نشرت مجلة "ذا كرادل" ما وصفتها بـ"مذكرات سرية مصدرها وزارة الخارجية البريطانية" تكشف عن سيطرة
المخابرات البريطانية على
الإعلام الأردني من خلال هياكل الإعلام والاتصالات.
وبحسب تقرير للمجلة، فإن سيطرة المخابرات البريطانية على الإعلام الأردني تساهم في ممارسة تأثير كبير وخبيث على وسائل الإعلام في البلاد، وبالتالي على التصورات العامة، في الأردن وفي غرب آسيا على نطاق أوسع.
وتشير الوثائق إلى أن المتعاقدين البريطانيين سعوا إلى إنشاء غرفة أخبار سرية لإغراق وسائل التواصل الاجتماعي السائدة في الأردن بشكل استراتيجي بتيار من الدعاية البريطانية.
واستعانت المخابرات البريطانية بمؤسسة ألباني أسوشيتس Albany Associates المتخصصة بتقديم دعم واستشارات للدول التي تعاني من حروب وكوارث، حيث قدمت مشروعا بلغت قيمته حوالي نصف مليون جنيه إسترليني، فيما وضعت "ألباني أسوشيتس" الخطوط العريضة لخطة إعلامية مفصلة.
وأوصت المؤسسة بأن "يكون المحتوى مزيجًا من مقاطع الفيديو القصيرة، والصوت، والصور، والرسوم البيانية، والمدونات، ومقالات الرأي، والأسئلة والأجوبة الميسرة في الوقت الفعلي مع منظمات المجتمع المدني، والمؤثرين الرئيسيين، إلخ. - محتوى حزبي يدعم أهداف الحكومة".
وقالت مجلة "ذا كرادل" إن الوثائق البريطانية حددت بدقة أسماء الشركات والأفراد الأردنيين الذين شملتهم الخطة، مشيرة إلى أن هذه الأطراف قد تكون انخرطت عن غير قصد.
ونقلت المجلة عن مسؤول تنفيذي في شركة "خرابيش"، التي تتخذ من الأردن مقراً لها، قوله إنهم لم يتعاونوا بوعي أو عن طيب خاطر في هذا التواطؤ، موضحاً: "آخر شيء نرغب في القيام به هو تقديم دعاية بريطانية لا يهتم بها أحد حقًا".
في المقابل، لم يصدر أي تعليق من قبل السلطات الأردنية بشأن التقرير الذي نشرته مجلة "ذا كرادل".
"مكافحة دعاية داعش"
أشار التقرير إلى أن المخابرات البريطانية عملت بذريعة "رعاية مكافحة دعاية داعش"، حيث سعت لندن إلى إنشاء "غرفة أخبار سرية" تضم من وُصفوا بـ"النشطاء"، وهم عناصر داخل وحدة الاتصالات الاستراتيجية الأردنية وهو ما عرفته بأنه كيان أردني يتألف من ممثلين من مختلف الإدارات والمؤسسات الحكومية الأردنية، والتي تشمل RHC (الديوان الملكي)، ووزارة الإعلام، والقوات المسلحة الأردنية، وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام.
واختصت "غرفة الأخبار السرية" بنشر ، دون هوادة، محتوى الوسائط المتعددة الذي يمجد "الروايات الوطنية" والرسائل المناهضة للتطرف، مقابل تضخيم المحتوى من قبل المنافذ الإخبارية المحلية والإقليمية، بحسب المجلة.
المؤثرون على مواقع التواصل
وأضافت المجلة أن "الخطة تشير إلى تحديد قائمة المؤثرين الأردنيين الأكثر شهرة على منصات فيسبوك وتويتر وواتساب وغوغل بلس، والمدونين وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى، مشددة على تطوير استراتيجيات للتفاعل معهم، مما يساعد على تضخيم رسائلنا والدعوة لها".
ولتدارك استخدام وسائل الإعلام التقليدية التي تستخدمها الحكومة الأردنية، فقد اقترحت ألباني تقديم دروس خصوصية لوكالات الأمن والاستخبارات في عمان حول كيفية استخدام مجموعة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التحرير والأدوات المصاحبة.
وشمل ذلك موارد المراقبة، لتحديد الجماهير المستهدفة الرئيسية لدعاية الدولة السرية في غرفة الأخبار، ولكن أيضًا "الاستماع إلى المؤثرين وأصحاب المصلحة الأردنيين الذين يشاركون الأفكار والمحتوى الذي يدعم الخطة ومراقبتهم".
تورط بريطانيا
في المقابل، حرصت المخابرات البريطانية على إخفاء تورطها في "غرفة التحرير السرية"، وهي مهمة يمكن لمؤسسة "ألباني" أن تؤمنها من خلال ضمان أن التمويل الأجنبي والإدارة "لن يكونا واضحين في العلامة التجارية للمحتوى أو الرسائل المختارة".
