نشر موقع "
ميدل إيست آي" مقال رأي للكاتب روبرت سبرينغبورغ، وهو زميل باحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية وأستاذ مساعد بجامعة سيمون فريزر، قال من خلاله إنه في ظل "
مصر السيسي"، لا يوجد مهرب يسير من الحكم السلطوي.
واعتبر سبرينغبورغ، الذي سبق له أن شغل منصب مدير مركز الأبحاث الأمريكي في مصر، أن الانقلاب الذي قاده رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي، أثبت أنه شامل وفعال، معتبرا أنه "مالم تصل الفوضى والقلاقل إلى مستويات تهدد حكم العسكر، فلا يتوقع له أن يُستبدل".
وقال الكاتب إن رئيس النظام السيسي تمكن من إحكام قبضته على السلطة، على الرغم من أنه أشرف بنفسه على على القتل الجماعي لما يقرب من ألف من مواطنيه بعد أن استولى على السلطة في صيف 2013، وعلى الرغم من إعدامه للمئات وسجنه لعشرات الآلاف من المصريين، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر.
وأجرى سبرينغبورغ مقارنات بين نظام السيسي وتجارب استبدادية أخرى، على المستوى الإقليمي العربي، وكذلك على المستوى الدولي، قائلا: "لعل تقييم فرص السيسي المستقبلية يستوحى من سير أمثاله من الطغاة".
وأشار إلى أن "حصانة السيسي ضد الانقلاب منتظمة وفعالة، ولذا فمن غير المحتمل أن يُستخلف بغيره من زملائه الضباط ما لم تصل الفوضى والقلاقل إلى مستويات تهدد حكم العسكر".
لكنه توقع أن تتحول مصر إلى نوع من ميدان معركة خلفي تدور في داخله رحى حرب بالوكالة، هي في الأغلب غير عنفية، كما هو الحال في لبنان.
وشدد على أن "الآفاق السياسية والاقتصادية لمصر حالكة، حيث لا تبدو آفاق التحول الديمقراطي أو حتى تلطيف السلطوية الصلبة للسيسي مشرقة على الإطلاق"، مستدركا بالقول إن آفاق حكم السيسي أيضاً لا تبدو جيدة.
وتاليا نص المقال الذي ترجمته "عربي21":
على الرغم من أنه أشرف بنفسه على القتل الجماعي لما يقرب من ألف من مواطنيه بعد أن استولى على السلطة في صيف 2013، وعلى الرغم من إعدامه للمئات وسجنه لعشرات الآلاف من المصريين بسبب جنح سياسية مزعومة، وعلى الرغم من أنه دفع بثلث السكان نحو الفقر، وعلى الرغم من أنه راكم ما يقرب من 400 مليار دولار من الدين الوطني – هادراً الأموال على مقتنيات عسكرية لا فائدة ترتجى منها وعلى مشاريع إنشائية لا غاية منها سوى التفاخر والخيلاء – فقد تمكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من إحكام قبضته على السلطة.
ليس السيسي فريداً من نوعه من بين الحصيلة المتنامية للطغاة القاسية قلوبهم.
لقد انحسرت الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي، التي روج لها، والتي بدأت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وما لبثت أن حظيت بدفعة بفضل انهيار الاتحاد السوفياتي بعد خمسة عشر عاماً، تاركة وراءها حكاماً سلطويين أشد وطأة وسطوة من سابقيهم.
ولا أدل على ذلك من سلطوية السيسي الصلبة مقارنة بسلطوية مبارك الناعمة.
وهذا يثير تساؤلات مترابطة، مثل: لماذا ازدادت الأنظمة السلطوية مثل نظام السيسي شدة؟ وما هي مصائرها المحتملة في المستقبل؟ هل من المحتمل أن تضطر إلى الانفتاح والتحول إلى نسخ أكثر نعومة أو حتى شبه ديمقراطية؟ وهل يمكن لتجربتها في الاستيلاء على الحكم بقوة السلاح أن تتكرر، ولكن بحيث يكونون هم من يتلقون الضربة؟ وما هي فرص اندلاع ثورة أو حدوث انهيار في المنظومة؟
لعل تقييم فرص السيسي المستقبلية يستوحى من سير أمثاله من الطغاة.
التخلي عن "التحالفات"
ينجم التحول من النظم السلطوية إلى النظم الديمقراطية، على نسق ذلك الذي جرى في البرتغال في عام 1974، من إبرام تحالفات بين بعض مكونات النظام الناعمة ومعارضيه المعتدلين، والذين التحموا وتعاضدوا معاً ضد خصومهم الأكثر تشدداً.
سعت هذه المكونات الناعمة في النظام إما إلى الاحتفاظ ببعض السلطة أو على الأقل النجاة من العقاب على خطاياهم السياسية السابقة، بينما كان المعارضون المعتدلون على استعداد للسماح بالتجاوب مع تلك الرغبات والتخلي عن الانتقام من أجل ضمان تحول سلمي.
