بداية..
أعتذر منك عزيزي القارئ، عن طول هذه الحلقة.. غير أن طولها لن يمنعك من قراءتها
حتى النهاية بشغف.. هكذا أظن.. لا سيما وأن الجزء الثاني منها يحمل إليك
"معلومات" صادمة، بالمعنى الحرفي للكلمة، ربما تعرفها لأول مرة!
حوار
يُكتب منه بماء الذهب ما قاله المستشار حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين
للبكباشي
جمال عبد الناصر، قائد انقلاب 23 تموز/ يوليو
1952، في أول لقاء بينهما، بحضور ثلاثة من قيادات
الإخوان..
في
هذا اللقاء، بدا عبد الناصر كاذبا، جاهلا، ضئيلا، مرتبكا، مراوغا.. بينما كان
الهضيبي عملاقا، فقيها، ألمعيا، واضحا، ناصحا أمينا..
في هذا اللقاء، بدا عبد الناصر كاذبا، جاهلا، ضئيلا، مرتبكا، مراوغا.. بينما كان الهضيبي عملاقا، فقيها، ألمعيا، واضحا، ناصحا أمينا..
في
بداية اللقاء، لم يتورع عبد الناصر عن إنكار الاتفاق الذي تم بينه وبين صلاح شادي
(ضابط الشرطة)، ممثل الإخوان في التفاهمات التي أبرمها
مع عبد الناصر ممثلا لمجموعة الضباط "الأحرار"..
ولم
يتردد الهضيبي في أن يقول لعبد الناصر وهو يهم بالانصراف: "أريد أن أقول لك،
إنك بدأت حديثك معي اليوم بالكذب.. ولعلك تكف عن هذه الخصلة".
ولم
يبخل الهضيبي على عبد الناصر بدرس مجاني في "تحرير المفاهيم" التي
"تحذلق" و"تقعّر" عبد الناصر في بيانها، فبدا جهله، واضمحلال
ثقافته "الدينية"، وقلة بضاعته في هذا الجانب..
قال
الهضيبي لعبد الناصر تصحيحا لتصوره عن الشريعة التي تعني (عنده) منع الخمر
والربا.. وقطع يد السارق، وحسب: "اسمع يا بكباشي جمال، القرآن خُلُق، إذا تَخَلَّق
به الناس صلح حالهم.. والشريعة طريق، إذا سرنا فيه تكشفت حقائقه.. وما أظن وقتك أو
وقت زملائك سمح لكم، أو سيسمح بمعرفة المزيد عن هذا.. فالتزموا كريم الخُلق في
أنفسكم أولا، يصلح الناس معكم.. وإذا شئت (بعد ذلك) رأيا في أمر معين، فلن نبخل به
عليكم".
وحين أراد
عبد الناصر استطلاع رأيه، في كيفية إدارة البلاد، قال له الهضيبي: "استشر من
شئت في هذه الأمور تصل إلى الصواب.. وأوصيك أن تستشير من لا يرهبك، ولا يرغب في
رضاك.. فهذان سيغشَّانك.. ارفع مستوى المعيشة، ولكن ابدأ بالضروريات.. امنع سيطرة الأغنياء،
ولكن دون إثارة نعرة صراع الطبقات.. أصلح الإدارة الحكومية، ولكن لا تظلم الناس
بالشبهات.. أصلح الأحزاب، ولكن لا تجعل في البلد حزبا واحدا هو حزب الحكومة.. أعط
الناس حريتهم يصلح حالهم.. أصلحوا أنفسكم كما قلت لكم، يصلح الناس معكم"..
لم يبخل الهضيبي على عبد الناصر بدرس مجاني في "تحرير المفاهيم" التي "تحذلق" و"تقعّر" عبد الناصر في بيانها، فبدا جهله، واضمحلال ثقافته "الدينية"، وقلة بضاعته في هذا الجانب
ودرر
أُخَر، أترك لك المجال (عزيزي القارئ) لاكتشافها، والتقاطها، آملا ألا تبخل في
تبليغها في جلساتك، وعبر صفحاتك على منصات التواصل الاجتماعي..
