في اختبار هو الأول من نوعه، يواجه رئيس الوزراء
العراقي محمد شياع السوداني، وحكومته المنبثقة عن الإطار التنسيقي الشيعي، تصعيدا لافتا من بعض المليشيات الموالية لإيران، والذي وصل إلى حد الصدام المسلح مع القوات الأمينة جنوب بغداد.
ورغم التزام السوداني الصمت حيال هذه التطورات، لكن المجاميع المسلحة هذه استمرت بهجومها على حكومته الأخير، واتهمتها بأنها خاضعة للإملاءات الأمريكية، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن أسباب التصعيد الحاصل، وكيفية تعامل رئيس الوزراء معه.
تصعيد مستمر
ولعل آخر تلك التطورات هجوم مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق على الحكومة، بعد اشتباك عناصرها، الاثنين، مع قوات الشرطة بمنطقة البوعيثة جنوب بغداد، حيث حذرت السوداني من الاستمرار على الاعتماد على مستشارين في حكومته "عيّنتهم" السفيرة الأمريكية ببغداد.
وقالت في بيان لها، الأربعاء، إنها "لا تخضع لابتزاز الجيوش الإلكترونية التي تعمل بمساعدة أدوات حكومية باتهام كتائب حزب الله بالاستحواذ على أراض زراعية في البوعيثة"، متهمة خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع بـ"التحريف و"تضليل الرأي العام"، وأنها "تدار بطريقة سياسية".
يأتي ذلك ردا على إعلان خلية الإعلام الأمني العراقي، الثلاثاء، اعتقال من وصفتهم بـ"المعتدين" في
اشتباكات منطقة البوعيثة جنوب بغداد، مشيرة إلى أن الاعتداء كان على كوادر أمانة العاصمة، في حين نصحت المواطنين بعدم التورط بتشييد المنازل في "الأراضي العامة".
وقالت الخلية إن "الاعتداء وقع على مفارز أمانة بغداد والمفارز الأمنية المرافقة لها المكلفة بإزالة التجاوزات على الأملاك العامة في منطقة البوعيثة، ما أدى إلى إصابة شخصين بجروح طفيفة"، دون التطرق إلى اسم الجهة التي اعتدت عليهم.
وأوضحت أن "القوات الأمنية بادرت على الفور إلى اتخاذ الإجراءات القانونية في التعامل مع هؤلاء، وإلقاء القبض عليهم، وإحالتهم إلى التحقيق، وإزالة التجاوزات على الأراضي في منطقة البوعيثة، الموجودة من دون وجه حق".
وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من بيان أصدرته مليشيا "أهل الكهف" الاثنين، هاجمت فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، واتهمته بـ"اتباع أهواء اليهود والدفاع عنهم وتقديم خدمات لهم".
وقالت هذه المليشيا، التي يعتقد أنها اسم وهمي لإحدى الفصائل المعروفة الموالية لإيران، إن "من يؤمن بولاية الأمر للإمام القائد يجب أن يعمل بذوق القائد في طرد الوجود الأمريكي من العراق"، في إشارة إلى قبول السوداني بقاء القوات الأمريكية.
وبحسب تقرير لقناة "الحرة" الأمريكية نشرته على موقعها في 30 نيسان/ أبريل 2020، فإن جماعة "أهل الكهف" ينتمي جميع عناصرها لمليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أحد الفصائل الموالية لإيران، ويديرها أبو آلاء الولائي.
"حصر السلاح"
وتعليقا على ذلك، قال أستاذ الإعلام في العراق، الدكتور غالب الدعمي، لـ"عربي21"، إن "الظاهر من العمية السياسي ليس مثل الغاطس منها، لذلك لا يمكن القول إن ما حصل فعلا هو خلاف وصراع قوي ومركزي بين الحكومة وبين هذه الفصائل المسلحة".
واستدرك الدعمي قائلا: "لكن بشكل عام، فإنه كلما اقتربت الحكومة من تطبيق معايير الدولة، فسيختلف معها من لا يريد ذلك، وبالتالي فإن إجراءات الدولة الأخيرة لم تكن عبثية، بل إنها تنم عن بناء الدولة، وإن الأخيرة الآن تسير نحو ضبط السلاح وخضوعه لسلطتها".
ورأى الخبير العراقي أن "تصادم قوتين قرارهما بيد القائد العام للقوات المسلحة، يفيد بأن إحداهما قد خرجت عن طاعة الأخير، وبالتالي فإن التصعيد الملفت للنظر، سواء من فصائل محسوبة على إيران أو أطراف سياسية شكلت الحكومة، يؤكد أن هناك خلاف بدأ يدب بين هذه الأطراف كلها".
