حقوق وحريات

تحقيق مثير يكشف إحصائيات ومعلومات عن قتلى الروس بأوكرانيا

تجاوز عدد القتلى الروس في أوكرانيا حاجز الـ25 ألفا بحسب التحقيق- بي بي سي
أظهر تحقيق صحفي، معلومات مثيرة حول إحصائيات قتلى الجيش الروسي الذي يقاتل في أوكرانيا، منذ شباط/ فبراير من العام الماضي.

ونشرت شبكة "بي بي سي"، نتائج تحقيق مشترك أجرته مع جهات إعلامية أخرى، أظهرت أن قتلى القوات الروسية في أوكرانيا تجاوز عتبة الـ25 ألف جندي وضابط.

وقالت الشبكة؛ إنها وجدت خلال العمل على هذا التحقيق، مهمة في غاية الصعوبة للتحقيق في ذلك، وإحصاء أكبر عدد ممكن من القتلى.

يوفر الإحصاء دليلا دامغا على تأثير الحرب على القوات الروسية. لكنه قدم أيضا إجابات للأسر التي فقدت أبناءها في الحرب، بحسب "بي بي سي"، التي قالت إن بعض الأقارب لم يعرفوا حتى ما حدث لأحبائهم حتى تتبع التحقيق مصيرهم.

حكاية اثنين من المجندين
توفي الرقيب نيكيتا لوبوريتس، قائد مجموعة من القوات الخاصة الروسية، في 20 أيار/مايو من العام الماضي في قرية في شرق أوكرانيا. كان عمره 21 عاما.

بعد ما يقرب من عام، علم أقارب ألكسندر زوبكوف بوفاة الأخير في أثناء القتال في باخموت. كان يبلغ من العمر 34 عاما ويقضي عقوبة سجن لمدة تسع سنوات بتهمة الاتجار بالمخدرات، وقد انضم إلى مجموعة مرتزقة فاغنر، التي تقاتل في أوكرانيا نيابة عن روسيا، على أمل نيل حريته.

هذان اثنان فقط من بين 25 ألف قتيل، تم التعرف عليهم من قبل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، مع مؤسسة إعلامية روسية مستقلة، ميديازونا وفريق من المتطوعين، باستخدام المعلومات الواردة في التقارير الرسمية والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والنصب التذكارية والمقابر الجديدة.

يمثل هذان الرجلان معا الوجه المتغير للجيش الروسي منذ بداية غزو أوكرانيا، حيث بات قوة قتالية تزداد تقدما في السن وأقل تدريبا مع تزايد عدد القتلى.

عندما بدأت الحرب، كان المقاتل الروسي النموذجي الذي تم تسجيل وفاته في إحصاء بي بي سي يبلغ من العمر حوالي 21 عاما، وكان جنديا محترفا من رتبة منخفضة - تماما مثل الرقيب نيكيتا لوبوريتس.


وفقًا لرواية والده، كونستانتين، كان لوبوريتس يريد أن يصبح جنديا مظليا حتى قبل أن يترك المدرسة في بريانسك، المدينة التي تبعد 60 ميلا أي حوالي 100 كيلومتر عن الحدود مع أوكرانيا.

بدأ في دراسة فنون الدفاع عن النفس وتعلم كيفية القفز بالمظلة قبل التخرج.

وفاز بمكان في مدرسة ريازان العليا للقوات المحمولة جوا، وهي أكاديمية تدريب المظليين الروس، قبل الانضمام إلى لواء القوات الخاصة في المخابرات العسكرية الروسية.

بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب، وقع الرقيب لوبوريتس ووحدة صغيرة من الجنود الروس في كمين قرب قرية شمال خاركيف وقتل، على حد قول والده.

ودفن في "زقاق الأبطال" في مقبرة مدينته، وحصل بعد وفاته على وسام الشجاعة.

كانت هناك آلاف القصص المشابهة في الأشهر الأولى من الحرب. لكن بعد مرور عام، أصبحت أقل شيوعا.

