في الوقت الذي يعتقد فيه جيش
الاحتلال أن العدوان الأخير على
غزة كان أفضل من عدوانات سابقة، لكن أوساطه العسكرية المحيطة به تعتبر بعد أسبوع من انتهاء العدوان أنها غير مقتنعة بنتائجه، فيما لا يوافق الجهاز الأمني على التصريحات المبالغ فيها حول تغيير في ميزان الردع الظاهر تجاه غزة، التي أطلقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكل ذلك يؤكد أن الجولة القتالية القادمة في غزة تقترب بسرعة.
الضابط في جيش الاحتلال تال ليف-رام ذكر في
مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21"، أنه "قد تكون هناك عملية عسكرية أخرى، رغم أن الجيش يعتقد أن العملية الأخيرة من أفضل العمليات السابقة، ولكن في المناقشات الجارية على مختلف المستويات، يتم التأكيد على أنه لا يمكن استقراء العديد من المعاني من المواجهة المحدودة الأخيرة، ولذلك يريد الجيش صياغة خط أكثر اعتدالا فيما يتعلق بالتصريحات الصادرة عقب
الحرب، كدرس من العمليات السابقة التي بالغ فيها الجيش في تقدير طول فترات الهدوء".
الجنرال يتسحاق بريك، المفوض السابق للجنود، ذكر أن "السيناريو المقبل على الدولة يتمثل بسقوط آلاف الصواريخ من خلال التهديد بحرب شاملة، لأن قصف القوات الجوية ليس له تأثير على قدرات
الجهاد الإسلامي وحماس، بدليل أن جهاز الأمن لا يوافق على التصريحات المفرطة حول تغيير ميزان الردع ضد غزة، لأن قصف سلاح الجو في الجولات العسكرية أمام غزة طقوس تكرر نفسها لسنوات عديدة، ولا تجلب أي ردع للعدو، بل العكس هو الصحيح، لأن الوقت بين الجولات أصبح أقصر وأقصر".
وأضاف في
مقابلة نشرتها صحيفة معاريف، وترجمتها "عربي21"، أن "سلاح الجو الذي نجح في ضرب قادة المقاومة لم يوقف إطلاق مئات الصواريخ يومياً، وينبغي أن يكون مفهوما أن معظم الذخيرة ومخابئ صواريخ
حماس والجهاد في عمق الأرض، والقنابل التي يلقيها الطيران على مناطق ليس فيها صواريخ، والنتيجة سيئة للغاية، أي أن هذه الهجمات المستهدفة ليس لها تأثير حقيقي على قدرة الجهاد وحماس، ولم تتمكن من خفض معدل إطلاق الصواريخ، بل يفشل في وقف وتيرتها حتى بصاروخ واحد".
وأشار إلى أن "سلاح الجو لا يسبب الردع، لأن الفلسطينيين لديهم عقيدة، ودوافع لا نهاية له، يكررون ويستمرون، حماس ستصل في المواجهة القادمة أكثر استعدادًا، وتبني نفسها اليوم، ولا يمكن الافتراض أنها لن تنضم في الجولات القادمة، وحينها سنكون أمام كارثة وطنية، لأنها عندما تنضم ستكون الكتلة التفجيرية أثقل بكثير، ويمكن أن تتسبب بحرب إقليمية، انفجار داخل إسرائيل، مع احتجاجات كبيرة، وعمليات في الضفة الغربية، مع الآلاف من المسلحين يركضون ويطلقون النار في كل مكان في حرب إقليمية لم نستعد لها من قبل".
وأكد أننا "بينما نتحدث عن النصر عقب قتل قادتهم، فإنهم في المقابل لمدة ستة أيام قاموا بشلّ نصف الدولة من تل أبيب والجنوب، أضرّوا باقتصادنا بشكل شديد الخطورة، أسفر عن قلة أيام العملـ وتراجع الإنتاج بمليارات الدولارات، وخسائر اقتصادية بملايين الدولارات، وخسارة القنابل باهظة الثمن التي يسقطها سلاح الجو والقبة الحديدية التي لا تؤدي لوقف إطلاق النار، ومغادرة آلاف المستوطنين لغلاف غزة؛ لأنهم لا يرغبون بالبقاء في هذا الجحيم، بعد أن غادر عشرات الآلاف خلال حرب لبنان الثانية من الشمال إلى الوسط".
وأوضح أنه "في الحرب الكبرى القادمة سيسقط ثلاثة آلاف صاروخ، ليس مثل صواريخ القسام الصغيرة، بل ستكون محملة بقوة تفجيرية هائلة بمئات الكيلوغرامات، ومسافات تصل مئات الكيلومترات، سوف تتسبب بإسكات الكهرباء والماء، ولن يكون مكان نهرب إليه، وهذا يعني أن إسرائيل لم تستعد للحرب الكبرى الحقيقية، صحيح أن القوة الجوية ممتازة، لكنها عديمة الفائدة ضد الصواريخ، وهناك حاجة للمزيد من الوسائل لخوض حرب كبرى".
تؤكد هذه الانطباعات السلبية المتشائمة أن الحكومة الحالية التي أطلقت حملة عسكرية كبيرة ضد غزة، ليس لديها حالياً حلول عسكرية بحتة لما تعتبرها "مشكلة غزة"، مع مخاوف الاحتلال أن تنتقل تبعات هذه المشكلة إلى داخل حدوده الجغرافية، في ضوء عدم توفر استراتيجية شاملة، وغياب قدر كبير من التفكير والتخطيط بعيد المدى، بعيدا عن الحلول الآنية، خاصة أن مثل هذه الحلول الجذرية ليست على أجندة الحكومة الحالية المنشغلة بأمور أخرى، ما يعني استمرار معاناة الاحتلال بين جولة وأخرى في غزة.