فلنتابع..
اليوم
الثاني من الانقلاب (26 تموز/ يوليو 1952)
(ظهر
يوم 26 تموز/ يوليو 1952 قاعة اجتماعات في إدارة الجيش بمنشية البكري.. في جانب
منها منضدة اجتماعات كبيرة حولها مقاعد.. وفي الجانب الآخر بعض المقاعد والأرائك
الجلدية.. جمال [عبد الناصر] وحسن [العشماوي- كاتب محاضر الجلسات] يجلسان على
مقعدين متجاورين يدخنان، ويحتسيان القهوة.. ويتحدثان).
- جمال:
وهكذا تم كل شيء بسلام.. والحمد لله.
- حسن:
إذن، تنازل الملك؟
- جمال
(بهدوء): لم يحدث شيء على الإطلاق إلا تلك الرصاصات التي أطلقها عبد المنعم [عبد
الرؤوف- ضابط جيش منتمٍ للإخوان المسلمين] وكتيبته على القصر.. وهكذا رضي فاروق أن
يسافر اليوم، في السادسة مساء.. اسمع الراديو.. (يضحك).
- حسن:
ما يضحكك؟
- جمال:
كم كان يكره [يعني فاروق] أن يرى سليمان حافظ.. أصر أن يوقع التنازل في غيبته.
- حسن:
لماذا؟
- جمال
(ضاحكا): لا أدري.. كان يسميه التمساح العجوز.
- حسن
(مشاركا في الضحك): وإنه يبدو كذلك.. ولكن لا تنس أنه من جناح الحزب الوطني الذي
رفض المشاركة في الحكم.. وإن لم يُعرض عليه هو شخصيا أن يشارك فيه.
- جمال:
يقولون إنه صديق المستشار [الهضيبي- المرشد العام للإخوان المسلمين].
- حسن:
عملا معا طويلا.. وكل منهما يقدر الآخر فيما أعلم.
- جمال:
كم يشبهك؟
- حسن:
شكلا فقط.. قيل لي ذلك.
- جمال:
وموضوعا.. لم لا؟
- حسن:
لا أدري موضوعه حتى أحكم.
(يدخل
ضابط ينحني على جمال ويُسرّ في أذنه شيئا)
- جمال
(بصوت مسموع للضابط): لا بأس.. يحضر معه سالم.. وسأفرغ بعد قليل.
(يخرج
الضابط)
- حسن
(ناهضا): أتركك لمشاغلك.
- جمال
(جاذبا إياه ليجلسه): لا.. بل ابق.. إن زائرا جاء لنجيب.. ونحن لا نتركه يقابل
الزائرين وحده.. يكفي أن يكون معه أحدنا.
- حسن:
إنكم تحكمون الحصار حوله من البداية!
- جمال:
لا.. مجرد احتياط.. فأنت تعرف بساطته.. هلا جئت لتقابله؟
- حسن:
لقد مر من هنا قبل حضورك، وتعارفنا.. وهذا يكفي.
- جمال:
المهم الآن.. متى يحضر المستشار [الهضيبي]؟
- حسن:
لقد علمت أنه يحضر مساءً، أو صباحا باكرا.. بل لعله في طريقه إلى القاهرة الآن،
ولذلك أريد معرفة رأيك.
- جمال:
لعله من المناسب أن يحضر.. أريد أن ألقاه.
- حسن:
فليكن موعد لقائه غدا صباحا.. وسأبلغك الموعد تلفونيا.
- جمال:
هل سيحضر هنا في إدارة الجيش؟
- حسن:
لا أعتقد.. قد يفعلها فيما بعد مجاملة.. ولكن لقاءكما الأول يجب أن يكون في
الخارج.. ولعل أنسب مكان هو منزل صالح [أبو رقيق - قيادي في الإخوان المسلمين]،
فهو قريب من هنا، وأستطيع استدعاءك بمجرد حضوره فتلقاه، وتعود إلى عملك، أو إلى
منزلك إن شئت.
