نشر موقع "
انترسيبت" تقريرا أعدته أليس سبيري قالت فيه إن
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن باتت تتبنى تعريفا يخلط نقد إسرائيل بمعاداة السامية،
وهو تعريف عرقل حرية الصحافة في أوروبا.
وأشارت في البداية لخطاب الطالبة اليمنية الأمريكية فاطمة موسى محمد
الذي ألقته في حفل تخرج طلاب كلية القانون بجامعة سيتي بنيويورك وانتقدت فيه
"الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي" ودعت فيه لمقاومة "الرأسمالية والعنصرية
والإمبريالية والصهيونية". وأدت كلماتها التي شجبتها إدارة الجامعة واعتبرتها
"خطاب كراهية" إلى جولة جديدة حول الفرق بين نقد "إسرائيل" ومعاداة
السامية.
وسارع المشرعون الجمهوريون لتقديم مشروع قرار بالكونغرس يحرم المؤسسات
الأكاديمية من الدعم الفدرالي لو "صادقت على مناسبات معادية للسامية". وأشار
المشروع إلى تعريف
معاداة السامية الذي تدفع به إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة
وأماكن أخرى ويخلط بين التحيز ضد اليهود ونقد إسرائيل والصهيونية.
ويأتي هذا في أعقاب موافقة الرئيس بايدن على التعريف في معرض تقديم
الإستراتيجية الوطنية لمكافحة معاداة السامية في أيار/ مايو. وفي الوثيقة المكونة من
60 صفحة أشارت إدارة بايدن إلى تعريف صاغه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست،
وقدمته على أنه الأبرز من تعريفات عدة لمعاداة السامية والذي أصبحت الإدارة تتبناه.
ولكنها أكدت على أن التعريف لا قيمة قانونية له ولا يتفوق على القوانين
القائمة أو يمثل إرشادا ملزما للوكالات العامة والحكم المحلي. ولكن الإدارة التي لم
تقدم رفضا للتعريف أو تصادق عليه بالكامل، فإنها تركت مساحة لجماعات الضغط من أجل تبنيه.
واعتبرت الجماعات المحافظة والمؤيدة لإسرائيل الإستراتيجية نصرا لها،
رغم أن الإشارة الوحيدة للتعريف لم تكن بقدر ما كافحت وضغطت من أجله: أي مصادقة كاملة
على تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست واعتباره "التعريف الوحيد"
لمعاداة السامية وأساس سياسة المؤسسات الفدرالية.
وقالت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة الشرق الأوسط للسلام للموقع إن بعض
هذه الجماعات مثل رابطة مكافحة التشهير، واللجنة اليهودية الأمريكية، ومركز سايمون
وايزنثال، تتعامل مع الوثيقة وكأن التعريف "تم تبنيه بالكامل"، مضيفة أن
ما "تقوله الوثيقة ليس مهما" و"نرى هذا يحدث في حالة جامعة سيتي بنيويورك".
ولم تحقق الدفعة باتجاه تبني الكيانات الأمريكية لتعريف تحالف الهولوكويست
لمعاداة السامية إلا نجاحا محدودا. ففي الوقت الذي تبنت فيه 31 ولاية وعشرات المناطق والمجالس
البلدية قرارات بشأنه، إلا أن الحماية القوية التي يوفرها الدستور بمجال حرية التعبير
يجعل من تطبيقه أمرا صعبا.
وفي أوروبا حيث تمت صياغة التعريف، تبنته العديد من دولها ومؤسساتها
مما قاد إلى عشرات الانتهاكات لحقوق الإنسان، بحسب تقرير صدر الثلاثاء عن مركز الدعم
القانوني الأوروبي، وهي جماعة تخوض معارك قانونية ضد الهجمات على داعمين للحقوق الفلسطينية
في أوروبا، سواء كانوا أفرادا أو جماعات.
وسجل المركز حوالي 53 مثالا ما بين 2017، عندما طالب البرلمان الأوروبي
الدول الأعضاء بالموافقة على التعريف الجديد لمعاداة السامية، وعام 2022 حيث تم الرجوع
للتعريف رغم وضعه القانوني غير الملزم لطرد وسحب عروض العمل، وإلغاء مناسبات وإجراءات
ضبط في ألمانيا والنمسا وبريطانيا.
