أثارت قوة من
الحشد الشعبي يجري تشكيلها حاليا
في قضاء
سنجار بمحافظة نينوى
العراقية قلق القوى الكردية في إقليم كردستان، وعلى
رأسهم الحزب الديمقراطي الذي يدير حكومة أربيل، بعد الحديث عن تغلغل "العمال
الكردستاني" في التشكيل الجديد.
ومنذ اجتياح تنظيم الدولة للعراق في عام 2014،
لم يشهد قضاء سنجار المحاذي للأراضي السورية، أي استقرار أمني وسياسي، خصوصا بعد
سيطرة حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" على المدينة بحجة محاربة التنظيم،
رغم اتفاق بغداد وأربيل على إخراجه.
قلق كردي
تعليقا على الموضوع، أكد قائم مقام قضاء سنجار
السابق، النائب الحالي بالبرلمان العراقي، محما خليل، في حديث
لـ"عربي21" إن "الأكراد ليسوا مع تشكيل قوة مسلحة من طرف واحد
(الحشد الشعبي) تكون بعيدة عن التشكيلات الرسمية (جيش، شرطة).
وأضاف خليل أن "تشكيل قوة للحشد الشعبي لا
يشارك فيها أبناء سنجار وبعيدة كل البعد عن واقعها، توّلد لدينا تخوفا كبيرا كونها
ستكون بابا لتغوّل جهات من خارج المدينة في هذا التشكيل التي يجري تكوينه حاليا".
وأكد النائب الكردي أن "تشكيل هذه القوة
لم يحصل بتنسيق بين بغداد وإقليم كردستان وأهالي سنجار، وإنما جاء بأمر من أطراف
محسوبة على الحشد الشعبي، وجهات أخرى غير معلومة"، لافتا إلى أن
"تشكيلها لا يخلو من الدعاية الانتخابية المبكرة".
وكشف خليل أن "اليد العليا في سنجار اليوم
هي لحزب العمال الكردستاني، وذلك تحت مسمى فصيل وحدات حماية سنجار (اليبشة)، ولم
ينسحب من القضاء حتى بعد الاتفاقية التي سبق أن أبرمت بين بغداد وأربيل، وأن
عناصرها من داخل المدينة ومن خارجها".
وتأسست "وحدات حماية سنجار" بدعم من
حزب العمال الكردستاني عام 2014 للدفاع عن المدينة بعدما سقطت بيد تنظيم الدولة،
والتي تقع شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، وتتبع إداريا محافظة
نينوى.
وأوضح قائم مقام المدينة السابق أن "الأمور
الإدارية والسياسية والتنظيمية كلهم ليسوا من العراقيين، والعناصر من أبناء
المدينة ومن خارجها، لذلك نحن لدينا تخوف حقيقي من بقاء سنجار تحت سيطرة هؤلاء رغم
كل المطالبات بإخراجهم منها".
وأشار خليل إلى أن "هناك اتفاقية مبرمة
بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد بخصوص الملف الأمني في سنجار، فإذا
أرادوا الاستقرار في المدينة، فلا بد أن تكون الاتفاقية حاضرة في الملف الأمني
لسنجار".
ولفت إلى أنه "كان الاتفاق بين بغداد
وأربيل على توظيف 2500 شرطي من أهالي سنجار، واستيعاب أكثر عدد من أبناء المدينة
في الجيش العراقي وقوات البيشمركة، لكن إذا كان الانخراط من طرف واحد، فبالتأكيد
يكون هناك تغول لجهات تكون لها أجندات إقليمية".
وتقضي اتفاقية سنجار بين بغداد وأربيل في تشرين
الأول/ أكتوبر 2020 بتولي الشرطة العراقية إرساء الأمن في قضاء سنجار، وإنهاء وجود
"بي كا كا" بالمنطقة، في حين تتعاون الحكومتان في إعمار ما دمرته الحرب
ضد تنظيم الدولة بالمدينة.
ويسكن مدينة سنجار خليط من العرب والأكراد
والطائفة الإيزيدية، التي نكّل بها تنظيم الدولة خلال سيطرته على القضاء لأشهر عدة
عام 2014 حيث شهدت مجازر بحق الإيزيديين وتشريدهم في مخيمات النزوح، فضلا عن
اختطاف التنظيم الآلاف من نسائهم وأطفالهم بحسب تقارير دولية.
