حذر أكاديمي مصري من خطورة قمع "الإسلاميين المعتدلين" في
تونس ودول الربيع العربي، وانعكاسات ذلك على فرص خلق مناخات ديمقرطية بديلة عن الحكم
الاستبدادي.
وقال عماد شاهين، إن الدوافع الأصلية للربيع العربي الذي انطلق في عام 2011 ما زالت قائمة، وإن المنطقة بحاجة إلى المدافعين عن
الديمقراطية من الإسلاميين أمثال رئيس حركة النهضة في تونس، راشد
الغنوشي، بهدف توجيه المسار.
ويرى شاهين في مقال بموقع "
ميدل إيست آي" ترجمته "عربي21"، أن قمع المعتدلين مثل الغنوشي أو الإخوان المسلمين في مصر يمكن أن يخلق فراغاً لا مفر من أن يقفز لملئه المتطرفون، أو يجري ملؤه من قبل إجراءات أمنية غايتها التحكم بالمجتمع. وتلك هي بالضبط الدورة التي ما فتئت المنطقة تشهدها خلال العقود الأخيرة من حيث العلاقة بين الأنظمة القمعية والإسلام المعتدل، مشددا على أن "القمع يفضي إلى التطرف".
ودعا شاهين "الديمقراطيين المسلمين إلى ألا يفت في عضدهم هذا الانتكاس"، قائلا إن "الأسباب الأصلية التي حفزت على انطلاق
الثورات الشعبية وعلى إسقاط الأنظمة الاستبدادية ما زالت قائمة (..) والمنطقة تحتاج إلى المدافعين عن الديمقراطية، مثل الغنوشي، سواء من داخل التيار الإسلامي أو التيار الليبرالي، وذلك لتوجيه المسار".
وفيما يلي نص مقال عماد شاهين:
أقدمت السلطات التونسية هذا الشهر على اعتقال راشد الغنوشي، زعيم المعارضة البارز والمسلم الديمقراطي الملهم.
أخضعت السلطات الغنوشي، الزعيم الثمانيني الذي يقود أكبر حزب إسلامي في تونس والذي يعتبر صوتاً للاعتدال في بلاده، للتحقيق بتهمة التحريض على العنف وغير ذلك من التهم المشبوهة. لا يبدو ذلك حتى الآن مستغرباً في ملحمة الصراع مع الاستبداد في الشرق الأوسط وما يقابل به من لامبالاة غربية.
لا جدوى من الكتابة حول ما ينبغي أن يفعله الغرب، وبشكل خاص حول الولايات المتحدة، لدعم الديمقراطية ولحماية حقوق الإنسان. فهذا الأمر لا يعنيهم على الإطلاق، كما يشهد بذلك مراراً وتكراراً تاريخ دعمهم للأنظمة القمعية والاستبدادية. بل يشهد التاريخ، في الواقع، أنهم لطالما كانوا حجر عثرة في طريق التحول نحو الديمقراطية.
لربما كان الأجدى من ذلك هو التركيز على الدروس التي يمكن تعلمها من هذه المرحلة في عملية التحول الجارية في منطقة الشرق الأوسط.
إن دولة ما بعد الاستقلال في الشرق الأوسط بطبيعتها مناهضة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ولذلك فهي بحاجة إلى إعادة بناء وإلى تفكيك أدواتها السلطوية. وذلك بالضبط هو ما خرج يطالب به الملايين من الشباب أثناء الانتفاضات الشعبية العربية في عام 2011، عندما رددوا هتافات مثل "الشعب يريد تغيير النظام" ومثل "عيش، حرية، كرامة إنسانية".
وهذا الهتاف الأخير يمكن اعتباره صيحة للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ما تزال هذه المطالبات حية، وما من شك في أنها سوف تظل قائمة خلال الجولة القادمة من عملية التغيير في المنطقة.
إن العودة إلى السلطوية ليست نتيجة طبيعية وحتمية ضمن الاستثنائية التي يمتاز بها الشرق الأوسط. بل ما حدث هو أن الثورة المضادة، التي عملت بكل ما أوتيت من قوة لإجهاض التطلعات الشعبية لمعظم الناس في الإقليم، وهي التطلعات التي عبرت عنها انتفاضات عام 2011، إنما كانت خطة مدبرة وعملية مقصودة تورطت فيها أطراف دولية وإقليمية ومحلية شعرت بأنها ستكون أكثر ارتياحاً إذا ما استمرت في التعامل مع الشياطين المألوفين لديها.
