غموض كبير يغلف عالم اليوم وطبيعته، نسق
الحياة ونمطها
داخل هذا العالم على اتساعه، وكبر مساحته وكثرة عدد البلاد فيه، غموض يشعر به أي إنسان
يفكر أو يبحر في بواطن العقل بالتحليل والبحث عن خبايا الأمور في الحياة الحالية
وماهيتها وكيفيتها.
في رحلة سريعة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي يجد
البحّار الكثير من الناس، على اختلاف ثقافاتهم وأصولهم وجذورهم وطبيعتهم وذواتهم
المهم أنهم تقريبا يشتركون في شيء واحد، طريق واحد يسلكونه في حياتهم اليومية منذ
الصباح الباكر في أي يوم حتى لحظات المساء فيه.
هذا الطريق هو حب الحياة والرغبة بالارتشاف من كأسها ومن
صحنها قدر المستطاع، حلوة هي الحياة والناس أعراق ولغات مختلفة وأجناس لا تعرف
بعضها لكنها تمشي في الحياة تريدها والكل يشرب من بئرها. إذن هنا تظهر نقطة سؤال
الناس كثيري العدد في بلاد مختلفة كوثيرة أيضا، يريدون الحياة نفسها وما هو
بداخلها، لكن لماذا تتم
الحروب المدمرة؟ هل الأقلية تقود الأكثرية في الحياة؟
نعود إلى بداية المقال، الناس يسيرون في الحياة
بمجاميع كثيرة يوميا. هل الكل من الناس ومن البشر يريد النزاعات والحروب؟ هل الكل
يسعى إلى
الدمار؟ هل الكل يحمل بداخله هذا الكم الكبير من الحقد على الحياة حتى
يصير آلة مبرمجة ذاتيا للدمار للخراب؟ الحسد والبغض موجود بين البشر بين الناس هذا
من ضمن الطبيعة الحياتية نفسها؟ لكن الناظر مرة أخرى إلى مواقع التواصل وإلى يوتيوب
يجد فئات كثيرة من الناس أنفسهم يسعون في الحياة لديهم هدف يريدون تحقيقه، بالقطع
ليس هو الحرب ولا التدمير، هدف إلى التطور إلى الإبداع وإلى النهضة الحياتية وإلى إظهار
النفس والذات البشرية نفسها، ليس بطريقة السطوة والإجرام والحرب، إنما بالإبداع وبالاختراع
وبالتفكير الإيجابي مثلا وفي شتى حقول الحياة من علوم ومعارف.
إذن وعودة إلى سؤال ظهر في أول المقال: هل الأقلية
تقود الأكثرية؟ ربما هو تحليل قريب إلى الواقع، عدد قليل من البشر يتولون دفة
القيادة واتخاذ القرارات نيابة عن الأكثرية، لكن من منحهم هذا الحق؟ الأكثرية
الإنسانية
لم تنتخبهم، لم يجلسوا ولم يتشاوروا معها، ومع ذلك يتولون قيادتها، وهي تمشي في
طريقها يوميا لكن لا تتخذ القرار أبدا. فجأة حرب ودمار وخراب، هل الكل أو الأكثرية
من الناس من ساكني هذا الكون الواسع عرفوا بموعد الحرب أو الغزو لأي مكان أو لأية أرض
أو مساحة جغرافية ما؟ المؤكد لا، الأقلية البشرية هي من قررت وعلى فئات من تلك الأكثرية
التنفيذ، كيف ذلك؟ هل الأكثرية تقاد وتوجه بالريموت كنترول؟ ربما هو الحال كذلك،
كيف تقبل الأكثرية بالخراب تسكت عنه، الأقلية شريرة، هي تملك السلطة السطوة أدوات
القوة الحياتية على الأكثرية الطاعة وإلا حلت اللعنة والخراب.
ليس شرطا أن يكون الخراب عسكريا بحتا ربما بنشر الأمراض
الفتاكة أو نشر الفقر وسياسة الإفقار. أساليب
الحروب والتخريب اليوم كثيرة، ياه الحياة لا تحتوي على العدل ميزانه فيها معكوس
دائما، أقلية من البشر تحكم العدد الكبير الذي يبدأ يومه بالسعي في الحياة، هو لم
يبدأ بالإجرام، لم يستيقظ من نومه وأحلامه الحلوة بنية الإجرام والشرر يتطاير من
عينيه، لا.. إنما هي تلك الفئة البشرية القليلة الحاكمة المتسلطة هي التي زرعت
الخراب وحرضت القلوب على بعضها البعض، أشعلت نيران الأحقاد في النفوس، حروب منذ 30
سنة تقريبا والعالم الحالي لم يهدأ أبدا، حروب ودمار وشرور، الأرض تصرخ ومعها
الكثير من البشرية والإنسانية بطبعها لكن لا أحد يجيب، سنة بعد أخرى حروب تدمير وإعادة
الحياة إلى العصر الجاهلي حيث طبيعة حياة الغابة المعتمة، ما هذا، النفس أصابها
الملل ربما حتى الجندي المنتخب للمهمة العسكرية قد أصابه القنوط والملل والقرف من
الحرب نفسها وهو يعرف بقرارة نفسه أن هدفها ليس نبيلا أبدا.
هل ستبقى الإنسانية الكثيرة صامتة تتلقى التعليمات من
تلك الأقلية الشريرة؟ الحياة نفسها ترفض الحروب والتدمير رسالة الله تعالى إلى الإنسان
والبشرية جمعاء بالبناء والإعمار بنشر الخير في الأرض لكن ما يحدث في السنين الأخيرة
عكس ذلك تماما، ترى من يوقف ذلك الأسلوب الوحشي لبعض الفئات البشرية؟ هل الاستسلام
إلى الواقع هو سيد الموقف؟
هل سينتصر الشر على الخير حتى يزيد مقداره وتقل كمية
هذا الخير في الحياة؟
ربما قد حان الوقت وصار من الضروري الاجتماع لأجل غاية
هدف واحد هو إنقاذ الحياة من مسار البطش والظلم الذي تواجهه به بعض فئات البشر. الإنسان
يمتلك العقل، والعقل إن استخدم بشكل صحيح هو طريق ناجح لإيجاد الحلول حتى لأصعب الأمور
والعُقد الحياتية، هذا ما يجب أن يكون اليوم وبصفة الاستعجال، وإلا فإن القرب من
حلقة الحياة المعتمة بات قاب قوسين أو أدنى حتى أن البشرية نفسها باتت تتعود
تدريجيا على تقبل العنف بأشكاله. هذا مؤشر خطير نحو الانحدار نحو فقد الصفة الإنسانية
والاتجاه بسرعة إلى الشر، وهو ما يتناقض تماما مع كل الأديان السماوية التي نزلت
إلى البشرية كرسائل هداية ورشد واستقامة.
نموذج بن غفير وأمثاله ينتشر اليوم ليس في منطقة واحدة
وإنما في بلاد ومناطق كثيرة. هنا على البشرية كلها الاختيار بين العقل وهو زينة
الحياة، وبين الجنون والبطش وهو ليل الحياة المظلم الذي يحرم الناس أنفسهم من
هدفهم اليومي بمتعة الحياة والشرب من كأسها بناء ونموا وتعميرا، صراع مستمر هو بين
الخير والشر إذن، يبقى السؤال للإعلان عن الفائز والمنتصر.