انقلاب واضح
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والباحث السياسي
من إقليم
كردستان العراق كفاح محمود، في حديث لـ"عربي21" إن "تشكيل
قوة من هذا النوع تُعد خرقا لاتفاق سنجار الذي حصل بين الحكومة الاتحادية وحكومة
إقليم كردستان، وكان من المفترض أن يأخذ طرقه للتطبيق على الأرض".
وأكد محمود أن "الاتفاق أقر بإخراج
التشكيلات المسلحة كافة مهما كان عنوانها بما فيها الحشد الشعبي، إضافة للقادمين
من تركيا وسوريا التابعين لحزب العمال الكردستاني، والإبقاء على الجيش والشرطة
المحلية والأمن الوطني وغيرها من الأجهزة الرسمية".
ولفت إلى أن "تشكيل القوة الجديدة يعد
خرقا واضحا جدا وانقلاب على الاتفاقية بين بغداد وأربيل، وأن المشكلات المستمرة
بين الإقليم مع الحكومة الاتحادية سببها في عدم تنفيذ الأخيرة للاتفاقيات التي
تبرم مع كردستان العراق".
وأشار محمود إلى أن "هناك خيبة أمل في
الشارع الكردستاني، لأن كل الاتفاقيات التي تبرمها الحكومات الاتحادية في بغداد مع
حكومة الإقليم يحصل سرعة انقلاب عليها".
ورأى الكاتب أن "هذا يؤكد تشتت مركز
القرار في بغداد، والذي ينسف قرارات الحكومة الاتحادية، والدليل أن تشكيل مثل هذه
القوة الخارجة عن المؤسسة العسكرية الرسمية، تشكل تحديا كبيرا لحكومة ببغداد قبل
الإقليم".
وبيّن محمود أن "منطقة سنجار إستراتيجية،
وبالتأكيد لها اهتمام بالغ من الحشد الشعبي ومن الإيرانيين أيضا، لأنها ممر إلى
سوريا ومنها إلى لبنان، وأن تركيا تدرك جيدا أن الحشد هو الداعم الأول لحزب العمال
الكردستاني، ولو استطاعوا لدعموهم حتى في قلب جبال قنديل".
وشدد على أن "قضاء سنجار تشملها المادة
140 -المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان-
لذلك فإن تشكيل مثل هذه القوة المسلحة في المدينة يعتبر خرقا للدستور العراقي،
وتعقيدا للإشكاليات الموجودة بين بغداد وأنقرة".
وأكد محمود أن "تعدد مراكز القرار ببغداد
يجهض الاتفاقيات المبرمة بخصوص تطبيع الأوضاع في سنجار، وأن التغول العسكري
المليشياوي سيعقد الأوضاع كثيرا في المدينة، وفاتورة ذلك يدفعها المواطنين الذين ما زالوا نازحين، ويقدر عددهم بنحو ربع مليون شخص".
وحذر الكاتب من أن "الاستمرار بهذه
السياسة من الحكومة الاتحادية في بغداد يوفر تبريرا لتركيا للقيام بعمليات عسكرية
واسعة في هذه المناطق، وقد شهدنا ذلك مؤخرا في ما حصل قرب مطار السليمانية،
واندفاع قواتها حتى بريا في مناطق أخرى".
وفي أول زيارة يجريها رئيس الوزراء العراقي
محمد شياع السوداني، إلى أنقرة منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بحث
مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الكثير من الملفات التي تخص البلدين، ومن بينها
ملف حزب العمال الكردستاني.
وتطرق الجانبان خلال مؤتمر صحفي في 21 آذار
الماضي إلى قضية مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لديهم قواعد خلفية في منطقة
إقليم كردستان العراق المحاذية للأراضي التركية.
وقال الرئيس التركي: "نتوقع من أشقائنا
العراقيين تصنيف حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا وتخليص أراضيهم من هذه
المنظمة الإرهابية الدموية".
بدوره، شدد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع
السوداني على رفض بلاده "استخدام أراضيه للاعتداء على دول الجوار، أو أي مساس
بالسيادة العراقية" وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية "واع"
في حينها.