استشهد الأسير
الفلسطيني خضر عدنان، بعد
إضراب عن الطعام دام
لفترة (86) يوما، احتجاجا على اعتقال
الاحتلال الإسرائيلي له. وليست أول مرة يتم
اعتقاله، ولا أول مرة يُضرب فيها عن الطعام، فالإضراب وسيلة يضطر إليها السجين أو
الأسير، بعد أن يتعنت المحتل أو السجان، فلا يحترم قانونا، ولا يراعي إنسانية
البشر، فلا يجد عندئذ ملاذا إلا اللجوء للإضراب عن الطعام.
ولنبتعد عن النقاشات التي يثيرها البعض حول شرعية الإضراب عن
الطعام، وهي وسيلة أراها مشروعة ولا تلتقي والانتحار في أي مسافة فقهية أو شرعية، فالمضرب
عن الطعام إن اجتهد في نضاله ذلك المباح له شرعا كوسيلة ضغط، فأدى ذلك لوفاته، فهو
مأجور شرعا في ذلك، ونرجو له أجر الشهادة عند الله تعالى.
شهادة خضر هنا نبهتنا إلى قضية قد تغيب أحيانا عن الأذهان، وهي قضية معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وما يمارس ضدهم، رجالا ونساء، وعن الصمت المريب ممن يسمى العالم الحر،
ولعل شهادة خضر هنا نبهتنا إلى قضية قد تغيب أحيانا عن
الأذهان، وهي قضية معاناة الأسرى الفلسطينيين في
سجون الاحتلال، وما يمارس ضدهم،
رجالا ونساء، وعن الصمت المريب ممن يسمى العالم الحر، العالم الذي يهرع لأي قضية
هامشية تتعلق بأي حق في العالم، ويصمت عندما يتعلق الحق بأسرى سجون الاحتلال، أو
سجون الأنظمة العميلة لهذا الاحتلال، وما أكثرها في بلادنا.
في عام 2009م، صدر كتاب عن مركز الزيتونة للدراسات
والاستشارات، يغطي مساحة معلوماتية وواقعية عن قضية الأسرى، قام بإعداده الكاتب
الصحفي المعروف الأستاذ فراس أبو هلال، وحرره: الدكتور محسن صالح، والأستاذة مريم
عيتاني، تحت سلسلة يصدرها المركز، اختار لها عنوانا معبرا بحق عن الموضوع: "أوَ
لست إنسانا"، في سلسلة دراسات تتناول الجوانب الإنسانية للقضية الفلسطينية،
وفي القلب منها بلا شك: قضية الأسرى، فأصدر كتابا بعنوان: معاناة الأسير الفلسطيني
في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
الكتاب سلط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين، حيث تناول
بالمعلومات والإحصاء عدد الأسرى، وأوضاعهم القانونية والإنسانية، وظروف الاعتقال
والأسر، ثم المحاكمات، ومدى قانونيتها، وأنواع الاعتقال، من حيث الاعتقال التعسفي،
ومدى انتهاك حرية وحقوق الأسير الفلسطيني، والاعتقال الإداري، وهو من أسوأ أنواع
الاعتقال والأسر.
وبيّن الكتاب ظروف الأسرى من حيث أبنية السجون، وغرفها، وظروف
الأسرى الصحية، وما يتعرضون له من إهمال طبي، وتعذيب داخل السجون، وانتهاك
لحقوقهم، علما بأن الأسرى هنا ليسوا رجالا فقط، بل شمل الرجال والنساء. ومن أشد
الانتهاكات للأسرى، هو وجود أطفال ضمن الأسرى، وهم ليسوا أبناء أو بنات المعتقلات
الفلسطينيات فقط، الذين يعاقبون بناء على معاقبة الاحتلال لآبائهم وأمهاتهم، بل
هناك أطفال يتم اعتقالهم نظرا لأنشطتهم ضد الاحتلال، ولو كان النشاط السير في
مظاهرة، أو نشاطا سلميا صرف.
والكتاب معني بذكر الواقع المرير الذي يعيشه الأسرى، وما
يتكبدونه جراء إجراءات لا تمت للقانون ولا للخلق بصلة، وذلك حتى عام 2009، وحال
الأسرى يتطور بشكل سلبي أكثر بعد صدور الكتاب، وهو أيضا معني بالأرقام والإحصاءات
والواقع، وإن لم يرصد مدى التفاعل أو التباطؤ مع قضية الأسرى من عالمنا العربي
والإسلامي، أو العالم الحر. وفي تقديري الأسباب التي طرأت على عالمنا العربي
والإسلامي، جعلت قضية أسرى سجون الاحتلال لا تنال القدر الكافي واللائق بالاهتمام
بها، هو ما جرى فيما سمي بالربيع العربي، والانقلاب عليه وجعله خريفا عربيا للأسف.
فما يتم من مظالم في بلادنا، جعلت النظرة لما يقوم به الاحتلال
موضع مقارنة أيهما أكثر ظلما، وللأسف جعلت البعض يصف الاحتلال بشيء من الرحمة
مقارنا بهذه الأنظمة المجرمة. ففض رابعة في مصر، والبراميل المتفجرة في سوريا،
والسجون في مصر وسوريا وبلدان عربية أخرى، ووضع السجين والأسير العربي المسلم في
بلاده، خطف الأذهان والأبصار تجاهه، من باب: بعض الشر أهون من بعض، وهو تخطيط مراد
ومدروس، وكثيرا ما يلجأ إليه الاحتلال عن طريق أنظمة تعمل لتحقيق أمنه وسلامه.
من المظالم التي تتعرض لها قضية الأسرى، ما بدأت به مقالي، وهو الفتاوى والتناول الفقهي من بعض المشايخ، والذين لا يحسنون تصوير واقع الأسرى، فتخرج فتاوى تضيق على الأسير والمظلوم، بينما تكون أكثر تساهلا فيما يفعله الظالم
ومن المظالم التي تتعرض لها قضية الأسرى، ما بدأت به مقالي،
وهو الفتاوى والتناول الفقهي من بعض المشايخ، والذين لا يحسنون تصوير واقع الأسرى،
فتخرج فتاوى تضيق على الأسير والمظلوم، بينما تكون أكثر تساهلا فيما يفعله الظالم،
ليس تأييدا منهم له، بل أحيانا لعدم إحسان الفقيه أو المفتي الذي يتعرض للموضوع،
لموضوع النضال ومقاومة الظلمة.
فيظل كثير من المشايخ أسرى نظرة فقهية قديمة، أو أسرى تصور
تقليدي لا يحسن فيه تصور المسألة تصورا دقيقا، وهو ما يراهن عليه الظلمة للأسف،
فتقف العقلية التقليدية الفقهية عائقا أمام وسائل النضال، ومنها: الإضراب عن
الطعام، وألوان أخرى من النضال.
أعتقد أن الفقيه يحتاج في مثل هذه القضايا إلى إلمام مهم بواقع
الأسرى، وما يمكن للأسير فعله، في ظل تضييق خانق، وعجز من غل يد الظالم، عندئذ لا
بد من توسعة أفق الفقيه، حتى لا يكون فتوى الفقيه عبئا على عاتق الأسير، بدل أن
تكون فكّا لقيده.
twitter.com/essamt74
Essamt74@hotmail.com