ويؤكد التقرير أن كل الذين يواجهون اتهامات بمعاداة السامية هم من المدافعين
عن الحقوق الفلسطينية. ويؤكد أنه عندما يتم تحدي الاتهامات بطرق قانونية يظهر أنها
بدون أساس ويتم رفضها.
وتقول أليس غارسيا إن مصادقة الدول الأوروبية على التعريف والإشارات
المتكررة له منحته وضعية "قانون ناعم"، مضيفة: "يكرر الاتحاد الأوروبي
منذ سنين أن التعريف لا يخرق حرية التعبير لأنه ليس ملزما" و"لكن لو أعطيته
القوة التي منحته إياها فإنه يخلق أثرا قويا على الناس وتقييد حرية التعبير والتجمع،
وعندها يصبح ملزما بشكل فعلي".
ولم ترد المنسقة في الاتحاد الأوروبي لمواجهة معاداة السامية وتقوية
الحياة اليهودية، كاترينا فون شنوربين على أسئلة الموقع للتعليق.
وفي الماضي دافعت عن التعريف عندما تم تحديها بأنه يؤثر على الحقوق
الأساسية قائلة إنه "لا يقمع حرية التعبير ولم تتغير قوانين الكراهية"، مضيفة
إمكانية تسييسه و"هذا لا يعني أن الآلية معيبة".
وتمت صياغة التعريف بداية القرن الحالي في محاولة لوضع أساس معياري
لجمع البيانات حول حوادث معاداة السامية. وقنن التعريف فكرة آمن بها الداعون لما يطلق
عليها نظرية معاداة السامية الجديدة والتي جادلت أن المعارضة للصهيونية ومشروعها القومي
الإثني وراء قيام دولة إسرائيل، تعتبر في حد ذاتها معاداة للسامية.
وتم انتقاد التعريف منذ ذلك الوقت من عدد من النقاد بمن فيهم الجهة
التي اقترحته حيث قالوا إنه يخلط ما بين المفهومين ويهدد الحرية الأكاديمية وحرية التعبير
ويعمل على إسكات النقد لإسرائيل.
وكان مركز الرصد الأوروبي للعنصرية وكراهية الأجانب هو من صاغ التعريف
الأصلي إلا أن وكالة الحقوق الأساسية التي جاءت بعد المركز قررت عام 2013 التخلي عنه.
إلا أن التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وهو منظمة من 35 عضوا
تبنت في 2016 التعريف وقدمت نسخة جديدة له. فإلى جانب تعريف المصطلح يشتمل على 11 مثالا
تعتبر معاداة للسامية، منها إنكار حق الشعب اليهودي بتقرير مصيره والزعم بأن دولة إسرائيل
هي "مشروع عنصري"، وكذا المقارنة بين سياسات إسرائيل والنازية.
وغيرت الأمثلة وبشكل عملي طبيعة التعريف من وسيلة يقصد منها معالجة
الكراهية والتحرش إلى واحدة تستدعي التدخل في النقاش السياسي. وجادل المدافعون عنها
ونقادها أنه استخدم لإسكات الفلسطينيين ومناصريهم من خلال حرمانهم من الحق في الحديث عن
اضطهادهم.
ولاحظت لينا عاصي مديرة منظمة مناصرة "ليغل" في أمريكا، محاولات
لتضخيم سلطة التعريف والذي تسبب بأذى في حرم الجامعات الأمريكية، حيث يتم التلويح بالتعريف
في اتهامات معاداة السامية. وقالت: "التعريف العملي الذي قدمه التحالف الدولي
لإحياء ذكرى الهولوكوست هو عبارة عن جهود ضغط مجموعة لاستغلال وتسريع استخدام الاتهامات
الباطلة وفرض الرقابة على حق حرية التعبير، وكذا استهداف أي وجهة نظر ناقدة لإسرائيل،
وتخويف أي طرف في النقاش السياسي المهم بالقول إن أي شخص يدعم الحقوق الفلسطينية هو
معاد للسامية"، مضيفة: "طالما استخدم كوسيلة دعائية وتريد جماعات إسرائيل
منحه صفة القانون".
ويرى نقاد التعريف أنه يعوق مكافحة معاداة السامية من خلال حرف المصادر
الضرورية لمكافحة الكراهية وإرباك الرأي العام حول ما يعنيه عداء السامية.
