قال الحقوقي
المصري البارز، بهي الدين حسن؛ إن "أي
إزاحة محتملة للرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي ستحدث من داخل نظامه بدعم خليجي"، مؤكدا أن "التغييرات العسكرية والأمنية المحدودة التي يقوم بها السيسي، لن تفيده كثيرا".
وأشار حسن، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن السيناريو الأرجح من وجهة نظره، يتمثل في أن "احتمال عدم التوافق بخصوص استمرار السيسي في سدة الحكم، سيأتي من الشرائح العليا في نخبة الحكم".
وقبل أيام، أجرى السيسي حركة تغييرات عسكرية جديدة، شملت الإطاحة بقادة عسكريين وتعيين آخرين بدلا منهم.
وأضاف حسن: "لا أظن أنه يمكن مقارنة انتخابات 2014 و2018 بانتخابات العام القادم، حتى لو ترشح وفاز بها السيسي؛ ففي الانتخابات السابقة كان فوز السيسي بها أمرا مفروغا منه، بمجرد ضمان توحد نخبة الحكم والمؤسسة العسكرية خلفه. اليوم هذا الأمر صار سؤالا مفتوحا، سنعرف الإجابة عليه تدريجيا كلما اقتربنا من موعد فتح باب الترشح لها".
وأكد حسن، الذي يشغل منصب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن "المنافس القادر على منافسة السيسي في ظل المعطيات السياسية الراهنة، هو مرشح ينتمي للنظام القديم/ الجديد، وعلى الأرجح يتمتع بدعم دول الخليج"، متابعا: "من الصعب تصور حدوث انتخابات رئاسية نزيهة وحرة في مصر العام القادم، دون حدوث ما يشبه الانقلاب أو الثورة قبل انعقادها".
ولفت إلى أن "السيسي في غمار التحضير لانقلابه العسكري عام 2013، فتح باب جحيم التدخل الإقليمي في اختيار مَن يحكم مصر. هذا الباب لم يُغلق، بل انفتح على مصراعيه منذ العام الماضي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر. من ثم، فإن بعض دول الخليج سيكون لها على الأرجح صوت حاسم في تقرير مصير السيسي ومَن سيخلفه".
ونوّه حسن إلى أن مصر مقبلة على "مرحلة ستتفاقم فيها تأثيرات الكارثة الاقتصادية، بما قد يضطر السيسي لاتخاذ إجراءات اقتصادية أشد قسوة، لا يمكن لأغلبية المصريين تحمل تبعاتها، فضلا عن قرارات سياسية يصعب على المعارضة -وربما بعض شخصيات داخل الحكم- ابتلاعها، واستشهد هنا بقناة السويس على سبيل المثال".
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
هل المشهد العام في مصر حاليا بات مختلفا عما كان عليه الوضع في 2013؟ وما ملامح هذا الاختلاف؟
بالتأكيد مصر صارت مختلفة تماما عما كانت عليه، ليس فقط في 2011 و2013، ولكن أيضا عن مصر في عهود كل الرؤساء والملوك السابقين خلال القرن الماضي. وفقا لكل المؤشرات المتاحة، صارت مصر أكثر فقرا، وأقل صحة وتعليما بمعان متعددة. فكشعب صار الفقراء ومَن هم مُهدّدون بالفقر يشكلون نحو 60% من المصريين. وكدولة تراجع إنتاجها الصناعي لحساب التوسع الهائل غير المدروس في الأعمال الإنشائية، وهي بطبيعتها لا تنتج سلعا للاستهلاك المحلي ولا للتصدير الخارجي، ولا تتطلب عمالة دائمة منتظمة. هذا التوسع غير المدروس هو أحد أسباب تزايد فقر المصريين، ونسب البطالة، وتضاعف ديون مصر أكثر من 3 مرات خلال 10 سنوات.
ولكن هذا التوسع غير المدروس من منظور "المصلحة القومية"، كان رافعة أساسية لزيادة حصة الجيش في الاقتصاد، وتعزيز دور الهيئة العسكرية الهندسية وشركات المقاولات المرتبطة بها. هذا الوضع الاقتصادي والمالي الكارثي، لا يقارن إلا بزمن الخديوي إسماعيل منذ نحو 150 عاما، الذي استنزف اقتصاد مصر بممارسات مستهترة مشابهة، أدت إلى وضع البلاد تحت الوصاية المالية الأجنبية، ثم الاحتلال البريطاني.
