لقد شغلت حادثة
العنصرية التي تعرض لها اللاعب البرازيلي الشاب فينيسيوس جينيور خلال مباراة فريقه ريال مدريد ضد فالنسيا على ملعب الأخير «ميستايا» العالم؛ فرغم أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها، لكنها قد تكون الأكثر وضوحا، فلطالما كانت الهتافات العنصرية حاضرة في الملاعب الرياضية، فالأجواء التنافسية المشحونة في الملاعب والمدرجات، تشكل بيئة خصبة لإظهار ما تكنه الأنفس من عنصرية قد تكون مستترة.
وكعادتنا دوما في استسهال الحلول السطحية دون الغوص في عمق المشكلة، رأينا المعظم يسلط الضوء على مدرجات
كرة القدم كما لو كانت أصل العلة، وليست عرضا لمرض متأصل في النفوس ينتظر الفرصة السانحة للإعلان عن نفسه.
فالعنصرية الظاهرة للعيان ليست إلا تعبيرا علنيا عن التحيز الضمني الذي تضمره غالبية البشر، وإن كان هناك تفاوت في درجته بين عرق وآخر وثقافة وأخرى. ويؤيد هذا الرأي الدراسة اللافتة التي تم نشرها مؤخرا من قبل علماء في جامعة
هارفارد، التي كشفت عن انتشار مذهل للتحيز العرقي الضمني بين الأفراد والمجتمعات.
لقد استهدفت هذه الدراسة كشف العوامل التي تشكل تصوراتنا غير الواعية، ملقية الضوء على التحيزات العميقة المتأصلة في البشر، التي تؤثر على تفاعلاتهم مع الآخرين. فالتحيز العرقي الضمني يؤشر إلى المشاعر والصور النمطية غير الواعية التي يكنها الأفراد تجاه المجموعات العرقية الأخرى. وهذه التحيزات، على الرغم من كونها غالبا غير مقصودة، إلا أن لها تأثيرات عميقة على التفاعلات بين الأفراد، وعمليات اتخاذ القرار، والديناميات الاجتماعية العامة.
وخلال هذه الدراسة، سعى الفريق البحثي الى استكشاف التحيزات غير الواعية لدى مجموعة متنوعة من المشاركين من خلفيات عرقية ومناطقية مختلفة، باستخدام مجموعة متنوعة من الاختبارات النفسية والتجارب السلوكية. وقد كانت النتائج مذهلة، حيث كشفت عن انتشار واسع للتحيز العرقي الضمني بين الغالبية العظمى من المشاركين، بما في ذلك الذين ينتمون إلى الجماعات المهمشة، والذين أظهروا قبولا ضمنيا بتفوق الآخر عليهم.
كما أظهرت الدراسة تباينا واضحا في درجة انتشار هذا التحيز بين الأعراق المختلفة، حيث كان أكثر وضوحا لدى الأفراد الذين ينتمون إلى العرق الأبيض، الذين عبروا ضمنيا عن ارتباط صفة «الإنسان» بعرقهم دون الأعراق الأخرى.
تنبع التحيزات الضمنية من التشكيل الاجتماعي، والتربية البيتية، والتأثيرات الثقافية، وتأثير وسائل الإعلام المنتشرة، التي تشكل تصورنا للمجموعات والأعراق المختلفة، ورغم تواري هذه التحيزات عن الأنظار، إلا أنها غالبا ما تؤدي إلى سلوكيات تمييزية تؤثر بصورة غير واعية على عمليات اتخاذ القرارات، والتمييز بين الأفراد داخل المجتمعات والمؤسسات، وفي توزيع الموارد والمكتسبات، وتؤسس لغياب العدالة في مجالات واسعة، مثل؛ التوظيف والتعليم والعدالة الجنائية والتمثيل السياسي والرعاية الصحية.
العنصرية مرض متأصل بين البشر، وما نشاهده في مدرجات الملاعب لا يعدو كونه أحد أعراض هذا المرض، ومن السذاجة بمكان أن نعتقد أنه بإمكاننا حل هذه المشكلة من خلال بعض الإجراءات العقابية التجميلية، التي لا تعدو كونها مسكنات قصيرة الأمد لا يمكنها أن تعالج مرضا مستفحلا. فالقضاء على العنصرية يبدأ بالاعتراف بانتشار التحيز العرقي الضمني في المجتمعات، ومعالجة أسبابه من خلال خلق مجتمعات أكثر عدالة، ومساعدة الأفراد في التعرف على تحيزاتهم اللاواعية وتحديها وتفكيك عناصرها، وإزالة العوائق الهيكلية المجتمعية التي تؤسس للظلم وعدم المساواة.
(الغد الأردنية)