- جمال
(كالساهم): لا زلت أخشى عناد هذا الرجل [يقصد الهضيبي].
- حسن:
شرحت لك من قبل معنى عناده.. ومع كلٍّ، أليس في عنقك عهد له؟
- جمال
(في استنكار): لا.. إنما العهد كان لحسن البنا، وقد مات.. وصرتُ مسؤولا منذ ذلك
الوقت عن تصرفاتي.. قد أعطي عهدا لمن أرى، أو آخذ العهد ممن أرى.
- حسن
(في استياء): لا أفهم ما تعني.. إنك تكرر دائما أقوال عبد الرحمن [السندي- رئيس
التنظيم الخاص المناوي للمستشار الهضيبي المرشد العام، وكان عبد الناصر يأتمر بأمر
السندي في السابق].
- جمال:
لا تغضب.. الهدف هو المهم.. لا الأشخاص.
- حسن:
لا عليَّ من ذلك.. فهذا أمر بينك وبين صلاح [شادي- القيادي في الإخوان المسلمين
والذي كان مفوضا منهم؛ لإبرام الاتفاقات النهائية مع عبد الناصر].
- جمال:
أجل.. أجل.. أتركه بيني وبين صلاح.. (بعد برهة): أتعلم ما بيني وبين صلاح؟
- حسن
(لا يجيب)!
- جمال:
لماذا لا تجيب؟
- حسن:
لأني لا أريد أن أجيب.
- جمال:
أنت وشأنك.. (صمت).
- حسن
(لنفسه كالهامس): إذن تنازل فاروق.
- جمال:
ما تقول؟
- حسن:
قل لي يا جمال.. ما شعورك وقد تنازل فاروق، وسيغادر البلاد بعد ساعات؟
- جمال
(واضعا رأسه بين كفيه): مزيج غريب من الراحة والإشفاق.
- حسن:
كيف؟
- جمال:
الراحة؛ لأن العقبة الكبرى قد أزيحت من طريقنا ببساطة.. دون أن تلجئنا إلى أفعال
لا أرضاها.. بل ولا أستطيعها.. أما الإشفاق، فلا أدري سببه.. إنه النظر إلى حال كل
منهزم، كان يمكن أن ينتصر لو واتته الفرصة.. (يتنهد ويصمت).
- حسن
(وهو يحملق فيه): قل لي يا جمال.. أأحببت فاروق يوما؟
- جمال:
أحببته، وأخلصت له.. ومع ذلك، كان يمكن أن يفعل شيئا مفيدا لهذا البلد.. ولكنه
فسد.. أفسده مَن حوله.. أفسده كل الذين نزَّهوه عن الخطأ حتى ألَّهوه.. هذه مشكلة
الحكم في فهمي.. وهذا ما أخشاه على نجيب، بعد أن خلا الجو من فاروق.. بل هذا ما
أخشاه على علي ماهر، وأخشاه على الزملاء أيضا.. أخشاه وأحذره.
- حسن:
احذر منه على نفسك يا جمال إذن.
- جمال
(مستنكرا): أعوذ بالله.. أنا؟ أنا أمقت المديح كما تعلم.. أمقت أي تعظيم لشخصي..
أمقت...
- حسن
(مقاطعا): لأنك لم تحكم بعد.
- جمال:
ولا أنوي أن أحكم.
- حسن:
بل ستحكم.. فاحذر المنزلق!
- جمال:
أفٍّ لك.. ما أكثر جدلك.. إني أضيق بالحاسة السادسة عند عبد القادر، وأضيق أحيانا
بك، حين تجادلني في شخصي.. أنا أعلم منك بنفسي.
- حسن:
أرجو هذا.. وأتمنى ألا يخدعك المديح مستقبلا.
- جمال:
سأضع في السجن من يمدحني.. أعدك بذلك.