على صعيد حقوق الإنسان، خضع المصريون لاستبداد سياسي يفوق في وحشيته استبداد الاحتلال البريطاني، واستبداد الديكتاتور المؤسس للحكم العسكري في مصر (جمال عبد الناصر). حيث خرجت ممارسات الأجهزة الأمنية المدنية والعسكرية عن السيطرة، خاصة بعد التهشيم السياسي والأمني بشكل شامل للمؤسسة القضائية والنيابة العامة، وهو الأمر الذي سمح بتفشّ غير مسبوق في مصر للقتل خارج القانون، والإخفاء القسري والتعذيب، والإهمال الطبي حتى الموت في السجون، والاعتقال المفتوح والمتكرر تحت مسميات قانونية مهترئة بدون إعلان حالة الطوارئ، وإصدار عدد هائل من أحكام الإعدام في محاكمات جماعية هزلية، وسجن عشرات ألوف الأبرياء وإدانة بعضهم في محاكمات مُسيّسة وغير عادلة.
ولا تكتمل لوحة استثنائية الاستبداد في مصر في السنوات العشر الأخيرة، دون التنويه في المقابل بكم قرارات العفو الرئاسي التي صدرت لبعض عتاة المجرمين دون تفسير للرأي العام.
إفقار مصر والمصريين اقتصاديا أدى لتقزيمها سياسيا في نطاقها الإقليمي والدولي بشكل مُهين، لم تعرفه المنطقة منذ نحو 80 عاما، أي منذ إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945. لقد صار القرار الإقليمي في المنطقة للسعودية بشكل منفرد، وأحيانا بشكل مُهين ينطوي على إذلال، مثل استبعاد مصر من الوساطة الإقليمية الدولية بخصوص النزاع المسلح الدامي في السودان الملاصق للحدود المصرية. لكن علينا أن نتذكر أن منحدر التقزيم والإهانة الذاتيين بدأ باستدعاء بعض دول الخليج للتدخل المباشر السياسي والمالي في الشأن الداخلي المصري، في مرحلة التمهيد للانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013.
ما دلالة قيام السلطات المصرية بوضع العشرات من المعارضين المصريين -بينهم حقوقيون وإعلاميون وناشطون سياسيون- على قوائم الإرهاب خلال الفترة الأخيرة، وذلك تزامنا مع "الحوار الوطني"، ورغم أحاديث البعض عن "التهدئة والحلحلة المرتقبة"؟
لا أظن أن المسألة ذات صلة بما يسمى "الحوار الوطني"، إلا لو كان من قبيل المبالغة في إذلال بعض مَن قبلوا المشاركة فيه دون شروط. أظن أن هذه القوائم هي رسالة مقصودة تتعلق باحتياج نظام الحكم الحالي لتكثيف "الإرهاب" المعنوي المضاد لمعارضيه الذين لم تشملهم القوائم، وذلك في مرحلة ستتفاقم فيها تأثيرات الكارثة الاقتصادية، بما قد يضطر السيسي لاتخاذ إجراءات اقتصادية أشد قسوة لا يمكن لأغلبية المصريين تحمل تبعاتها، و/أو قرارات سياسية يصعب على المعارضة -وربما بعض شخصيات داخل الحكم- ابتلاعها، وأستشهد هنا بقناة السويس على سبيل المثال.
ما مدى سيطرة السيسي اليوم على كل أجهزة ومؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية؟
هذه مسائل لا تحسب في زمن الأزمات والكوارث الكبرى بالورقة والقلم وبالأسماء؛ فما قد يُقال اليوم، قد يختلف بعد شهر أو أسبوع أو عشية نشر هذه المقابلة. ما يمكن قوله؛ إن الإجماع داخل دوائر الحكم حول جدارة السيسي كحاكم قادر على الوصول بمصر لبر الأمان اقتصاديا وسياسيا، محليا وإقليميا ودوليا، هو في أدنى مستوياته منذ ترشيح المجلس العسكري له لخوض ما سمي "بانتخابات" رئاسة الجمهورية منذ أكثر من 9 سنوات عام 2014. نتيجة لعمق الأزمة وتشعبها واستفحالها يوما بيوم، بسبب العجز عن اتخاذ القرارات اللازمة - في الوقت المناسب- لمواجهتها؛ فمن المتوقع أن يكون هذا التراجع في الإجماع داخل دوائر الحكم حول السيسي كحاكم، مرشحا لمزيد من التراجع، وليس للعودة للالتفاف حوله، ولا حتى للثبات عند المنحدر الراهن.