إلا أن الإصرار السلطوي يجعل هذا الأسلوب من التحول الديمقراطي عبر إبرام التحالفات أقل انتشاراً، وبات الآن لدى السلطويين أدوات قمع أكثر ودعم أوفر يركنون إليه.
لطالما كان إبرام التحالفات مرتبطاً بمواطنين على درجة عالية من الوعي السياسي والاستعداد للنفير وبعسكر مسيس ضباطه كانوا، على الأقل جزئياً، منقسمين فيما بينهم، تتنازعهم رؤى سياسية متباينة.
جرت التحولات عادة داخل بلدان لديها نوع من التقليد الديمقراطي، وتكون التحولات قد جاءت بعد أزمات اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. ومما تجدر ملاحظته أنه في العلوم السياسية وفي الأدبيات التي تتحدث عن "عملية التحول"، هناك شكل وحيد من الحكم العسكري يعتبر الأقل قابلية للتحولات نحو الديمقراطية بناء على تحالفات مبرمة، وهذه النظم توصف في العادة بأنها "سلطانية"، ويقصد بها نظام حكم متمركز حول شخصية زعيم عسكري، تماماً كما هو حال مصر الآن بزعامة السيسي.
السلطانية العسكرية
بالنسبة للعالم العربي تعتبر السلطانية العسكرية المصرية مزيجاً فريداً من العسكر المؤسسي والموحد سياسياً، والمدرك تماماً لدوره المركزي في الاقتصاد السياسي للبلاد، فيكرس نفسه له.
وهذا العسكر يقوده رئيس يعمد إلى مكافأة ومعاقبة الناس بناء على معلومات حول سلوكهم وتصرفاتهم يزوده بها جهاز استخباراتي متسلل إلى حياة المواطنين. أعده للقيام بدور الرئيسي السلطاني أنه يأتي من خلفية استخبارات عسكرية – والتي مهمتها الرئيسية هي التجسس على ضباط
الجيش.
كان الرئيس السابق جمال عبد الناصر ضابط مشاة، وكذلك كان أنور السادات، الذي خدم في ذلك المجال لأقل من خمسة أعوام. وأما مبارك، فجرى تصعيده من خلال سلاح الجو، الذي لا علاقة له بالسياسة. ولذلك كانت الحصانة من المحاولات الانقلابية ضد هؤلاء الرؤساء أقل فاعلية، كما تثبت ذلك المحاولات التي أوشكت أن تنجح ضد عبد الناصر وقام بها وزير دفاعه عبد الحكيم عامر، وكذلك ضد مبارك وقام بها وزير دفاعه عبد الحليم أبو غزالة.
في الحالتين تمكن الرؤساء من استباق المحاولات الانقلابية. وكان السادات يقوم باستمرار بتطهير سلك الضباط منذ حرب عام 1973، ربما لأنه كان يفترض أنهم يخططون للانقلاب عليه. وبالفعل، كانت المكيدة التي أودت بحياته نتاج مؤامرة حيكت بالتعاون بين الإسلاميين وضباط الصف، وإن كانوا من ذوي الرتب الدنيا.
بالمحصلة، نظراً لأن الجيش المصري جيش مؤسسي وغير مسيس بطبيعته (فيما عدا الاعتقاد بأن من حقه أن يحكم البلاد)، ولما كان خاضعاً لرقابة السيسي الحثيثة، فإنه لا تنطبق عليه الخواص الأساسية للتحول القائم على التحالفات. كما أنه ليس من النوع المغامر، ولذلك فإن من غير المحتمل أن يشارك في كارثة عسكرية كما فعل في عام 1967، وكما فعل الجيشان اليوناني والأرجنتيني.
يد واحدة
طبقاً للخط القياسي للقيادة المصرية العليا فإن دور الجيش يتمثل في الدفاع عن حدود مصر، وهو أمر، إذا ما تحرينا الصدق، مجانب للحقيقة، بدليل تدخلاته في كل من ليبيا والسودان. ولكنه الآن، وبكل وضوح، يتجنب التورط في مغامرات خارجية مرتفعة التكلفة، من النوع الذي أغرقه في مستنقع اليمن في الفترة من 1962 إلى 1968، ولعل ذلك الدرس هو السبب في رفض السيسي إرسال وحدات مصرية للانضمام إلى قوات محمد بن سلمان السعودية، التي تقاتل هناك بلا جدوى منذ عام 2015.
في الجانب الآخر من الانقسام العسكري/ المدني، فإن الأخير أبعد ما يكون عن التوحد ضد الأول، بينما تتطلب التحولات القائمة على التحالفات في العادة وجود مشاعر شديدة الاحتقان ضد العسكر. ولعل التظاهرات الجماهيرية التي انطلقت في عام 2011، "الشعب والجيش يد واحدة"، يعكس بدقة الصورة الإيجابية عن العسكر، ومدى انتشارها وعمقها.
