قال مسؤول حكومي وتجار إن
مصر تؤخر مدفوعات مشترياتها الكبيرة من
القمح لشهور في بعض الحالات في الوقت الذي تعاني فيه من نقص في العملة الصعبة.
ومصر واحدة من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم وتستخدم مشتريات القمح في إنتاج الخبز المُدعم بصورة كبيرة، وهي ميزة يتمتع بها عشرات الملايين من المواطنين ولها حساسية سياسية.
ويتم شحن وتفريغ معظم شحنات القمح، التي تأخر دفع ثمنها، دون انقطاع حتى الآن، ولم تتأثر احتياطيات مصر من القمح المستخدم في إنتاج الخبز المُدعم.
وبعد الحرب في أوكرانيا، تعتمد مصر في الغالب الآن على شراء القمح من روسيا.
وصرح وزير التموين المصري علي المصيلحي لرويترز بأن الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، أجلت فتح خطابات اعتماد لسداد قيمة واردات القمح لتخفيف الضغوط المالية الناجمة عن نقص العملة الأجنبية.
وقال أربعة من تجار الحبوب لرويترز، شريطة عدم نشر أسمائهم بسبب حساسية الأمر، إن التأخير في سداد مدفوعات القمح، الذي تشتريه الدولة ويعتبر سلعة ذات أولوية قصوى، لم يسبق له مثيل، مع استمراره لشهور.
وذكر التجار أن المشكلات بدأت مع وصول الشحنات في وقت مبكر من ديسمبر /كانون الأول الماضي والتي كان من المقرر تسويتها بخطابات اعتماد مدتها 180 يوما. ويستقبل الموردون عادة بموجب هذه الخطابات المدفوعات عبر بنوكهم في وقت الشحن تقريبا. ويكون أمام الحكومة 180 يوما لتدفع للبنك الذي يتعامل معه المورد.
لكن التجار قالوا إن البنوك المصرية المملوكة للدولة، ومن بينها بنك مصر، التي تتعامل نيابة عن الهيئة العامة للسلع التموينية، لم تفتح هذه الخطابات إلا بعد الشحن بأسابيع أو شهور. قال أحد التجار إنهم كانوا ينتظرون الدفع حتى الأسبوع الماضي مقابل شحنة وصلت في وقت مبكر من العام الجاري.
وذكر تاجر آخر أن البنوك الحكومية المصرية تحتاج في الوقت الحالي إلى فتح خطابات اعتماد لنحو ثماني شحنات من القمح، في حين قال تاجر ثالث إنه لم يتم سداد ثمن ما يصل إلى 11 شحنة. ولم يُعلن عن التأخير من قبل. ولم يرد بنك مصر على طلب للتعليق.
وذكر تاجر ثالث: "لم يحدث هذا التأخير من قبل إطلاقا. لكن البلد لم يتعرض قط لمثل هذا الموقف. هذا جديد تماما على مصر".
واعترف وزير التموين بالتأخير وأرجع السبب في ذلك إلى نقص العملة الأجنبية الذي تفاقم بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وأدى إلى تباطؤ الاستيراد بشكل عام.
وقال المصيلحي لرويترز اليوم الخميس: "في تأخير وشغالين فيه... في صعوبة في تأمين الدولار ولكن مش عاوزين نزود الضغط على البنك المركزي، وبالتالي بنعمل مراحل مع الموردين، وبالتالي الناس بتشكرهم جدا جدا جدا للتفهُمات بتاعتهم".
زيادة فاتورة الدعم
تشتري مصر نحو خمسة ملايين طن من القمح سنويا من الخارج. ويُتاح الخبز المدعم لأكثر من 70 مليونا من سكانها البالغ عددهم 104 ملايين نسمة.
وتقول وزارة المالية إن تمويل دعم المواد الغذائية، ومعظمه يذهب للخبز، سيرتفع 41.9 بالمئة إلى 127.7 مليار جنيه مصري (4.1 مليارات دولار) في السنة المالية من يوليو/ تموز 2023 إلى يونيو/ حزيران 2024.
وجاء معظم القمح المستورد في السنوات الماضية عبر البحر الأسود وأدت الحرب في أوكرانيا في البداية إلى تعطيل عمليات الشراء، لكن الحكومة تمكنت لاحقا من زيادة احتياطياتها بالاعتماد بشكل أساسي على واردات القمح الروسي.
وأحدثت حرب أوكرانيا صدمة واسعة للاقتصاد المصري ودفعت المستثمرين إلى سحب مليارات الدولارات. وهوى الجنيه المصري وارتفع معدل التضخم.
وتم إجراء العديد من عمليات شراء القمح في الآونة الأخيرة بتمويل من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة والتي زادت العام الماضي حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة لمصر بمقدار المثلين إلى ستة مليارات دولار، ومن البنك الدولي الذي وافق في ديسمبر/ كانون الأول على تمويل من أجل التنمية بقيمة 500 مليون دولار ذهب معظمه لواردات القمح.
كما واصل الموردون الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم بيع القمح بأسعار تنافسية على الرغم من عدم تلقي مدفوعات لشحنات قديمة.
وقال أحد هؤلاء الموردين إنهم "يثقون بهيئة السلع التموينية بنسبة 100 بالمئة. بالطبع ليسوا سعداء، لكن ذلك لا يؤثر على عملهم".
لكن ليس كل التجار على استعداد لتحمل مثل هذه المخاطر إذ سلط عدد منهم الضوء على أنه في أحدث ممارسة للزيوت النباتية، لم يقدم أي من الموردين عروضا على أساس خطابات اعتماد مدتها 180 يوما واختاروا تقديم العروض على أساس الدفع عند الاستلام الذي أتاحته المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة.
وقال المصيلحي الشهر الماضي إن مصر تدرس جديا الموافقة على عملات شركائها في تجارة السلع الأولية بما في ذلك الصين والهند وروسيا في محاولة لتقليل الحاجة إلى الدولار.
وقال التجار لرويترز إن المسؤولين يقولون في أحاديث خاصة إن "ظروف البلد" هي السبب في التفكير في بدائل للدولار.
وقال مورد القمح الذي لم يحصل على مستحقاته: "هذا ليس طبيعيا لكنهم (الموردين)... لا يشكون في أنهم سيحصلون على مستحقاتهم".