يبدو أن الحرب في
أوكرانيا دخلت منعطفاً خطيراً للغاية، إذ تعمل
روسيا على مدار الأسابيع والأيام
الماضية على عرقلة الهجوم المضاد الأوكراني. استهدف الروس يوم الجمعة العديد من
المواقع العسكرية وغير العسكرية في أوكرانيا، وأسفرت هجماتهم عن سقوط 23 شخصاً في
مدينة أومان في وسط أوكرانيا ومدنية دنيبرو في الجنوب الشرقي لأوكرانيا.
وفي صباح الاثنين شنت
الطائرات الروسية هجوماً واسعا ضد بعض المدن الأوكرانية. وتأتي هذه الهجمات نتيجةً
لتغير هام في الاستراتيجية العسكرية الروسية، حيث تركز روسيا في هذه الأيام على
منع استقدام أوكرانيا المزيد من قوات الاحتياط للصفوف الأمامية وفي ذات الوقت
تحافظ روسيا على الوضع الراهن في مدينة باخموت الأوكرانية، فهي تدخر الذخيرة لصد
هجوم أوكراني واسع من المقرر أن يبدأ خلال أسابيع. بالطبع تقنين الذخيرة في باخموت
دفع قائد مجموعة فاغنر إلى الشكوى والتهديد بالانسحاب الجزئي من باخموت، ولكن
العقيدة العسكرية الروسية الجديدة قد تضحي بالتقدم في باخموت في سبيل عرقلة الهجوم
الواسع الذي تحضر له أوكرانيا كما تحدثنا أعلاه.
على مدار الأشهر
الماضية تحججت القيادة في أوكرانيا بالطقس كمعوّق وحيد لشن هجوم عسكري واسع يسعى
لاستعادة الأراضي الأوكرانية كاملة، وبعد أن بدأ فصل الربيع يبدو بأن معضلات أكبر
من مشكلة الطقس تقف حائلة دون البدء بعملية الهجوم المضاد.
في الحقيقة، لا يعترف
القادة العسكريون في أوكرانيا علانية بالصعوبات التي تواجههم في الهجوم المضاد،
وذلك للحفاظ على الروح القتالية للجنود الأوكرانيين، ولكن المشاكل الحقيقية لا
تقتصر على الجانب اللوجستي وحسب بل تشمل مشكلات التمويل والذخيرة والقدرة.
حصلت أوكرانيا على
دعم
غربي غير مسبوق؛ من الولايات المتحدة التي سحبت بطاريات الباتريوت من المملكة
العربية السعودية لإيصالها إلى أوكرانيا، كما استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة
المتروكة في قاعدة باغرام لإيصالها إلى الجبهات الأوكرانية، كما قام الاتحاد
الأوربي بتقديم المعدات والمدرعات والعربات العسكرية. كل هذه المساعدات العسكرية
تحتاج لدعم لوجستي مستمر، أي تحتاج لقوات مرافقة للصيانة وقوات لتقديم الدعم
اللوجستي (أي إمداد القوات المشاركة في القتال بالذخيرة والرصاص والقذائف) أثناء
شن الهجوم العسكري وهو ما لم تحصل عليه أوكرانيا بعد، ناهيك عن التدريب الذي يجب
أن تتلقاه القوات الأوكرانية على الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ المضادة للدبابات
وغيرها من المعدات العسكرية التي تحتاج إلى أشهر من التدريب.
وأما النقص الثاني
الذي يعرقل شن الهجوم الأوكراني المضاد فهو عدم وصول الطائرات الغربية إلى
أوكرانيا، أو بعبارة أخرى التفوق الجوي الروسي على أوكرانيا. وعلى الرغم من الوعود
الأوروبية بتقديم طائرات إف 16 إلى أوكرانيا إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، ويبقى
الضعف الأوكراني في المجال الجوي واضحا.
ولعل أحد أهم أسباب
عرقلة الهجوم المضاد هو التردد الغربي بقدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها من
القوات الروسية، هذه المخاوف تتمحور حول أن هذا الفشل سوف ينعكس على الوضع الداخلي
للدول الداعمة خصوصا الولايات المتحدة. وأما عن فرنسا فيبدو بأن نظرتها إلى الحرب
قد تغيرت بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، حيث بدأت تتعزز لدى
فرنسا فكرة عقد اتفاقية سلام بدلاً من خوض حرب دامية طويلة الأمد تستنزف الموارد
المالية الفرنسية. وقد ظهر هذا التردد في الدعم في المناقشات الأخيرة في الاتحاد
الأوربي لدعم أوكرانيا، إذ اشترطت فرنسا أن يكون الدعم عبر معدّات تم تصنيعها بشكل
حصري في أراضي الاتحاد الأوروبي ورفضت أي مساعدات يتم استيرادها من الخارج.
ختاماً، قد تشن القوات
الأوكرانية هجوماً عسكرياً مضاداً ضد الروس في الأيام القليلة القادمة، ولكن هذه
العملية العسكرية ستفشل كما فشلت العملية الروسية التي هدفت إلى السيطرة على
أوكرانيا بشكل كامل خلال أسابيع. إن الفشل المحتمل للرد المضاد سيعزز فكرة أن الحل
الأنسب لهذه المعارك والخسائر على المستوى البشري والمادي هو الانخراط في اتفاقية
سلام بوساطات واقعية تحاول تحقيق الحد الأدنى لطموحات كل من روسيا وأوكرانيا، دون
إراقة الدماء ودون خوض معركة لا يُتوقع لها أن تنتهي على المدى المنظور.