لم يستطع حزب الرئيس "رجب طيب
أردوغان" ومكونات تحالف الجمهور، الذي يضم إضافة
إلى حزب العدالة والتنمية؛ حزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، وحزب الرفاه من
جديد، الفوز بالأغلبية المطلقة في الدور الأول من
الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم
14 أيار/ مايو 2023، فقد حصل الرئيس أردوغان على 49.51 في المئة، نظير 44.88 في
المئة لمنافسه المعارض
كليتشدار أوغلو، بينما جاء المرشح الثالث في المرتبة
الأخيرة، بنسبة ضعيفة ومحدودة من الأصوات المعبر عنها في الاقتراع الرئاسي.
يُشار إلى أن الانتخابات الرئاسية تزامن تنظيمها مع الانتخابات البرلمانية، لانتخاب رئيس جديد، أو تجديد الثقة في الرئيس المنتخب لولاية من
خمس سنوات، واختيار 600 عضو هم عدد النواب في البرلمان. أما الإقبال على المشاركة في
التصويت فجاءت مرتفعة بنسبة 88.92 في المئة في داخل البلاد و52.69 في المئة خارجها، بحسب هيئة
الانتخابات، الموكولة لها قانونيا مهمة الإشراف على التنظيم والمتابعة.
إن هناك جيلا من الشباب الأتراك ولد خلال حكم حزب العدالة والتنمية وتربى وتطور في مؤسساته، وخبر نتائج تنفيذ سياساته العمومية في المجالات ذات الصلة العميقة بمصيره وتطلعاته، من قبيل التعليم والصحة والترقي الاجتماعي. ومما لا شك فيه أنه جيل منقسم على نفسه من زاوية تقييم حصيلة حكم أردوغان وحزبه، وغير مُجمع على استمرار تجديد الثقة فيه من عدمها، كما أن مرور عقدين من الأغلبية الحالية كاف لتقييم النتائج وتقدير أهمية تثمينها وضمان استمرارها
مرت الانتخابات التركية، الرئاسية والبرلمانية، في سياق داخلي ودولي موسوم
بالدقة والتعقيد، ومفتوح على الكثير من الصعوبات والتحديات والتطلعات، بالنسبة لقرابة
85 مليون نسمة، هو عدد سكان
تركيا، وحوالي 64 مليون ناخب. فمن جهة، تشير كل
الدلائل إلى أن انتخابات أيار/ مايو 2023 هي واحدة من أهم الانتخابات على مدار قرن،
أو ما يقرب، من تأسيس الدولة الكمالية الحديثة، ثم إن أمام كل المرشحين من داخل الأغلبية
الحالية والمعارضة رهانات، أبرزها إما الاستمرار في السلطة وتوطيد النظام الرئاسي الذي
وضع أسسه الرئيس المنتخب أردوغان منذ العام 2017، بعدما قاد البلاد منذ سنة 2002،
أو العودة إلى النظام البرلماني، كما تسعى المعارضة بكامل أطيافها إلى تكريسه إن
هي تمكنت من الفوز في الاقتراع الحالي.
ثم إن هناك جيلا من الشباب الأتراك ولد خلال حكم حزب العدالة والتنمية وتربى
وتطور في مؤسساته، وخبر نتائج تنفيذ سياساته العمومية في المجالات ذات الصلة
العميقة بمصيره وتطلعاته، من قبيل التعليم والصحة والترقي الاجتماعي. ومما لا شك فيه أنه جيل منقسم على نفسه من زاوية تقييم حصيلة حكم أردوغان
وحزبه، وغير مُجمع على استمرار تجديد الثقة فيه من عدمها، كما أن مرور عقدين من الأغلبية
الحالية كاف لتقييم النتائج وتقدير أهمية تثمينها وضمان استمرارها.
ثمة متغيرات ضاغطة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحالية. فتركيا، على
غرار بلاد المعمورة، تعيش انكماشا اقتصاديا من أبرز مؤشراته تراجع قوة وقيمة
العملة الوطنية، وتزايد نسبة التضخم وغلاء المعيشة، وتراجع القدرة الشرائية لفئات
واسعة من المواطنين، بما فيها الطبقة الوسطى، علاوة على أن الزلزال الأخير الذي
ضرب المحافظات الجنوبية وخلّف خسائر بشرية ومادية بالغة، له تأثيره على خطابات التنافس
في الاقتراع الحالي. لذلك، حين توضع كل هذه المعطيات في تعقدها وتشابكها، في موضع
تحليل سياق الانتخابات التركية الجارية، يمكن فهم درجة الدقة التي تميّز الرهانات
والأبعاد التي يروم الجسم الانتخابي والكتل المتحالفة التعبير عنها والتطلع إلى
إدراكها.
ليس السياق الداخلي وحده المتحكم والضاغط على الانتخابات التركية، بل هناك وضع
دولي حاضر ومؤثر بقوة أيضا. فتركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه رجب
طيب أردوغان، لم تُغير وجه تركيا الداخلي فحسب، بل فرضت نفسها كلاعب إقليمي فاعل
في مجمل الأحداث الكبرى التي شهدها العالم، وعرفتها منطقة الشرق الأوسط على وجه
التحديد. فقوة تأثيرها في ما جرى ويجري في العراق، وأساسا في سوريا، لا مراء فيه،
وعلاقتها المتأرجحة بين التدخل والتحالف والحياد ظاهرة وجلية في بلاد المغرب،
ليبيا وتونس تحديدا. كما أن علاقاتها مع مصر والسعودية وبعض دول الخليج العربي تُحفّز
على التفكير والتحليل والاستفهام، ناهيك عن أن تركيا عضو في حلف الشمال الأطلسي، وفي
الآن معا لها رجل في الطرف الشرقي الآخر، أي روسيا والمجموعة التي هي طور التشكل (الصين
والهند وغيرها من الدول)، بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
ليس السياق الداخلي وحده المتحكم والضاغط على الانتخابات التركية، بل هناك وضع دولي حاضر ومؤثر بقوة أيضا. فتركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه رجب طيب أردوغان، لم تُغير وجه تركيا الداخلي فحسب، بل فرضت نفسها كلاعب إقليمي فاعل في مجمل الأحداث الكبرى التي شهدها العالم، وعرفتها منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد
لذلك، لن تكون الخطابات المتنافسة في الانتخابات التركية، وأساسا الرئاسية،
في منأى من تأثير هذا المتغير الخاص بمكانة تركيا كلاعب إقليمي، يتطلع إلى أن
يحافظ على حضوره الدولي.
حُدد تاريخ الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، بحسب إفادة المجلس الأعلى
للانتخابات، في 28 أيار/ مايو 2023، حيث يتنافس المرشحان أردوغان وكمال كليتشدار
أغلو، وهذا اللجوء إلى جولة ثانية حدث استثنائي في تاريخ الجمهورية التركية
الحديثة.
وسيكون أمام المتنافسين الأولين تكثيف جهودهما للظفر بالنتائج النهائية، من
خلال البحث عن ناخبين جدد من الأحزاب الـ24 المشاركة، والتحالفات الخمسة المتنافسة.
فتحالف الأجداد، وهو الثالث في حلبة التنافس، بقيادة سنان أوغان الذي فاز بأكثر
بقليل من خمسة في المائة من الأصوات، سيكون له دور حاسم في الجولة الثانية من الاقتراع،
حيث سيرجح كفة من ينقل أصوات ناخبيه إليه، وذلك أمر مرتبط بمطالبه كتحالف، ومدى استعداد
التحالفين الأساسيين في التنافس للاستجابة الإيجابية والتوافق حول تطبيقها في
الممارسة.