في الأشهر الأخيرة، بات الجندي الروسي النموذجي الذي يُقتل في أوكرانيا يب في سن الـ 34 عاما، تم تجنيده من السجن،مثل ألكسندر زوبكوف.


وُلد زوبكوف - وهو من السجناء الذين قاتلوا في وحدات فاغنر بلا رتبة عسكرية - في سيفيرودفينسك، وهي مدينة على البحر الأبيض على الساحل الشمالي الغربي لروسيا، وتضم حوض بناء سفن رئيسي للبحرية الروسية.


في عام 2014، أظهرت سجلات المحكمة أنه كان عاطلا عن العمل وأبا لطفل وحيد. أدين بجريمة قتل وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات وستة أشهر.

أطلق سراحه من السجن بشروط في عام 2020 لكنه عاد إلى السجن بتهمة تجارة المخدرات في العام التالي، بعد القبض عليه وشريكه وبحوزتهما 600 غرام من المنشط غير القانوني a-PVP.

حكمت عليه المحكمة بالسجن تسع سنوات أخرى. وحسب السجلات، هو مطلق ولديه طفل صغير وأخت معاقة يساعد في رعايتها.

عندما بدأت مجموعة فاغنر التجنيد من السجون، انضم إليها زوبكوف في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي مع وعد بمنحه 100 ألف روبل له، ما يعادل 1250 دولارا شهريا. وإذا أكمل ستة أشهر من الخدمة، يمكن أن يتوقع إطلاق سراحه.

لكن زوبكوف توفي بعد خمسة أشهر، خلال قتال فاغنر للاستيلاء على مدينة باخموت بشرق أوكرانيا،  وهي أكثر المعارك دموية في الحرب حتى الآن. ودُفن في مسقط رأسه في 28 نيسان/أبريل.

"الاحتراق بين القوات"
يقول الدكتور جاك واتلينغ، خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث دفاعي؛ إن زوبكوف وأمثاله يستخدمون تقريبا "كقوات يمكن التضحية بها".

السجناء الذين يظهرون في إحصاء الموتى لدينا، هم من اللصوص الصغار إلى قادة عصابات. في إحدى الحالات، توفي رجل في الجبهة بعد أن سُجن لقتله أحد المحاربين القدماء في الحرب العالمية الثانية وكان المحارب في الـ 92 من العمر.

جنبا إلى جنب مع المدنيين الذين تم تجنيدهم بعد القبض على بعضهم من الشارع أو في مراكز التسوق، صدرت لهم أوامر بتنفيذ مناوشات مستمرة ضد القوات الأوكرانية، لإرهاق الأوكرانيين وكشف مواقعهم للمدفعية الروسية.

يقول الدكتور واتلينغ؛ "إنهم يرسلونهم إلى الأمام متوقعين تعرضهم للقتل، لذلك فإن الجيش الروسي يستهلك هذه القوات بمعدل كبير ".

يمكن رؤية هذا التغيير في التكتيكات في إحصاءات القتلى.

فقدت روسيا أعدادا كبيرة من الجنود المحترفين في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، لكن في الأشهر الثلاثة الماضية ، يموت الجنود غير المحترفين بأعداد أكبر.


يقول الدكتور واتلينغ؛ إن روسيا تعمد إلى حماية الجنود المهنيين المتبقين لديها، وتستخدمهم للاحتفاظ بالأرض وتنفيذ هجمات القناصة، وتنفيذ هجمات نادرة عندما تكون الظروف مناسبة.

تأكدت بي بي سي من مقتل أكثر من 2100 ضابط عسكري روسي، ربما لأن روسيا تعتمد على صغار الضباط في قيادة المعارك أكثر من الدول الغربية، ما يعرضهم للخطر. كان من بينهم 242 على الأقل برتبة مقدم أو أعلى.

كما قتل ما لا يقل عن 159 طيارا حربيا حسب الإحصاءات. لا يمكن التعويض عنهم خلال فترة قصيرة؛ حيث يستغرق تدريبهم سبع سنوات على الأقل وملايين الدولارات.

