ما زال العدوان الإسرائيلي يتواصل على
غزة، وسط تقديرات إسرائيلية متباينة تجاه تطوراته المتلاحقة، رغم أن ذاكرة الاحتلال تبدو قصيرة؛ لأنها لا تدرك أن جولة التصعيد الحالية ليست أكثر من "إعادة" لأحداث مماثلة وقعت في السنوات الأخيرة.
إن التشابه بين الجولات العدوانية على غزة يثبت أنه لا يوجد فرق حقيقي في سياسات الحكومات الإسرائيلية، وتتميز جميعها بنفس المشكلة الأساسية، وهي عدم وجود استراتيجية طويلة المدى فيما يتعلق بغزة، باستثناء التطلع لتحقيق التهدئة الأمنية فقط.
مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات
الفلسطينية بجامعة تل أبيب، وباحث أول بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، زعم أن "افتتاح العدوان الأخير بناءً على المبادرة والخداع، لا يعني أن هناك تأكيدا على عودة الردع الإسرائيلي، الذي تآكل إلى حد ما في مواجهة الأزمة لدى الاحتلال، لأنه رغم التركيز على الجهاد الإسلامي، فإن من الواضح أن المواجهة الرئيسية هي ضد
حماس، القوة القوية "الحاضرة الغائبة"، رغم أن إسرائيل غير معنية بحملة عسكرية واسعة".
وأضاف في مقال نشره موقع
القناة 12، وترجمته "
عربي21"، أن "إسرائيل مطالبة بتجنب أن تخوض لعبة مزدوجة مع حماس، حتى لو كان الهدف تحقيق هدوء نسبي في المنطقة، لأن ذلك يعني تحقيقا لتطلعات الحركة، بل مساعدتها، والمشاركة في تقديمها عندما تبدو الظروف مناسبة لها، خاصة أن التصعيد الحالي نابع من قناعة مفادها أنه لا يحدث شيء في غزة دون موافقة حماس، أو إرادتها، لذلك لا يمكن اعتبار عدم تصدر حماس لهذه الحملة إنجازًا استراتيجيًا لإسرائيل".
وأشار إلى أن "حماس ما زالت تواصل مساعيها ضد الاحتلال من خلال النشاط الذي تروج له في ساحات القدس والضفة الغربية ولبنان، والإذن الممنوح للقوى الأخرى في غزة للعمل منذ زمن ضد الاحتلال، صحيح أن تحسن الوضع الاقتصادي يساهم بتعزيز حكم حماس في غزة، لكنه لا يتحول إلى قيد ثقيل عليها كما تأمل إسرائيل، فضلا عن أنه لا يثني طموحاتها الإيديولوجية".
واضح أن الاحتلال الذي يمر بأزمة داخلية لا تنتهي، ويتطلع للتهدئة مع الفلسطينيين، يدرك أنه في ظل الاضطرابات الداخلية التي ابتلي بها في الآونة الأخيرة، فإن حماس منذ سنوات تتعزز، وتزداد قدرتها.
أوهاد حامو، مراسل الشؤون الفلسطينية في
القناة 12، أكد أنه "بعد مرور عدة ساعات على اندلاع المواجهة الحالية بعد الردّ الفلسطيني على عملية الاغتيال، وقبل إطلاق صاروخ واحد أو رصاصة واحدة من غزة، عن قصد أو غير قصد، حققت المنظمات الفلسطينية إنجازًا كبيرًا ودراماتيكيًا، لأنها عاشت صمتا مهدّدا، وألحقت ضررا بنسيج الحياة في إسرائيل لساعات طويلة، بعد جولات لا حصر لها في غزة، وبعد أن اعتقدنا أننا رأينا كل شيء، ويمكننا أن نقرأ بدقة ما سيحدث، لكن شيئا ما حدث أربك كل حساباتنا".
وأضاف في مقال ترجمته "
عربي21" أن "ما حصل من ردود فلسطينية مفاجئة بعد قرابة ثلاثين ساعة من الهدوء المريب، جعل إسرائيل كأنها تبتكر ساحة غزة من جديد، لأن ما حدث في غضون 36 ساعة حطّم النماذج، وفكّك المفاهيم، وهشّم الأنماط المتوقعة، على اعتبار أنه في الساعة الأولى بعد الاغتيالات، زعم المراسلون العسكريون أن تقدير الجيش يرى أنه في غضون دقائق سنرى ردّا من غزة، لكن إطالة الوقت والتزام الصمت الذي أعلنته الفصائل الفلسطينية أعاد طرح كل الحسابات الإسرائيلية من جديد".
وأوضح أن "صمت الفلسطينيين، وعدم مسارعتهم في الردّ، لم يفاجئ المراسلين العسكريين فحسب، بل فاجأ الجيش أيضًا، لقد فوجئنا جميعًا، وأحد التقييمات الأكثر منطقية التي يتم سماعها، أنهم حاولوا الردّ على إسرائيل بضربة افتتاحية مدوية، بالتوازي مع ضربة الاغتيال الإسرائيلية، لكن الصمت المهدد اعتبره الفلسطينيون إنجازا، من خلال تجميع كل كلمة عن فتح الملاجئ، وصور القبة الحديدية، وإغلاق الطرق في مستوطنات الجنوب، ما منح الفلسطينيين نقاطا إضافية في معركة الوعي ضد إسرائيل".
الخلاصة الإسرائيلية من الساعات الأخيرة مما شهدته غزة، أن الفلسطينيين استطاعوا المسّ بنسيج الحياة لدى الإسرائيليين، وكسر روتينهم، وهو بالضبط ما تريده المنظمات الفلسطينية، ونجحت في تحقيقه، عمدا أو بغير قصد، حتى دون إطلاق رصاصة واحدة من غزة قبل استئناف الردّ، وهكذا شكل الاغتيال الأخير فرصة أمام الاحتلال لاكتشاف ما لم يكتشفه في غزة منذ زمن طويل، وهو أن ضبط النفس لدى الفلسطينيين قوة أيضاً.