في زمن الانتخابات الرئاسية 2018 اتحدت دوائر الحكم -باستثناءات محدودة جدا- خلف السيسي في مواجهة مرشحين أقوياء من داخل المؤسسة العسكرية، مثل رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان، وقائد سلاح الطيران الأسبق الفريق أحمد شفيق، ومنعهما بالقوة المنافية للقانون من ترشيح أنفسهم. كان هناك فائض من الثقة والقروض والسخاء المالي الخليجي، ولم تكن الأزمات الكبرى قد لاحت في الأفق بعد، بينما كان يبدو أن كلا من شفيق وعنان قد صارت لهما خيارات سياسية لا تتطابق مع خيارات نظام مبارك أو السيسي.
لا أظن أن ذات دوائر الحكم سيكون لديها ذات الدوافع لاتخاذ ذات الموقف، إذا وجدت نفسها إزاء موقف مشابه في انتخابات 2024 الرئاسية. بل مع استمرار تفاقم الأزمة وانعكاساتها، فمن المحتمل أن تبدأ بعض دوائر الحكم في البحث عن كبش فداء، تضحي به لتمكين نظام الحكم الحالي من الاستمرار بأساليب ووجوه أخرى. إذا أخذ تفاقم الأزمة أبعادا سياسية تمتد ما وراء الاقتصاد لتهدد موقع المؤسسة العسكرية الاحتكاري في الحكم، فليس من المستبعد أن يكون السيسي ذاته هو كبش الفداء.
لقد لاحظنا مؤخرا كيف بادر السيسي بإزاحة كرة الاتهام عنه إلى مدبولي -أضعف شخصية لرئيس وزراء مصري منذ حكم العسكر 1952- لكن تسويق مدبولي "ككبش" مسؤول عن أخطر أزمة اقتصادية لا يمكن أن يقنع حتى طفل مبتدئ في السياسة. من الضروري ألا ننسى، أن حسني مبارك لم يكن في 11 شباط/ فبراير 2011 إلا كبش فداء للتمكين لنظام الحكم من الاستمرار بوسائل ووجوه أخرى، حتى لو جرى ذلك على أكتاف انتفاضة شعبية.
هل هناك إمكانية لحدوث إفاقة وتحرك في صفوف مَن يصفهم البعض بـ "العقلاء والحكماء داخل مؤسسات الدولة" أم إنه لا توجد أي فرصة أو إمكانية لتحرك هؤلاء؟
التطلع لاستيقاظ العقلاء والحكماء داخل مؤسسات الدولة -أي دولة- واضطلاعهم بمسؤولياتهم الأخلاقية قبل السياسية مطلوب دائما؛ لأن هذا التطلع ينطلق من إدراك أن الإصلاح والتغيير المنظم هو أطول عمرا وأكثر أمانا من التغيير الفوضوي غير المنظم وغير المدروس.
ما يرجح احتمال ذلك في مصر، هو مدى تفاقم كارثتها الاقتصادية والمعيشية وتحولها لأزمة وجودية، وانحدار المكانة الأدبية للدولة وللجيش لدى عموم المصريين إلى أدنى مستوياتها منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967.
من الضروري تأمل التصدع الذي أصاب ثاني أقوي دولة عسكريا في العالم (روسيا) خلال الأيام الماضية، بسبب تفاقم حكم الفرد غير الخاضع لأي مراقبة من مؤسسات الدولة "التي كانت عظمى"، والتي لم يصعد نجم بوتين إلا على أنقاضها.
استمرار صمت العقلاء من المدنيين والعسكريين داخل نخبة الحكم على ما يحدث لمصر وللمصريين في السنوات الأخيرة، أو الاكتفاء بكلمات ناقدة خجولة من حين لآخر، هو بمنزلة تصويت على قرار غير معلن بترك الدولة تنزلق على منحدر الانتحار.