بدأت مقاومة التغيير برفض الدول نعت الانقلاب بالانقلاب، ثم بصب مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية والقروض في جيوب النظام العسكري في مصر، وفي المقابل حرمان تونس من كثير من المساعدات التي كانت في أمس الحاجة إليها أثناء الفترات الحرجة من عملية التحول الديمقراطي، وكذلك الامتناع عن اتخاذ موقف حاسم ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وحتى أثناء إسقاطه البراميل المتفجرة على رؤوس شعبه.
وضع لا يحتمل
لقد أفلست دول ما بعد الاستقلال في العالم العربي، وغدت ضعيفة وفاقدة للقدرة على الإبداع، بل كثير من هذه الدول يوصف بالدول الفاشلة بسبب القمع الاجتماعي والحروب الأهلية وسوء الأوضاع الاقتصادية، أو ببساطة أساليب الحكم الخرقاء. تضم القائمة بلداناً مثل السودان وليبيا وسوريا والعراق ومصر ولبنان واليمن.
يحتاج ملايين البشر ممن يعيشون في هذه الدول، من المواطنين المدنيين العاديين، استراتيجيات فعالة للتنمية الاقتصادية، ويحتاجون إلى نظام سياسي يعمل، ويحتاجون إلى الحكم الرشيد. ما عاد الوضع الحالي محتملاً. بل باتت الحاجة ماسة جداً إلى صيغة جديدة.
تحتاج الدول الفاشلة، أو الدول التي أنهكتها الحروب الأهلية، إلى إعادة البناء من جديد وإلى استعادة السلم الاجتماعي فيها. تحتاج إلى صيغة يمكنها أن تحقق التكامل الوطني ولم شمل المجتمعات ذات المكونات الاجتماعية والسياسية والعرقية المختلفة. تتمثل تلك الصيغة في الديمقراطية، وليس في السلطوية المتجددة. تتمثل في الديمقراطية كعملية يمكن من خلالها للكيانات المتباينة أن تتحاور فيما بينها وأن تحل صراعاتها بشكل سلمي.
لربما كانت هندسة الديمقراطيات الصناعية، وإنشاء الأنظمة العقائدية والطائفية، أو استعادة الأنظمة السلطوية، حلولاً مؤقتة، ولكن لا مفر في نهاية المطاف من أن تفشل. لن تقود هذه المساعي إلى الانفراج ولا إلى قيام مجتمعات قوية.
من شأن قمع المعتدلين مثل الغنوشي أو الإخوان المسلمين في مصر أن يخلق فراغاً لا مفر من أن يقفز لملئه المتطرفون أو يجري ملؤه من قبل إجراءات أمنية غايتها التحكم بالمجتمع. وتلك هي بالضبط الدورة التي ما فتئت المنطقة تشهدها خلال العقود الأخيرة من حيث العلاقة بين الأنظمة القمعية والإسلام المعتدل – القمع يفضي إلى التطرف.
عندما زار الغنوشي واشنطن في عام 2014، تم نعته بمانديلا العرب، وذلك لما عرف عنه من التزام صادق بالديمقراطية. ولقد لعب بالفعل دوراً محورياً في إنجاح التحول الديمقراطي في تونس بعد سقوط نظام بن علي في عام 2011.
لقد قدم هو وحزبه، النهضة، تنازلات ملموسة من أجل ضمان نجاح العملية الديمقراطية. والآن، لا مفر من أن يصب قمع الديمقراطيين المسلمين فيما يذهب إليه المتطرفون المسلمون، الذين لا يؤمنون بالعملية الديمقراطية كسبيل آمن أو مفيد لإنجاز التغيير.
يجدر بالديمقراطيين المسلمين ألا يفت في عضدهم هذا الانتكاس، فالأسباب الأصلية التي حفزت على انطلاق الثورات الشعبية وعلى إسقاط الأنظمة الاستبدادية ما زالت قائمة. تحتاج المنطقة إلى المدافعين عن الديمقراطية، مثل الغنوشي، سواء من داخل التيار الإسلامي أو التيار الليبرالي، وذلك لتوجيه المسار.
قال الغنوشي ذات مرة: ينبغي أن تنجح التجربة التونسية لأنها توفر ربيعاً ديمقراطياً يتسع للجميع.