر، هذا ما أقر به أغلب السياسيين على الأقل. قد يُطلب منه عدم التدخل في التجاذبات السياسية والحزبية، كما يمكن تحذيره من احتمال التورط في مواجهة المواطنين بالسلاح في حال خروجهم إلى الشارع للتعبير عن غضبهم بطريقة سلمية، أما أن يُتهم بكونه جيشا انقلابيا فذلك سوء تقدير وخطأ فادح
بناء عليه قام الرئيس سعيد بتأويل الفصل 80 من الدستور السابق وبرر به ما أقدم
عليه في 25 تموز/ يوليو، ودعا المؤسسة العسكرية إلى الوقوف إلى جانب الشرعية التي
يمثلها هو. وبناء على ذلك استجاب العسكر أفرادا ومؤسسة لذلك النداء، ولم يكن لهم
الخيار في ذلك، فهم لا تهمهم الشرعية
الديمقراطية ممثلة في البرلمان والدستور إذا
تضاربت تلك الشرعية مع التسلسل الهرمي لمصدر إصدار القرارات. لذلك عندما طلب راشد
الغنوشي من الجندي الذي يحرس الدبابة الجاثمة أمام مدخل البرلمان أن يسمح له بالدخول
باعتباره يمثل الشرعية الشعبية وفق ما أفرزته نتائج الانتخابات، رفض الجندي
الاستجابة لأن رئيس البرلمان لا يمثل القيادة التي يخضع لها.
يضاف إلى ذلك أن الجيش التونسي بعيد عن ممارسة السياسة رغم كونه جزءا أساسيا
من السياسة الكبرى، وله عقيدة تجعله مقتنع ببقائه داخل الثكنات، ويرفض المشاركة في
الانتخابات حتى عندما تم التنصيص عليها في الدستور السابق. لهذا يخطئ من يعتبر أن
الجيش هو الذي يحكم في تونس، رغم انحياز قيادته للرئيس الحالي. وحتى الذين اعتبروا
ما حصل في 25 تموز/ يوليو انقلابا، فهو انقلاب مدني وليس عسكريا. كما لا ننسى أن
الجيش لم يكن مطمئنا لحركة النهضة منذ أن قال راشد الغنوشي قولته الشهيرة: "الجيش
ليس مضمونا".
بناء على ما تقدم، يعتبر اتهام الجيش خط أحمر، هذا ما أقر به أغلب
السياسيين على الأقل. قد يُطلب منه عدم التدخل في التجاذبات السياسية والحزبية،
كما يمكن تحذيره من احتمال التورط في مواجهة المواطنين بالسلاح في حال خروجهم إلى الشارع
للتعبير عن غضبهم بطريقة سلمية، أما أن يُتهم بكونه جيشا انقلابيا فذلك سوء تقدير
وخطأ فادح من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية، وقد يدفع بالمؤسسة إلى الوقوع فيما هو
أكثر خطورة مما يتوهم البعض.