وكيف تقيم حالة المعارضة المصرية؟ أليست في وضع أسوأ وأضعف من وضع النظام؟
هذه مفارقة هائلة؛ ففي الوقت الذي أصبح فيه نظام الحكم الحالي في أضعف لحظاته خلال الـ 10 سنوات الماضية، يتلفت المصريون حولهم مُستغيثين، فلا يجدوا معارضة مُنظمة (علمانية أو إسلامية) حتى ولو بشكل رمزي، تسعى لشغل الفراغ الناجم عن إفلاس نظام الحكم الحالي، ولو بورقة عليها برنامج مدروس يقدم بديلا حقيقيا؛ فليس لدي علم بأن أي جماعة سياسية معارضة داخل أو خارج مصر لديها تشخيص علمي للأزمة الكارثية الحالية، وخطة أو برنامج مدروس.
بالطبع لا أعني بذلك بضع شعارات تبرهن على حسن نيات أصحابها. أتمنى أن أكون مخطئا، وأن يكون صمت قبور المعارضة، وضجيج ما يسمى الحوار الوطني، يخفي عملا جديا يجري في صمت. هناك بالطبع مَن يفسرون الموت الإكلينيكي للمعارضة بقسوة القمع غير المسبوق في مصر، وهو لا شك عامل مهم، لكنه لا يكفي لتفسير التحلل الكلي للمعارضة، مع كل الاحترام والتقدير للثمن الإنساني الباهظ الذي دفعته أفرادا وجماعات. بالطبع من المبكر إصدار حكم على تحالف "التيار الحر" الذي أعلن عنه بمؤتمر صحفي الأحد الماضي، وعما إذا كان مؤشرا على ميلاد معارضة أكثر إدراكا لمسؤولياتها التاريخية، أم مجرد رقم جديد في ذات الطابور.
قد يساعدنا على محاولة فهم ما حدث للمعارضة المصرية؛ ملاحظة في هذا السياق أنها لا تُشكّل استثناء؛ فهناك حالة انهيار متفاوتة العمق والسرعة تمر بها كل الأحزاب الأيدولوجية (علمانية وإسلامية) في العالم العربي منذ ما قبل الربيع العربي. ورغم أن نجم الأحزاب الإسلامية بزغ باتساع المنطقة خلال الربيع، إلا أن شعبيتها بدأت تدريجيا تتراجع ثم بتسارع. التراجع في مصر بدأ بعد أسابيع من انتخاب محمد مرسي رئيسا، ثم تحوّل لمعارك شوارع قبل الانقلاب بأكثر من 6 أشهر.
في تونس، اضطرت حركة النهضة للتخلي عن رئاسة الحكومة تحت ضغط معارضة شعبية عام 2014، ثم تعرضت لانشقاقات مؤثرة بين قادتها التاريخيين، قبل أن يعلن قيس سعيّد انقلابه الدستوري عام 2021. وعندما جرى القبض مؤخرا باتهامات ملفقة على راشد الغنوشي؛ الزعيم التاريخي لحركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي وأهم مفكر للإسلام السياسي في العالم العربي، لم يحدث أدنى احتجاج شعبي.
في المغرب خسر حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي منصب رئاسة الحكومة، بعد أن تلقى أسوأ هزيمة انتخابية عام 2021، بل جاء ترتيبه الثامن. بالطبع حال الأحزاب العلمانية في هذه الدول الثلاث أسوأ، بصرف النظر عن فوزها في انتخابات المغرب. في السودان؛ أطاحت الانتفاضة في عام 2019 بتحالف إسلامي عسكري حاكم.
واقع الحال أن الزمن لم يتجاوز فقط نظم الحكم في المنطقة كما يظن بعض المراقبين، بل أيضا المعارضة التي لم تعد قادرة على التكيف مع زمنها، ومازالت متخندقة خلف متاريس أيديولوجية وهوياتية لا تجيب على أسئلة الحاضر المأزوم، ولا تفيد في تعزيز المصالح الكلية المادية للشعوب. هناك ماض يموت بحكامه ومعارضاته، لكن المخاض المتواصل للعالم العربي لم يأت بالجديد بعد.
