تساءلت صحيفة "
لوفيغارو"
الفرنسية في تقرير لها، حول ما إذا كان
السودان سيتحول إلى ساحة جديدة لشركات الأمن،
بعد اندلاع الصراع بين الجيش بقيادة عبدالفتاح
البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة
محمد حمدان دقلو، بعد استعانة سودانيين بشركات أمن لضمان سلامتهم خلال الفرار من
البلاد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه منذ بداية الصراع في السودان لم يتوقف هاتف ساسشا كونكيل
عن الرنين. في كل يوم، يطلب عشرات العملاء من رئيس شركة "ألجيز" للأمن -
وهي شركة أمنية فرنسية - تأمين هروبهم من الاشتباكات المستمرة منذ أسابيع.
قال هذا الخبير الأمني إنه "منذ
المكالمة الأولى، تولينا مسؤولية إجلاء الأفراد نيابة عن الشركات أو المنظمات.
كانوا يرغبون أن يتم إجلاؤهم خارج البلاد ولكن في البداية لم يكن ذلك ممكنا، لم
نتمكن من إحضارهم إلا إلى بر الأمان. كل ما استطعنا فعله هو توفير مكان آمن لهم
داخل البلاد".
وذكرت الصحيفة أن التدهور السريع للوضع
الأمني والقتال العنيف في قلب العاصمة السودانية دفع الشركات والمنظمات إلى دعوة
الشركات الأمنية لإجلاء موظفيها المحاصرين في مرمى النيران.
وقال مسؤول تنفيذي
لإحدى الشركات الرائدة في هذا القطاع: "كنا نتوقع أزمة تدريجية، ولكن انتقل
السودان في غضون 48 ساعة من الهدوء إلى حالة القصف بالطائرات المقاتلة".
وأشارت الصحيفة إلى أن نقص الوقود
والكهرباء وتدهور شبكة الاتصالات وغياب جبهة قتالية واضحة، أدى إلى تعقيد عمل هذه
الشركات الأمنية المعتادة على مناطق الحرب.
وأقرّ الخبير بأن ما يحدث في السودان
هو "بلا شك من بين أكثر الصراعات تعقيدا التي واجهتها. لقد عملت لوقت طويل في
ليبيا، ولم يكن هناك عنف وإجرام من هذا القبيل، المتمردون ينتقلون من منزل إلى
منزل للنهب ويهاجمون الدبلوماسيين".
في هذا البلد حيث يُحظر عمل شركات
الأمن الأجنبية، انتقل رؤساء القطاع إلى التعاون مع المشغلين المحليين. وذكر
المتخصص في قضايا الدفاع فيليب شابلو أن "معظم هذه الشركات تفتقر إلى موظفين
دائمين لأن ذلك يكلفها كثيرا، لكنها تعمل مع الشركات المحلية. تقوم هذه الشركات
بعمل ضخم لتفادي جميع المخاطر".
وأكدت الصحيفة أنه تم بنجاح إجلاء آلاف
الرعايا الأجانب، لا سيما في إطار "عملية ساجيتير" التي تقودها القوات
المسلحة الفرنسية، ولكن عدم احترام وقف إطلاق النار المتتالي واستمرار الاشتباكات
على الأرض جعل عمليات إجلاء معينة أكثر تعقيدا من غيرها. فقد تعرضت طائرة تركية
لإطلاق نار أثناء هبوطها في قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال أم درمان، فيما أعلنت
السلطات الكندية عن وقف العمليات في مواجهة مخاطر أمنية. وفي بورتسودان، لا يزال أكثر
من 2000 شخص عالقين.
"بيئة مثيرة للمطامع"
وأوردت الصحيفة أن الأزمة التي يمر بها
السودان تمثل فرصة ذهبية للعديد من الشركات الأمنية عديمة الضمير التي تستغل حالة
اليأس التي يعيشها السكان المحاصرون في العاصمة لفرض أسعار باهظة. وقال مسؤول
تنفيذي مقيم في شرق أفريقيا: "تتمثل مهمتنا الأساسية في إنقاذ الأرواح، لكنها
بيئة تثير مطامع الكثيرين. يرى الكثيرون السودان عبارة عن منجم ذهب محتمل، فهم في
سباق من أجل المال".
تتقاضى بعض الشركات 30 ألف دولار للفرد
مقابل النقل من الخرطوم إلى بورتسودان على البحر الأحمر، يضاف إليها 8000 دولار
للوصول إلى مدينة جدة السعودية بالقارب.
ونقلت الصحيفة عن ماثيو، وهو مواطن
بريطاني يعيش في العاصمة السودانية: "لقد كنت عالقا مع عائلتي في الخرطوم
وكنت أبحث عن طريقة للخروج من البلاد، عرض علي العديد من الأشخاص الذين لم تطأ
أقدامهم أبدا السودان مساعدتي على المغادرة لكن الأسعار كانت خيالية، لذلك اضطررت
إلى الخروج من البلاد بمفردي".
يعترف مدير شركة أمنية مقرها فرنسا فضّل عدم
الكشف عن هويته بأن "الجميع في هذا المجال يسعون إلى فرض أنفسهم واكتساب
مكانة". بالنسبة له، فإن "غالبية هذه الشركات عبارة عن واجهات عرض بسيطة
تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لحجز مكان لها في السوق".
وأضافت الصحيفة أن أكثر من 14 شركة على
موقع "لينكد إن" تتباهى بتقديم خدمات الإجلاء وتزعم أن لديها فرقا على
الأرض ولكن معظمها في الواقع وسطاء يستعينون بمشغلين محليين للقيام بعمليات
الإجلاء لم يعملوا معهم من قبل. وأشار هذا المسؤول المتخصص في عمليات الإجلاء
"تقدم هذه الشركات مقاعد على متن طائرة للإجلاء مقابل آلاف الدولارات، لكن لا
توجد أي طائرة مدنية لديها تصريح بالهبوط في الخرطوم أو بورتسودان".
بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع النزاع، لا
يمكن سوى للطائرات التي استأجرتها الدول التي حصلت على موافقة القوات المسلحة
السودانية الهبوط في السودان.
وقال ساسشا كونكيل ساخرا: "عندما
أرى هذه الأعمال المدهشة التي تتفاخر بها هذه الشركات، أتساءل كيف تفعل ذلك، إذا
لم أتمكن أنا الذي عملت في الميدان لمدة خمسة عشر عامًا من العثور على هذا الحل؟ نحن لا نعمل بهذه الطريقة!".
وأشارت الصحيفة إلى أنه مع تعمق الصراع، فقد بدأت هذه الشركات تتجه الآن نحو دعم الراغبين في العودة إلى السودان: سواء صحفيين
أو دبلوماسيين أو عاملين في المجال الإنساني، بينما أعلنت العديد من وكالات الأمم
المتحدة استئناف عملياتها في البلاد.
وبحسب المتخصص في شؤون القرن الأفريقي
فيليب شابلو فإنه "قبل ثلاثة أسابيع، لم يكن معظمهم يعرفون شيئا عن السودان، والآن
تحول هذا البلد إلى سوق جديدة ويمكننا أن نتوقع من العديد من الشركات الأمنية إثبات
وجودها هناك بشكل دائم بفضل الطلب المتزايد على خدماتها".