أجبرت هذه الخسائر قدامى المحاربين على العودة من التقاعد، مثل الميجور جنرال كانامات بوتاشيف.

انتهت مسيرة بوتاشيف العسكرية في عام 2012 عندما استعار طائرة مقاتلة من طراز سوخوي 27 دون إذن وحطمها. في أيار/مايو  من العام الماضي، كان يبلغ من العمر 63 عاما، ويقود طائرة هجوم أرضي من طراز سوخوي 25 عندما تم إسقاطها فوق لوهانسك في شرق أوكرانيا.

لم يكن هو أكبر شخص في إحصاءات "بي بي سي" للموتى. تطوع ميخائيل شوفالوف، وهو عامل متقاعد في محطة توليد كهرباء، عن عمر يناهز 71 عاما.

وتقول تقارير وسائل الإعلام؛ إنه رُفض في البداية، لكنه ذهب في النهاية إلى خط المواجهة وقُتل في 10 كانون الأول/ديسمبر.

بدأ هذا الإحصاء لأن موظفي بي بي سي الروس كانوا يعلمون أنه بخلاف ذلك، قد لا يكون هناك سجل جدير بالثقة للوفيات.

تقول "بي بي سي"؛ إن كل طرف في الحرب يقلل من خسائره. لكن روسيا لديها تاريخ من التعتيم على الوفيات في زمن الحرب، بما يتجاوز بكثير ما هو ضروري للحفاظ على السرية العسكرية، أو للحفاظ على معنويات الشعب، بحسب تعبيرها.

بعد سنوات من انتهاء الحربين الأفغانية والشيشانية، لا يزال المحاربون القدامى والأقارب يكافحون للحصول على سجلات عامة دقيقة للقتلى، وتضيف: "حتى الحجم الكامل لوفيات الحرب العالمية الثانية غير معترف به".

قام المتطوعون بمراقبة المقابر التذكارية للحرب في جميع أنحاء البلاد بحثا عن أسماء جديدة، وأخذوا صور المقابر الجديدة، وسجلوا اسم وهوية كل حالة وفاة مؤكدة.

تم الكشف عن سبع مقابر جديدة للقتلى الذين تم تجنيدهم في وحدات فاغنر - ستة في روسيا وواحد في لوهانسك في شرق أوكرانيا - خلال عملية الاحصاء. إحداها في باكينسكايا في جنوب روسيا، يمكن رؤيتها في صور الأقمار الصناعية.


وكانت آخر حصيلة رسمية للقتلى في روسيا 5937 قتيلا تعود لشهر أيلول/سبتمبر  من العام الماضي.
لكن إحصاء بي بي سي أظهر أكثر من 6600 حالة وفاة مؤكدة بحلول ذلك الوقت، ووصل العدد حتى الآن إلى أكثر من 25000.

في شباط/فبراير، قدرت أجهزة المخابرات البريطانية مقتل ما بين 40 إلى 60 ألف جندي.
تقدر وزارة الدفاع الأوكرانية أن هناك أكثر من 200 ألف ضحية روسية، وهذا يشمل أيضا الجرحى.

كل هذه الأرقام تكذّب المزاعم الروسية بسقوط حوالي 6000 روسي حتى الآن.


اتصلت بي بي سي بالحكومة الروسية للتعليق، لكنها لم ترد.

وعلقت القناة: "لم نتمكن من تسجيل جميع الوفيات في روسيا بمعارك أوكرانيا، إذ يمكننا فقط الوصول إلى أسماء القتلى المذكورين في المصادر المتاحة، أو في المقابر التذكارية وفي المقابر التي زارها المتطوعون. المتطوعون لا يستطيعون تغطية كامل مساحة روسيا الشاسعة، ولا يشمل الإحصاء القتلى من الانفصاليين الناطقين بالروسية في دونباس.

رغم أن هذا الإحصاء غير مكتمل، لكنه قدم إجابات لبعض أقارب القتلى، وهي المهمة التي لم يقم بها المسؤولون الروس.