أظن أن الموجة الثانية من الربيع العربي التي اجتاحت العراق ولبنان والجزائر والسودان عام 2019 كانت خطوة تاريخية مهمة على طريق هذه الاستفاقة. فخلافا للموجة الأولى، جاءت الموجة الثانية موجّهة ضد نظم الحكم، لكنها أيضا تجاوزت كل أو أغلبية أحزاب المعارضة الرئيسية التقليدية العلمانية والإسلامية. للأسف الموجة الثانية فشلت، لكنها على الأرجح تُشكّل مؤشرا على طبيعة الموجات المستقبلية القادمة الثالثة والرابعة وغيرهما.
المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، قال؛ إن "الإخوان" فوجئوا بأن المشهد الافتتاحي لـ "الحوار الوطني" يوم 3 أيار/ مايو الماضي، ضم جميع أبناء 30 حزيران/ يونيو الذين أجمعوا تماما على رفض الجماعة في 2013، مؤكدا أن "هذا مشهد مفزع للإخوان".. فهل معسكر 30 حزيران/ يونيو استعاد وحدته في مواجهة الإخوان، كما يقول رشوان؟
تحالف 30 حزيران/ يونيو مات بعد عام واحد من تاريخ إشهاره، أي عند انتخاب السيسي رئيسا. الإشارة الأولى لنهاية تحالف 30 حزيران/ يونيو جاءت بعد نحو 4 شهور، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 بإصدار قانون التظاهر القمعي، ثم تطبيقه الفوري على بعض أبرز الرموز العلمانية بالقبض عليها ومحاكمتها وإصدار أحكام تعسفية عليها بذات المنهجية التي اتبعت مع الإخوان المسلمين. وفي نهاية الشهر التالي اضطر نائب رئيس الوزراء آنذاك، الدكتور زياد بهاء الدين، لتقديم استقالته، ثم قُبلت في كانون الثاني/ يناير 2014، ثم توالت استقالات وإقالة الوزراء رموز الشق المدني من التحالف.
عندما شكّل السيسي كرئيس جمهورية أول وزارة له في حزيران/ يونيو 2014، خلت تقريبا من أي رمز ذي وزن يجسد الشق المدني من صيغة تحالف 30 حزيران/ يونيو، في ذات الوقت الذي بدأ السيسي يشن حربا لا هوادة فيها على ما بقي من رموزه في العمل السياسي العلني. هذه الحرب لم تتوقف بدعوته للحوار الوطني في نيسان/ أبريل 2022، ولا عند يوم افتتاحه 3 أيار/ مايو 2023، بل وحتى اللحظة الراهنة. الحوار الجاري هو مكلمة مفتوحة بين حلفاء الأمس، الذي قرر طرف فيها: "السجان" بإرادته المنفردة فصم التحالف بعد أن استنفذ أغراضه في الشهور الستة الأولى، وقمع الحليف دون هوادة لأكثر من تسع سنوات. ثم قرر الجلاد دعوة "الأسير" لحوار مُذل دون شروط، الذي ارتضى منذ البداية أن تكون الكلمة الفاصلة في خلاصات "الحوار" للسجان: رئيس الجمهورية.
وهل انعدام وجود البدائل السياسية سيجعل السيسي ونظامه هو الخيار الوحيد أمام مؤسسات الدولة والقوى الإقليمية والدولية؟
لقد فتح السيسي في غمار التحضير لانقلابه العسكري عام 2013 باب جحيم التدخل الإقليمي في اختيار مَن يحكم مصر. هذا الباب لم يُغلق، بل انفتح على مصراعيه منذ العام الماضي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر. من ثم، فإن بعض دول الخليج سيكون لها على الأرجح صوتا حاسم في تقرير مصير السيسي ومَن سيخلفه. لن يُغلق باب التدخل الإقليمي دون توافر توافق وطني عريض يجمع العقلاء المدنيين والعسكريين في نخبة الحكم مع عقلاء المعارضة وعموم المصريين، ليس فقط على مَن يخلف السيسي، الأهم هو التوافق على خريطة طريق سياسية اقتصادية للمستقبل. بدون ذلك التوافق، ستصير مصر مُهدّدة بأن تصير ملعبا للوصاية الإقليمية والدوية على النحو المشؤوم الذي جرى منذ قرن ونصف زمن الخديوي إسماعيل.