- حسن:
المهم ألا تضع في السجن من ينقدك.. من ينصحك.. من يعارضك.
- جمال:
أعوذ بالله منك.. إن رأيك في سيئ للغاية إن كنت جادا.
- حسن:
بل رأيي فيك حسنٌ للغاية.. ولذلك أنصحك في صدق.. أحاول أن أجنبك المزالق.
- جمال
(مغيرا موضوع الحديث): قل لي بالمناسبة، فأنت قانوني ينفعنا رأيك في هذا الأمر..
سنواجه غدا مشكلة اختيار مجلس الوصاية على العرش؛ لأن الملك تنازل لابنه الطفل..
فمن هي الجهة التي ستعيِّن الأوصياء حسب الدستور؟
- حسن
(ساخرا): أبدأتم دراسة الدستور من الآن؟ اترك هذا لأصحابه.. وثِقْ أنهم سيرضونك،
فمستشاروك لن يعصوك، بعد أن يسافر الملك.. وإن كنت أتمنى ألا تؤثر فيهم.
- جمال:
وما رأيك أنت.. دون تأثير؟
- حسن:
لا قيمة لرأيي؛ لأنكم لن تأخذوا به.. أهل الاختصاص سيقولون لك ما تقبله.. أو سيُفتون
بصحة ما تريد.
(يدخل
ضابط آخر يُسرّ في أذن جمال)
- جمال
(في صوت مرتفع): سأحضر بعد لحظة.
(يخرج
الضابط)
- حسن
(ناهضا): أستأذنك أنا، وأتركك لعملك.. ولكن لي كلمة أخيرة.. لا تنس إخوانا لك في
السجون.. فأنت وأمثالك أدخلتموهم.. فعليك أن تخرجهم.
- جمال
(ناهضا): سأفعل.. ثق في ذلك.
(يخرج
حسن)
اليوم
الثالث من الانقلاب (27 تموز/ يوليو 1952)
(ضحى
يوم 27 تموز/ يوليو 1952.. غرفة استقبال تشبه غرفة جمال إلى حد بعيد.. الأرائك
والمقاعد المذهّبة التي اعتاد أواسط الناس أن تكون ضمن جهاز زواجهم.. يجلس في
الغرفة المستشار [الهضيبي] وعلى يمينه جمال [عبد الناصر]، وعلى يساره حسن
[العشماوي].. وفي المواجهة منير [الدَّلة] وعبد القادر، وصالح [أبو رقيِّق]
يتحدثون بصوت غير مسموع، بينما يجري حديث آخر بين المستشار وجمال)
- المستشار:
أكان بينك وبين الإخوة اتفاق على أمر معين؟
- جمال
(مستنكرا): لا.. لم نتفق على شيء إطلاقا.
- المستشار:
لا بد أن هناك كاذبا في الموضوع (ملتفتا إلى حسن)، هل كذبت فيما نقلته لي عن صلاح
[شادي]؟
- حسن:
لا.. بل صدقت النقل عنه (مشيرا إلى الباقين) وهم يشهدون.
- جمال:
أسمعت مني اتفاقا على شيء؟
- حسن
(في حدة): قلت إني نقلت عن صلاح.. لقد كنتما وحدكما.
- المستشار
(بحزم): اخفض من صوتك يا حسن.. (ملتفتا إلى جمال): ما علينا.. فلنعتبر أن اتفاقا
لم يتم.. فما تريد مني الآن؟
- جمال:
أريد كما قلت لسعادتك (من البداية) بيانا بتأييدنا.
- المستشار:
بتأييدكم؟ في أي شيء؟
- جمال:
في الحركة التي قمنا بها، وفيما نسعى إليه من عمل لصالح البلاد.
- المستشار:
أما الانقلاب العسكري فقد شاركنا فيه وحميناه.. أما تنحية الملك واستيلاؤكم على
السلطة فقد تم فعلا، ولا يؤيدكم فيه غير المنافقين.. أما ما تسعون إليه من عمل
لصالح البلاد، فأمر نحكم عليه حسبما نراه.. ولكن هذا لن يمنعنا أن نصدر بيانا
برأينا.. احملوه محمل التأييد، أو محمل المعارضة.. فأنتم أحرار في رأيكم، ولكننا
سنبدي رأينا (دائما) بما نقتنع بصوابه.
