سلطت الصحف الغربية خلال الأيام القليلة الماضية الضوء على محاولة مجموعة
فاغنر، حليفة الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين،
التمرد داخل الأراضي الروسية ومحاولة وصولها إلى العاصمة موسكو، قبل إنهاء العصيان.
وفي تعليقها، قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحصد ثمار أخطاء تقديره، مشيرة إلى أنه صمد أمام العصيان لكنه بدا ضعيفا.
وأوضحت أن بوتين نجا من أكثر التهديدات على سلطته في عقدين كزعيم روسي لا ينازع، لكن تمرد فاغنر كشف عن حماقة الرئيس الروسي التي أطلق العنان لها ضد أوكرانيا.
واعتبرت الصحيفة أن الكرملين عالق في نزاع لا يمكنه الفوز فيه وترك أثره الكبير على مستقبل البلاد الإقتصادي، وحولها إلى دولة مارقة بالنسبة للدول الغربية وجلب المتمردين المسلحين إلى داخل حدود البلاد وكانوا على بعد ساعات من العاصمة موسكو.
وعن أسباب التمرد، قالت "فايننشال تايمز" إن الزعيم الروسي فاقم أخطاءه من خلال نقل تعهد الحرب إلى جيش خاص يقوده سجين سابق. وعندما انفجر التوتر بين أمير الحرب البلطجي لفاغنر وجيش الدولة وقيادته الضعيفة فإنه انعكس على بوتين شخصيا.
وهناك أيضا نظرية مؤامرة في
روسيا تقترح أن أحداث نهاية الأسبوع كانت مسرح عبث لكي تسمح لبوتين بإظهار القوى وإغراء المنافسين الطامحين للكشف عن أنفسهم بحسب الصحيفة، التي اعتبرته كلاما بعيدا عن الصحة، قائلة: "بدا الرئيس أنه في مواجهة مع حليف سابق".
وأشارت الصحيفة إلى أن أصل العصيان السبت والصفقة التي نزعت فتيل الأزمة على ما يبدو تبدو غامضة، ولكن ليس من الصعب التوصل لنتيجة أن بوتين خرج منها ضعيفا. فقد كانت الحرب في أوكرانيا، ومنذ البداية، تمرينا في سوء التقدير والغطرسة.
صورة بوتين
أما صحيفة "الغارديان"، فقد قالت إن "عصيان فاغنر مهما كان قصيرا، إلا أنه أدى لتآكل صورة فلاديمير بوتين في عين النخبة والرأي العام الروسي".
واعتبرت الصحيفة أن "غرور بريغوجين مثير للدهشة، فصعوده غير المحتمل بدأ من بلطجي صغير إلى بلطجي على نطاق أوسع، حيث بدأ مسيرته من خلال كشك لبيع النقانق إلى متعهد وجبات طعام للجيش".
وتعلق الصحيفة أن زعم بريغوجين أنه قرر وقف مسيرة جنوده حقنا للدماء مثير للدهشة، في ظل نزعة القتل والجرائم التي ارتكبوها في أوكرانيا وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والدول الأخرى.
و"يبدو أنه اكتشف عدم القدرة على حشد دعم كاف، ولكنه لم يعاقب، على الأقل حتى الآن، ويقال إنه سيذهب إلى بيلاروسيا، بعد الوساطة التي قام بها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو. وسيتم العفو عن المقاتلين الذين دعموا العصيان، أما البقية فسيتم دمجهم في الجيش كما هو مخطط. وربما كان انهيار فاغنر علامة أمل لأوكرانيا وحملتها العسكرية المضادة، وكذا كحرف لنظر القيادة الروسية.
والأهم من كل هذا هو أثر هذا الحادث على معنويات القوات الروسية والعلاقات بين النخبة الحاكمة. فالصفقة ونجاة بريغوجين من عصيانه يعني ضعف بوتين.
وبحسب الصحيفة، فإن "هناك قلة تفترض أن بوتين سيواجه نفس المصير إلا أن سيطرته على الحكم تبدو واهية فلم تواجه البلاد تهديدا كهذا طوال حكمه".