وإذا أثارت غرفة الأخبار السرية "اهتمامًا إعلاميًا غير مرغوب فيه" وما يترتب على ذلك من استفسارات صحفية، فسيتم تطبيق "الإجراءات والخطوط المتفق عليها مسبقًا لاتخاذها"، بحسب الوثائق التي أشارت إلى أنه، فقط "في حالة حدوث خرق أمني تشغيلي" سيتم الاعتراف بتورط بريطانيا "بناءً على رواية محددة مسبقًا".
وأشار التقرير إلى أن "غرفة التحرير السرية" تعمل في بيئة إعلامية متوترة ومريبة للغاية، موضحا أن "ألباني" تعتبر أن السؤال الأكثر وضوحًا الذي يطرحه الناس على أنفسهم هو، "من أنشأ هذا المحتوى؟".
كما كان هناك أيضًا قلق بشأن "المشاهير" المحليين والدوليين الذين سيتم التعامل معهم لإَضفاء مزيد من الاستقلالية في المحتوى الذي تنشره "غرفة التحرير السرية".
"الواعظات الدينيات"
من جهة أخرى، تقترح الخطة التعامل مع "الواعظات الدينيات" ومقاتلات داعش السابقات، أي الضحايا وعائلات الضحايا وعائلات المقاتلين، مقدمةً المدعوة "د" كـ"نموذج نسائي قوي".
وبحسب الوثائق، يتم إجراء البحث المناسب أولاً لتحديد مواقفهن السياسية، ومدى الوصول المحتمل مقابل المخاطر التي تنطوي عليها الاستعانة بـ"الواعظات الدينيات".
حرب المعلومات
وفي مفارقة منحرفة، كان "المرشد" الداخلي للمشروع، الذي سيتم تضمينه لاحقا في "غرفة التحرير السرية" من أجل تدريب الأردنيين على فن حرب المعلومات، جنديا احتياطيا بالجيش البريطاني تم نشره في أفغانستان والعراق وكوسوفو.
ويتمتع الجندي البريطاني بـ"خمس سنوات من الخبرة التشغيلية الاستراتيجية للاتصالات" للندن وواشنطن وتصاريح أمنية رفيعة المستوى، قيل إنه "أنشأ وقاد فرقًا صحفية في بعض أكثر البيئات عدائية"، بحسب التقرير.
وشمل ذلك تعيينه عام 2011 على رأس مركز عمليات البرامج الاستراتيجية في البنتاغون في بغداد، حيث أدار برامج مستغلة خلسة أصوات المجتمع المدني "الموثوقة والحقيقية" من أجل "إحداث أقوى تأثير" في حملات الترويج لـ"المصالحة السياسية" و"الهوية الوطنية". كما طور بنفسه لعبة كمبيوتر "لاستهداف جماهير الشباب العراقي".
وقالت المجلة إنه "يجب أن تؤكد هذه الخلفية بإسهاب على الحقيقة المظلمة التي مفادها أنه مهما كان التدخل الجيد الذي يمكن أن تحققه ألباني في ردع المواطنين الأردنيين عن براثن داعش والجماعات المتطرفة الأخرى في غرب آسيا، كان الهدف الحقيقي لغرفة الأخبار هو التأكيد بقوة على الروايات التي تخدم مصالحها الذاتية - ولذلك سيطرة بريطانية وأمريكية على عمان ودول الجوار.
وأضافت المجلة أن "الخطة التي صاغتها ألباني تسعى صراحةً إلى إدامة أولويات الديوان الملكي الهاشمي، ضمن سياسات بريطانيا لتثبيت العائلة على العرش".
علاوة على ذلك، فإن "المعارضة داخل الأردن ليست مقتصرة على الأصولية العنيفة. على مدى العقد الماضي، أقرت عمان عددًا من القوانين الشاملة لمكافحة الإرهاب، والتي تجرّم حتى أبسط أشكال المعارضة باعتبارها تهديدات للدولة"، بحسب المجلة.
واعتبرت أنه "اليوم، كثيرًا ما يتعرض الصحفيون والنشطاء المحليون والأجانب الزائرون للأردن للمضايقة والاعتقال والمحاكمة بسبب تقاريرهم وأنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي".
وختمت المجلة تقريرها بالقول "إن إنشاء ألباني لغرفة أخبار داخلية يديرها الجاسوس لإغراق وسائل الإعلام بدعاية بارعة تتظاهر بأنها صحافة مواطنة شعبية مستقلة، وفر وسيلة أخرى لقمع الحقائق المزعجة ووجهات النظر النقدية للحاكم الأردني الحالي، الملك عبد الله الثاني وهو نفسه من قدامى المحاربين في الجيش البريطاني، وهو ما لا يريده داعموه الغربيون".