- جمال:
ألا تبدون رأيكم لنا أولا؛ لنتفاهم فيه، قبل أن تعلنوه على الناس؟
- المستشار:
لماذا؟
- جمال:
لأننا الذين قمنا بالحركة.
- المستشار:
أتظن أن انقلابكم العسكري يجعلكم أوصياء على هذه البلاد وأهلها؟
- جمال:
إن السلطة في يدنا الآن.
- المستشار:
إلى حين.. ويجب أن تُرد إلى أصحابها [يعني الشعب].. إياك أن يخدعك أحد بفكرة
المستبد العادل، فليس الاستبداد عدلا في أية صورة.
- جمال:
أقصد أنها في يدنا الآن كما تقول.. فمن الخير أن نسمع منكم رأيكم، قبل أن يسمعه
الناس.
- المستشار:
سننصحكم أولا، كما يجب أن ننصح أي حاكم.. فإن فعلتم خيرا كان بها.. وإلا فسنقول
رأينا للناس، فهم أصحاب البلد.
- جمال:
ولكن هذا قد يظهرنا أمام الناس بمظهر الخلاف، وهو ما لا أريده.
- المستشار:
ماذا تريد إذن؟
- جمال:
أن نتفاهم على كل شيء كما اتفقنا.
- المستشار
(مقاطعا): لقد قلت إنكم لم تتفقوا على شيء إطلاقا!
- جمال
(متخلصا): أقصد اتفقنا على مصلحة البلد، وهذه المصلحة توجب تعاوننا.
- المستشار:
وما صورة التعاون التي تقترحها؟
- جمال
(ناظرا إلى حسن) ما رأيك يا حسن [العشماوي]؟
- حسن:
فيمَ؟
- جمال:
في صورة التعاون.
- حسن:
السؤال مطروح عليك.
- جمال:
عاوني في الرد عليه.
- حسن
(ساخرا): من قبيل التعاون؟ أم تنفيذا للاتفاق؟
- المستشار
(باسما): أعِنه يا حسن إن شئت؟
- حسن:
وإن لم أشأ؟
- المستشار:
أنت وشأنك.
- حسن:
لقد أوقفني أمامك موقف الكاذب، ففيمَ أعينه؟
- المستشار:
لقد عرفتُ من الكاذب، وهذا يكفيني.
- حسن:
يمكنه أن يعرض هو صورة التعاون التي يريدها، أو التي اتفق عليها بين زملائه.
- منير
(متدخلا): حسن محق يا أستاذ.. فليعرض البكباشي، ولك أن تقرر ما ترى فيما يعرض.
- جمال:
المشكلة يا سعادة المستشار أنكم تريدون إعلان حكومة إسلامية تطبق القرآن فورا..
وهذا أمر غير ممكن عمليا.
- المستشار:
من طلب منك ذلك؟
- جمال:
أليست هذه دعوتكم؟
- المستشار:
لا داعي لأن نتكلم عن بقايا سابق فهم للدعوة.. أتعلم شيئا عن معنى تطبيق القرآن؟
- جمال
(في ارتباك): معناه معروف طبعا.
- المستشار:
ما هو؟
- جمال:
تطبيق الشريعة.. يعني.. منع الخمر والربا.. وقطع يد السارق.. و.. وما إلى ذلك.
- المستشار
(باسما): المهم، هو "وما إلى ذلك".. هذا هو الذي لم تفهموه بعد.. اسمع
يا بكباشي جمال، القرآن خُلُق، إذا تخلّق به الناس صلح حالهم.. والشريعة طريق، إذا
سِرنا فيه تكشفت حقائقه.. وما أظن وقتك أو وقت زملائك سمح لكم، أو سيسمح بمعرفة
المزيد عن هذا.. فالتزموا كريم الخلق في أنفسكم أولا، يصلح الناس معكم.. وإذا شئت
بعد ذلك رأيا في أمر معين، فلن نبخل به عليكم.