وتوصل الدعمي إلى أن "نتيجة هذه الأحداث تشير إلى أنها بوادر إقامة دولة قوية في العراق تنفذ القانون وتطبقه على الجميع دون استثناء".
وسبق أن أعلن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، الخميس الماضي، عن "خطة إستراتيجية أعدتها الحكومة لسحب وضبط السلاح بيد الدولة"، مؤكدا أن "عملية اقتناء السلاح المتوسط والثقيل من المواطنين سيعرضهم إلى مساءلة قانونية".
وأشار الشمري إلى "فتح قاعدة بيانات لتسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة لكي لا يتعرض صاحبها إلى مساءلة أو مصادرة للسلاح"، مؤكدا "المضي بتنفيذ الخطة الإستراتيجية، والبدء بعمليات تفتيش، ومصادرة للأسلحة غير المسجلة".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد أطلق الكثير من الوعود خلال عرضه برنامجه الحكومي أمام البرلمان عام 2022، متعهدا بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ومن أبرزها إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة.
"ازدواجية خطيرة"
وفي السياق ذاته، قال الباحث العراقي، كاظم ياور، إن "الحكومة الحالية شكلها الإطار التنسيقي، والذي يتألف من أحزاب وحركات سياسية للبعض منها أذرع مسلحة تعمل تحت عنوان الحشد الشعبي تارة، وفصائل مقاومة تارة أخرى، لذلك فإن هذه الازدواجية الخطيرة تمثل تحديا كبيرا أمام السوداني".
ورأى ياور في حديث لـ"عربي21" أن "السوداني قليل التعامل مع فصائل الحشد الشعبي منذ رئاسته للحكومة، مقارنة برؤساء وزراء سابقين مثل مصطفى الكاظمي وعادل عبد المهدي وحتى حيدر العبادي".
وأوضح الباحث أن "رئيس الوزراء لا يولي اهتماما ورعاية كبيرة للحشد الشعبي، ذلك لأنه يعلم أن حكومته -بعد التوافقات السياسية- جاءت بضوء أخضر وموافقة دولية، وإن كانت غير مكتوبة، فالجانب الأمريكي وأطراف دولية أخرى كانت لها شروطها، وباتت بمثابة السياسات العامة".
وبيّن ياور أن "هذه السياسات تهدف إلى تقليل فرص فصائل الحشد الشعبي في الساحة السياسية، وإبعاد تأثيرها على الملفات السياسية والاقتصادية شيئا فشيئا، وبالتالي من المنتظر أن تعمل الحكومة الحالية على ذلك".
وأشار الباحث إلى أن "الفصائل المسلحة هذه استشعرت بأنها لا تحظى بالاهتمام الحكومي، وأن رئيس الوزراء لا يأخذ بمشورتهم في الجوانب الأمنية، بينما نرى أن هناك اهتماما كبيرا بوزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني".
وتابع: "كذلك، التقارب بين الحكومة الحالية والجانب الأمريكي الذي تمثله سفيرة واشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، والاهتمام الذي تبديه الأخيرة بالعديد من الملفات العراقية، تعتبر من ضمن الأمور التي تشعر الفصائل المسلحة أنها مستهدفة ويجري إبعادها".
وزاد ياور قائلا، إن "التقارب بين واشنطن وبغداد بجميع مؤسساتها (التنفيذية، التشريعية، والقضائية) يشعر إيران بالقلق أيضا، إذ إن سفراء الأخيرة لدى العراق منذ عام 2005 وحتى 2019 كان لهم دور كبير في البلد، وتواصل شبه يومي مع الحكومة العراقية ومؤسسات الدولة".
وبحسب الباحث، فإن "الدبلوماسية الإيرانية يجري إبعادها اليوم عن المفاصل المهمة في الدولة العراقية، الأمر الذي ولّد لديهم شعورا بأن أدوات قرارهم في العراق أصبحت مهددة بشكل كبير، لذلك هي تعمل مع أذرع قريبة منها -منهم كتائب حزب الله- على جر الحكومة إليها مرة أخرى بأي وسيلة كانت".
يشار إلى أن التصعيد الحالي من هذه المليشيات يعد الأول من نوعه ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي ينتمي إلى قوى الإطار التنسيقي القريب من إيران، والذي تولى السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وأعلن في أكثر من مناسبة أنه يمثل "الإطار".