وتقول كارين لاك، المديرة الدولية لدياسبورا اليانس، وهي جماعة مكرسة
لمكافحة معاداة السامية وتسييسها إن الخلط في التعريف بين العداء الحقيقي ونقد إسرائيل
يخلق التشوش والارتباك في البيانات و"يجعل الناس غير متأكدين حول ما يدخل في معاداة
السامية وما ليس فيها، ويعطي انطباعا أنها ليست حقيقية"، وتضيف: "قيل إنها
حقيقية وما أراه في الحقيقة هو انتقاد لإسرائيل، أو أولاد في حرم الكليات يدعمون المقاطعة،
أو ينظمون أسبوعا ضد الفصل العنصري، ولا يجعلني أشعر أنها معاداة للسامية، فهل معاداة
السامية حقيقية؟ بالطبع نعرف أنها كذلك". وتتابع: "هذا بالضرورة حوار سياسي
حول إسرائيل وفلسطين وليس في الحقيقة عن معاداة السامية".
ويقدم تقرير مركز الدعم القانوني
الأوروبي حالات أثرت فيها اتهامات معاداة السامية على أعمالهم وتسببت لهم بأمراض نفسية.
وقالت الأكاديمية الألمانية الفلسطينية آنا إيستر يونس، الأكاديمية
المعروفة في مجال دراسات العرق: "أصبح من الصعب التعبير عن صوتي الناقد لسياسات
إسرائيل في الأماكن العامة أو الأكاديميات بدون الخوف على وظيفتي وخسارة عقدي وتمويل
فرص التوظيف في المستقبل".
وألغيت مشاركة لها في مجموعة عمل بعد اتهامات بأنها تدعم حركة المقاطعة،
ولملخص ورقة بحث عن حركة المرأة داخل حماس، والعرائض الأكاديمية التي وقعتها.
وقالت طالبة حققت سلطات الجامعة في بريطانيا معها بسبب منشورات مؤيدة
للفلسطينيين اعتبرت معادية للسامية: "كان لدي قلق شديد حول من أثق به، فقد شعرت
أن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست هو أداة رقابة على حياتي اليومية".
ويشير التقرير إلى تلفزيون "دويشته فيله" الألماني الذي طرد
سبعة من موظفيه العرب الذين اتهموا بمعاداة السامية بناء على التعريف.
وبحسب التقرير لم يتم تقديم أي أدلة واضحة من المؤسسة للموظفين حول
السلوك غير المقبول الذي اتهموا به. وقال أحد الموظفين: "امتحنت حول نشأتي، وإن
فكرت يوما بحماس، وما هو شعوري بالأطفال الإسرائيليين الذين قتلوا".
ويقول النقاد في أوروبا وأمريكا إن جهود تقنين تعريف معاداة السامية
تسارعت مع زيادة النقد الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها إسرائيل. وتبنت
الحكومة الإسرائيلية التعريف ودعت وزارة الشتات الإسرائيلية هذا العام لحملة ضد ما
أسمته "شيطنة ونزع الشرعية والمعايير المزدوجة" تجاه إسرائيل.
ويقول الزميل البارز بالمعهد العربي بواشنطن يوسف مناير: "هذا
التحول يعترف بأن "الدفاع" عن السياسات الإسرائيلية ليس ناجحا لأن هناك الكثير
من الناس باتوا يعرفون بالمعاملة المروعة للفلسطينيين والظلم الأساسي".
وفي الوقت الذي تتزايد فيه حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني فإن الرأي
العام بالولايات المتحدة، حليفة إسرائيل القوية، يتغير، ففي آخر استطلاع لغالوب وجد
زيادة عالية للتعاطف مع الفلسطينيين وسط الديمقراطيين وتراجع عام في الولايات المتحدة
لدعم إسرائيل. وتقول عاصي إن "المد يتحول بالتأكيد، مزيد من تبني مواقف مؤيدة
للفلسطينيين في الجامعات والإعلام وتبني إسرائيل أشد حكومة فاشية وتصاعد العنف ضد الفلسطينيين".
وترى أن استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذاكرة الهولوكوست لتقييد ما سيقوله الفلسطينيون
حول ظروفهم ليس سياسة قابلة للحياة.