ضياء رشوان قال؛ إن إجراءات فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر المقبلين، رغم أن فتح باب الترشح في انتخابات الرئاسة التي أجريت عامي 2014 و2018، كان في 31 آذار/ مارس و20 كانون الثاني/ يناير.. فهل بذلك سنكون أمام انتخابات مبكرة بصورة أو بأخرى؟
هناك جدال قانوني حول هذه المسألة لا أريد أن أكون طرفا فيه، لكني ألاحظ أنه من المنظور السياسي؛ فإن التبكير قدر الإمكان بإجراء الانتخابات الرئاسية (اليوم قبل الغد) هو أمر يصب لصالح السيسي، ليس في مواجهة المرشحين المنافسين المحتملين، بل لقطع الطريق أمام أي احتمالات لا يملك التحكم فيها قد تحول دون ترشحه.
صرّحت مؤخرا بأن مصر وفق ظروفها الاقتصادية والسياسية لن تستطيع الوصول إلى محطة الانتخابات الرئاسية التي لم يتبق عليها سوى أشهر قليلة.. فماذا تقصد تحديدا؟ وعلى ماذا بنيت هذا التحليل؟
لم أقطع بذلك، بل قلت: "قد" لن تستطيع الوصول لمحطة الانتخابات الرئاسية. هناك عدة أسباب محتملة لذلك؛ مثل تفاقم سخط المصريين وخروجه عن دائرة السيطرة بسبب العجز المتزايد عن تأمين الحد الأدنى من احتياجات المعيشة اليومية، و/أو عجز الدولة عن سداد الديون المستحقة قبل نهاية عام 2023، و/ أو عدم التوصل لاتفاق مع كبار الدائنين على إسقاط جزء من الديون أو إعادة جدولتها، و/ أو تصاعد التوتر داخل دوائر الحكم بسبب ضغوط الكارثة الاقتصادية، والتبادل أو التقاذف المحتمل للاتهامات بالمسؤولية عنها. بالطبع، لا يتوقع أي محلل حصيف أن تكون المؤسسة العسكرية بمنأى عن هذا التوتر، بل ربما صارت في قلبه.
هل ما سيجري في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيكون على غرار ما حدث في 2014 و2018؟
لا أظن أنه يمكن مقارنة انتخابات 2014 و2018 بانتخابات العام القادم، حتى لو ترشح وفاز بها السيسي. ففي الانتخابات السابقة كان فوز السيسي بها أمرا مفروغا منه، بمجرد ضمان توحد نخبة الحكم والمؤسسة العسكرية خلفه. اليوم هذا الأمر صار سؤالا مفتوحا، سنعرف الإجابة عليه تدريجيا كلما اقتربنا من موعد فتح باب الترشح لها. التغييرات العسكرية والأمنية المحدودة مثلما جرى عشية انتخابات 2018 لن تفيد كثيرا في هذا السياق؛ فالأرجح أن احتمال عدم التوافق بخصوص استمرار السيسي في سدة الحكم سيأتي من الشرائح العليا في نخبة الحكم، وأي إزاحة محتملة للسيسي، ستحدث من داخل نظامه بدعم خليجي.
مَن هو الشخص القادر على منافسة السيسي في انتخابات الرئاسة المقبلة برأيكم؟ وهل يمكن إجبار السيسي على إجراء انتخابات رئاسية حقيقية؟
علينا أن نتذكر أن المنافس الرئيسي لمحمد مرسي في انتخابات جرت بعد عام واحد من انتفاضة يناير، كان ينتمي للنظام القديم الذي أطاحت هذه الانتفاضة برأسه. مع ذلك، انتهت انتخابات 2012 بفارق ضئيل بينهما (نحو 3% فقط من أصوات الناخبين). على الأرجح فإن المنافس القادر على منافسة السيسي في ظل المعطيات السياسية الراهنة، هو مرشح ينتمي للنظام القديم/ الجديد، وعلى الأرجح يتمتع بدعم دول الخليج. هذا الاحتمال المحزن بحد ذاته، يوضح إلى أي درك انحدر حال مصر في السنوات العشر الأخيرة. مصر تفقد "استقلالها" تدريجيا دون احتلال أجنبي.