- جمال:
أنا والله العظيم مسلم.. أنا أصلي وأصوم.. ولا أشرب الخمر.. لا شك أنك تعلم ذلك.. (ملتفتا
إلى حسن): أليس كذلك يا حسن [العشماوي]؟
- المستشار:
هل نازع أحد في ذلك؟
- جمال:
مجال التربية، وبيان حكم الشريعة مجالكم الذي أتمنى سيركم فيه.. ولكن الذي أقصده
الآن، التعاون في مشاكلنا الحالية.. مشاكلنا اليوم.. كيف نواجه الفساد الذي كان
متفشيا في الحكومة؟ كيف نرفع مستوى المعيشة بين الفقراء؟ كيف ننهض ببلادنا
اقتصاديا؟
- المستشار:
استشر من شئت في هذه الأمور تصل إلى الصواب.. وأوصيك أن تستشير من لا يَرهبك، ولا
يرغب في رضاك.. فهذان سيغشَّانك.. ارفع مستوى المعيشة، ولكن ابدأ بالضروريات..
امنع سيطرة الأغنياء، ولكن دون إثارة نعرة صراع الطبقات.. أصلح الإدارة الحكومية،
ولكن لا تظلم الناس بالشبهات.. أصلح الأحزاب، ولكن لا تجعل في البلد حزبا واحدا هو
حزب الحكومة.. أعط الناس حريتهم يصلح حالهم.. أصلحوا أنفسكم كما قلت لكم، يصلح
الناس معكم.
- جمال:
والإنجليز؟
- المستشار:
المعاهدة انتهت إلى غير عودة.. فلا تقرر في هذا الشأن أمرا جديدا بغير رضاء أصحاب
البلاد.
- جمال:
وتقييد الملكية الزراعية؟
- المستشار:
ما المانع فيه؟ وبالمناسبة، هل قرأت كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"
لسيد قطب؟
- جمال
(ملتفتا إلى حسن): هل لخصتَه لنا؟
- حسن:
نعم.
- جمال:
إذن قرأتُ تلخيصه على الأقل.
- المستشار:
اقرأه ثانيا إن وجدت وقتا.. (ناهضا): والآن، وجب أن أنصرف.. فإني على موعد في
بيتي.
- جمال
(ناهضا): أشكر لك هذا اللقاء وأطمع في غيره.
- المستشار:
بكل سرور.. حين تريد.
- جمال:
أرجو ألا يكون هناك سوء تفاهم في معنى تعاوننا، واتفاقنا على هذا التعاون.
- المستشار:
ليس هناك أي سوء تفاهم.. ولكن أريد أن أقول لك إنك بدأت حديثك معي اليوم بالكذب..
ولعلك تكف عن هذه الخصلة!
(يتجه
إلى الباب.. يخرج معه الجميع، ويبقى جمال وحسن [العشماوي] واقفين)
- جمال
(في دهشة) ماذا يعني؟
- حسن:
كان كلامه واضحا.
- جمال:
إنه أكثر عنادا مما سمعت.. إنه يعاملني كأني طفل صغير.. ألا ترى ذلك؟
- حسن
لم أرَ ذلك.. ولكن الصراحة من طباعه.
- جمال
(ساهما): لن أستطيع التعاون معه.. (مخاطبا حسن): ألا يعلم أني وحدي يؤيد الحركة
[يقصد الإخوان] في مجموعة الضباط الأحرار؟ فلماذا يطلب مني فوق طاقتي؟
- حسن:
هل طلب أكثر من حريات الناس؟
- جمال:
حريات الناس تعني زوالنا.
- حسن:
لصالح الناس.
- جمال:
أفٍّ لك أيضا.. (يخرج).
(يُتبع)..
twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com