بدا استشهاد
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان بعد
إضراب عن الطعام امتد 87
يوماً في المعتقل الإسرائيلي بمدينة الرملة المحتلة، كاشفاً المشهد
الفلسطيني
الراهن بكافة تفاصيله الفردية والجماعية والمؤسساتية والتنظيمية، كما قسوة
الاحتلال
وجبروته في مواجهة المقاومة العنيدة بكافة أشكالها وأساليبها، بينما العبرة أو
الدلالة الأهم تتمثل بحقيقة أن الشعب الفلسطيني لا ينكسر والمشروع الاستعماري حتماً إلى زوال، كما في كل التجارب المماثلة عبر التاريخ.
خاض الشيخ خضر عدنان الإضراب عن الطعام خمس مرات في مواجهة سجانيه
وظلاّمه خلال عقدين تقريباً، انتصر فيها جميعاً حيث نال الحرية في أربعة منها، ثم
ارتقى شهيداً خالداً في الخامسة، ومعلماً بارزاً في تاريخ صمود وثبات الفلسطينيين.
كان خضر عدنان خلال
العقدين الماضيين (2004-2023) عرّاب أو قائد الإضرابات في مواجهة الاعتقال الإداري
غير الشرعي وغير القانوني وفق كافة المواثيق والشرائع الدولية، والموروث من زمن الاستعمار
البريطاني لفلسطين في القرن الماضي، وغير المعمول به في أي مكان في العالم سوى الدولة
العبرية.
في إضرابه الأخير بدا خضر عدنان وكأنه يرتقي درجة في مواجهة الاحتلال، حيث خاض الإضراب بعد اعتقاله أوائل شهر شباط/ فبراير الماضي، وتقديم لائحة اتهام مفبركة ضده بحجة مقاومة الاحتلال "الإرهاب" وفق المعيار الإسرائيلي، علماً أنه يخوض واجبه ونضاله وجهاده العلني والسلمي بدعم رفاقه الأسرى والانخراط في كافة الفعاليات الوطنية ضمن مقاومة مشروعة في مواجهة الاحتلال
وعليه فقد شق عدنان
الطريق لأسرى إداريين كثر نالوا حريتهم بمعركة الأمعاء الخاوية في مواجهة هذا الشكل
والأسلوب من الاعتقال والتنكيل.
في السياق، لا بد
من الإشارة إلى أن الاعتقال الإداري تضاعف خلال السنة الماضية، وبات بمثابة
القاعدة لا الاستثناء، كما كان خلال السنوات الماضية، وإذا كنا نتحدث بشكل عام عن
قرابة أربعة آلاف أسير فلسطيني فإن خمسهم تقريباً في الاعتقال الإداري دون سقف
محدد ومدى زمني مفتوح على التجديد لشهور بل لسنوات.
في إضرابه الأخير
بدا خضر عدنان وكأنه يرتقي درجة في مواجهة الاحتلال، حيث خاض الإضراب بعد اعتقاله أوائل
شهر شباط/ فبراير الماضي، وتقديم لائحة اتهام مفبركة ضده بحجة مقاومة الاحتلال "الإرهاب"
وفق المعيار الإسرائيلي، علماً أنه يخوض واجبه ونضاله وجهاده العلني والسلمي بدعم
رفاقه الأسرى والانخراط في كافة الفعاليات الوطنية ضمن مقاومة مشروعة في مواجهة الاحتلال.
في معركته
الأخيرة، أضرب الشيخ عدنان ثلاثة شهور تقريباً جرى خلالها رفض كل طلبات الاستئناف
القضائية للإفراج عنه بكفالة رغم سوء حالته الصحية، في تأكيد إضافي على انخراط
المؤسسة القضائية في خدمة المنظومة الاستعمارية التي باتت أقرب إلى نظام الفصل
العنصري في فلسطين المحتلة.
ومن هنا يمكن
الاستنتاج أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ومصلحة السجون التي تماهت معه شرعوا
فعلاً في تنفيذ قرار إعدام الأسرى، ولكن ببطء ودون إعلان رسمي.
وعليه، يبدو
التساؤل منطقياً: كيف لمُضرب عن الطعام لشهور وحالته تسوء يوماً بعد يوم أن يبقى في
زنزانة غير مهيأة، وهو معرّض للإغماء أو الغيبوبة أو أي طارئ صحي في أية لحظة؟
في السياق، لا بد
من التذكير برفض مستشفيات مدنية إسرائيلية بقاء عدنان رغم طلباته المتكررة، في انخراط
طبي موصوف أيضاً إلى جانب آلة الاحتلال والمؤسسة العسكرية الأمنية في تنكيلها
بالفلسطينيين وتخليها عن شرف المهنة وقسم أبوقراط الشهير.