من الصعب تصور حدوث انتخابات رئاسية نزيهة وحرة في مصر العام القادم، دون حدوث ما يشبه الانقلاب أو الثورة قبل انعقادها. علينا ألا ننسى أنه لكي تتمكن مصر من تنظيم انتخابات رئاسية حرة نسبيا عام 2012، كان لا بد من انتفاضة يناير 2011.
مؤسسة كارنيغي، أصدرت خلال الشهر المنصرم، دراسة بعنوان: "هل مصر أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تُنقذ؟"، فبماذا يجيب بهي الدين حسن على هذا السؤال؟
منذ اُن اضطر ملايين السوريين للجوء لأوروبا ودول أخرى من جراء القمع الوحشي الذي تعرضوا له على أيدي الجزار بشار الأسد وقوات الاحتلال الروسي والإيراني، بادر السيسي بتحوير ذلك ليكون سلاح ابتزاز لشراء صمت المجتمع الدولي على جرائمه وتسوّل المعونات المادية لنظامه والقروض، حتى صارت مصر ثاني أكبر مقترض في العالم.
ترتكز معادلة الابتزاز على فرضية أن "مصر أكبر من أن يسمح العالم بفشلها"، لأن تعداد سكانها الذي يمثل تقريبا خمسة أضعاف تعداد سوريا، يُشكّل قنبلة لا يمكن احتواء آثارها، إذا اضطر قطاع واسع من المصريين للهجرة غير الشرعية، أو تغاضى حرس حدود السيسي عن منعهم من ركوب قوارب الموت إلى أوروبا.
لكن محدودية قيمة القرض الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مقرونا بشروط إصلاح اقتصادي جاد، بعضها كان يجب أن تبادر به إدارة السيسي بنفسها منذ 2016، يشير إلى احتمال أن المجتمع المالي الدولي (هذا يشمل كبرى دول الخليج العربي أيضا)، يتجه للتعامل مع الأزمة الحالية باعتبار أنها "أكبر وأعمق من أن يستطيع تفكيكها"، طالما أن المسؤولين عنها وعن تفاقمها لا يتخذون خطوات جادة لتذليلها قبل وبعد الاتفاق مع الصندوق، بما في ذلك الوفاء بما سبق أن وضعوا توقيعهم عليه.
بالطبع هذا لا يعني قرارا بإغراق مصر؛ فالمسؤولية تقع على مَن اتخذوا قرارات لا تخضع لأي رقابة شعبية بإغراق مصر بديون جرى إنفاقها في مشاريع يفتخر رئيس الدولة علنا بأن جدواها لم تُدرس، بينما يلقي القبض على كل مَن ينتقد إدارة الحكم وأسلوب اتخاذ القرار في البلاد.
وبالطبع، هذا لا يستبعد الوصول لاتفاق خلف أبواب مغلقة بتأجيل أو إسقاط بعض الديون (مثال إسقاط ألمانيا مؤخرا لدين محدود: 54 مليون يورو، وطلب من السيسي تخصيصه لتحسين المناخ في مصر). لكن هذا سيكون مجرد ترحيل مؤقت للكارثة، ما لم يحدث تحول جوهري في فلسفة الحكم في مصر، وطريقة اتخاذ كبرى القرارات السياسية والاقتصادية والمالية الكبرى، ليسير على النحو الذي تُدار به الدول التي تستحق توصيفها كـ "دول". هذا هو جوهر المسؤولية التاريخية والأخلاقية التي تقع على عاتق عقلاء النخبة الحاكمة والمثقفة والمعارضة السياسية في هذا المنعطف المصيري.
في كانون الأول/ ديسمبر المقبل سيكون مضى 9 سنوات كاملة على قرار مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الخاص بنقل جميع برامجه الإقليمية والدولية خارج مصر.. فهل من المحتمل أن تعود تلك البرامج للعمل من القاهرة مرة أخرى؟
طبعا هذا أمر محتمل، لكننا لا نخطط لمثل هذا الاحتمال في المدى المنظور.