سلطة بوتين
أما "
نيويورك تايمز"، فقالت إن الرئيس فلاديمير بوتين لطالما صور نفسه على أنه ضامن روسيا للاستقرار والحامي العنيد لها كدولة.
في غيابه، تُرك الروس مذهولين يتساءلون كيف يمكن لزعيم مجموعة شبه عسكرية، يفغيني بريغوجين، أن ينظم تمردا مسلحا يوم السبت يهدد بالوصول إلى موسكو. وأثار أسئلة غير مريحة حول مستقبل الرئيس الروسي: ماذا يعني فشله في منع الثورة لأمنهم – ومدى تحمله؟
وأعرب الروس الذين تربطهم صلات بالكرملين عن الارتياح يوم الأحد من أن انتفاضة بريغوجين لم تشعل حربا أهلية. لكن في الوقت نفسه، اتفقوا على أن بوتين بدا ضعيفا بطريقة يمكن أن تدوم.
وقال كونستانتين ريمشوكوف، محرر صحيفة "موسكو" الذي له صلات بالكرملين، في مقابلة هاتفية إن ما كان يبدو في يوم من الأيام لا يمكن تصوره أصبح ممكنا الآن: أن الأشخاص المقربين من بوتين يمكن أن يحاولوا إقناعه بعدم الترشح لإعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الروسية الربيع القادم. وأوضح أنه مع أحداث السبت، فقد بوتين بشكل قاطع مكانته كضامن لثروة النخبة وأمنها.
وقال ريمشوكوف إن فكرة أن "بوتين في السلطة ويوفر الاستقرار ويضمن الأمن - عانت من إخفاق تام في 24 من الشهر الجاري. إذا كنت متأكدا قبل شهر من أن بوتين سيرشح نفسه دون قيد أو شرط لأنه من حقه، فأنا الآن أرى أن النخب لم تعد تشعر بالأمان غير المشروط".
كان "الاستقرار" هو حجة الكرملين وسط استفتاء عام 2020 الذي مهد الطريق لبوتين ليخدم فترتين إضافيتين، حتى عام 2036. وأمن الدولة الروسية هو ما يصفه بوتين بأنه دافعه للتوجيه لغزو أوكرانيا.
حتى في خضم الحرب المستمرة منذ 16 شهرا في أوكرانيا، ركز الكرملين على الحياة الطبيعية في الداخل، حيث قاوم بوتين الدعوات المتشددة لإعلان الأحكام العرفية أو لإغلاق حدود البلاد.
لكن تحدي بريغوجين لسلطة الكرملين قلب هذا الحساب رأسا على عقب، حيث أمر زعيم مجموعة فاغنر شبه العسكرية، بريغوجين، قواته بالاستيلاء على مقر عسكري روسي في الجنوب، ثم أرسل رتلا من القوات شمالا باتجاه موسكو، متعهدا بدخول العاصمة. تم نزع فتيل الأزمة في وقت متأخر من السبت، عندما وافق بريغوجين على سحب قواته في صفقة سمحت له ولجنوده بتجنب الملاحقة القضائية.
ولكن في هذه العملية، فقد بوتين أكثر من سمعته في توفير الاستقرار: حقيقة أن بريغوجين وقواته لم يعاقبوا أضعفت سمعة بوتين كزعيم حاسم لن يتسامح مع عدم الولاء، بحسب الصحيفة.
وقد تفاقم هذا الانطباع من خلال التقارير الواردة من المدونين العسكريين الروس بأن قوات بريغوجين أسقطت طائرة مقاتلة روسية. كما وصف بوتين بريغوجين بأنه خائن بعد أن أطلق تمرده - وبعد أن شكك زعيم المرتزقة في الأساس المنطقي لبوتين للحرب في أوكرانيا. بدا أن تلك التجاوزات تتلاشى مع الصفقة التي أنهت الأزمة.
وقال الخبراء إن هذا جعل بوتين يبدو أقل سيطرة على الدولة الروسية مما كان معروفا في السابق. وسارع الخصوم الأجانب إلى اقتناص هذا الموضوع.
وصف شخصان مقربان من الكرملين، تحدثا للغارديان شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة قضايا سياسية حساسة، الأزمة بأنها في المقام الأول نتاج نظام حكم مختل على وشك الفوضى.