تُرك خضر عدنان في الزنزانة حتى الموت، علماً أنه لم يُرد ذلك وإنما الحياة والانتصار والعودة لأسرته وعائلته وأطفاله
في المحصلة، تُرك
خضر عدنان في الزنزانة حتى الموت، علماً أنه لم يُرد ذلك وإنما الحياة والانتصار والعودة
لأسرته وعائلته وأطفاله، كما قالت رئيسة منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان د. لينا
قاسم التي زارته قبل وفاته بعشرة أيام تقريباً، وسألته عما يتمناه أو يتوقعه منهم
عند الإغماء، فطلب المساعدة على إفاقته بالحد الأدنى من الجهود الطبية، وبما لا يكسر
إضرابه عن الطعام وينال من رفضه التغذية القسرية.
في سياق فلسطيني أوسع،
سياسي وحزبي وإعلامي وجماهيري، وخلال إضرابه الطويل (ثلاثة شهور) لم ينل الشهيد عدنان
ما يستحقه من اهتمام، وعملياً تُرك وحده كما قالت زوجته، وحجم التضامن معه لم يكن بمستوى
الحدث والتضحيات. وحتى بعد استشهاده تحدث القادة كمحللين لا كسياسيين، علماً أن
ثمة فرقا كبيرا، فمهمتنا كإعلاميين ومحللين وباحثين قراءة خلفيات ودلالات وتداعيات
استشهاده، بينما الرد الفعلي والناجع والمجدي هو مهمة السياسيين بامتياز.
بتفصيل أكثر، تتحدث
وزارة خارجية السلطة الفلسطينية الآن عن الذهاب بقضية الشهيد عدنان إلى المحكمة الجنائية
الدولية، ولا يمكن بالطبع التقليل من هذا المسعى على أهميته لكنه يبدو أقل مما
ينبغي ومتأخرا كذلك أكثر مما ينبغي.
جرى التقاعس الرسمي والفصائلي والشعبي عن مساعدته وحمايته كما زملائه وقضيتهم بشكل عام، ومنذ أسبوعين تقريباً تم إحياء يوم الأسير الفلسطيني كالعادة بشكل فولكلوري وموسمي؛ وأقرب إلى المهرجان منه إلى طرح الرؤى وخطط العمل لمساعدتهم وحصد تأييد دولي متعدد المستويات لقضيتهم العادلة
وبالعموم جرى التقاعس
الرسمي والفصائلي والشعبي عن مساعدته وحمايته كما زملائه وقضيتهم بشكل عام، ومنذ أسبوعين
تقريباً تم إحياء يوم الأسير الفلسطيني كالعادة بشكل فولكلوري وموسمي؛ وأقرب إلى المهرجان
منه إلى طرح الرؤى وخطط العمل لمساعدتهم وحصد تأييد دولي متعدد المستويات لقضيتهم العادلة.
قبل خضر عدنان تم
التخلي للأسف عن الشهيد ناصر حميد والشهداء الأحياء كريم يونس ونزار يونس وفؤاد
الشوبكي، وتركهم وحدهم لمصيرهم في مواجهة آلة البطش الإسرائيلية، والآن يواجه الأسير
وليد دقة معركته وحده أيضاً بتضامن خجول ومتفرق غير ممنهج أو مدروس.
وفيما يخص الرد
من غزة على استشهاد عدنان ومع تقدير النوايا الطيبة، فإن تصعيد الساعات المعدودة
والمحدودة والمحجّمة أكد ما نعرفه ونلمسه جميعاً عن عدم إمكانية؛ بل استحالة خوض
معركة الأسرى والمقدسات والاستيطان والتهجير القسري من غزة وبحرب تقليدية أو شبه
تقليدية لساعات أو أيام أو حتى لأسابيع، وبمصطلحات مثل قواعد الاشتباك ووقف إطلاق النار
لا تعكس المشهد والواقع على حقيقته، حيث الاستعمار الذي تحول إلى نظام فصل عنصري،
ما يقتضي بالضرورة خوض معركة يومية ومستمرة معه لنصرة الأسرى والمقدسات، ومواجهة التهويد
والاستيطان والتهجير القسري في ساحة الصراع الرئيسية بالضفة الغربية، بينما تبدو المقاومة
الشعبية الأسلوب الأنجع والأمثل والأجدى لتحقيق إنجازات ملموسة، وإبقاء القضية
الفلسطينية في دائرة الضوء وبلورة أوسع مساحة ممكنة من الإجماع الوطني والعربي
والدولي حولها.