على النقيض مما حدث في إيران في الفترة من 1978 إلى 1979، حينما كان الخمينيون عازمين على شق جيش الشاه من خلال تجنيد ضباط الصف الساخطين لصالح قضيتهم، فقد سعى المتظاهرون المصريون إلى كسب دعم الجيش ككل للتخلص من مبارك وإنهاء عهده.
لقد تنافس العلمانيون والإسلاميون فيما بينهم لكسب رضا العسكر، وفاز الإسلاميون في السباق، وإن كان فوزهم وجيزاً. اعتبر العسكر أن الإسلاميين أكثر كفاءة، وبذلك فهم قوة أفيد ولكن أخطر، يتطلبون حذاقة في التعامل خلال العام الذي قضاه مرسي في الرئاسة.
كما أن سلطوية السيسي الدؤوبة والصلبة، مثلها مثل سلطوية غيره من الطغاة المعاصرين، ناجمة عن استخدام أدوات سيطرة شمولية جديدة. لقد حل محل الأساليب القديمة، مثل مراقبة خطوط الهاتف وتجنيد البوابين من قبل جهاز المخابرات، أسلوب الرصد الإلكتروني، تقريباً لجميع أوجه الحياة التي يعيشها المواطنون.
مطلب أن تكون جميع التعاملات مع الحكومة إلكترونية، بدءاً بدفع فواتير الخدمات وانتهاء بالحصول على السلع المدعومة، إنما يعتبر مكملاً لما يمارس من رصد لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي واستعمال هذه المواقع لبث المعلومات المضللة، ناهيك عن التنصت المكثف على الهواتف الخلوية وعلى الإنترنت.
ما من شك في أن أثر ذلك على الخطاب العام مرعب وعميق، ولا شك كذلك في أن تلك هي غاية الحكومة التي تلجأ إلى أساليب الرقابة واسعة الانتشار لكي تقرر من عساها تسجن أو من عساها تخفي.
السياق العالمي
بقدر ما أن السياق المصري لا يفضي إلى تحول عن السلطوية، كذلك هو أيضاً السياق العالمي أو السياق الإقليمي.
تباطأت بشكل كبير موجة العولمة الاقتصادية التي ساعدت في الدفع نحو التحول الديمقراطي في 2007- 2008، ولم تتعافى منذ ذلك الحين. ما كان قائماً، ولزمن طويل، من ارتباط الطغاة الشيوعيين بانعدام الكفاءة الاقتصادية غدا جزءاً من تاريخ ولي، وحل محله الانطباع بأن السلطويين يبلون أفضل من الديمقراطيين في توجيه النمو الاقتصادي، وباتت الصين هي المجسد لذلك الاعتقاد، والتي تستخدم قوتها الاقتصادية لتعزيزه.
بات يعتقد الآن على نطاق واسع أن النظام العالمي المالي الذي أوجده الأمريكان إلى حد كبير، والمرتبط بشكل وثيق بالدولار الأمريكي، إنما يخدم البلدان الغربية الثرية على حساب جميع من تبقى من أقطار الأرض. وغدا من المذهل مقارنة الحاضر بما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما وقعت البلدان الديمقراطية فريسة للركود الاقتصادي بينما بدأ كل من الاتحاد السوفياتي وألمانيا في الازدهار، على الأقل نسبياً.
إلى أن غرق في الدين وفي أزمة العملات الصعبة، كان يتم استعراض الاقتصاد المصري من قبل السيسي باعتباره دليلاً حياً على أنه، وأبعد ما يكون عن كونه منعدم الكفاءة من حيث النمو الاقتصادي، فإن الفضل فيه يعود إلى الحكومة السلطوية. ولم يبق إلا أن يتخلى عن زعمه ذاك حتى وهو يتظاهر بأنه إنما يحرر الاقتصاد ليتمكن من الحصول على مزيد من القروض من صندوق النقد الدولي ومن غيره.
تغدو بلا قيمة تعهدات صندوق النقد الدولي بأن مصر سوف تقلص الإنفاق على مشاريع التفاخر والتباهي المكلفة جداً طالما استمر الإعلان عن مشاريع جديدة منها.
السياق الإقليمي
يمكن تصنيف الاقتصاديات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ثلاث شعب، يأتي في مقدمتها أصحاب الأداء الراقي، ومن ضمن هؤلاء دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، الذين يتم بشكل متزايد عولمة طموحاتهم السياسية، بترافق مع تراجع مصالحهم الإقليمية.
مثلها مثل واشنطن والعواصم الأوروبية، ترى هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبشكل متزايد، أن الاستثمارات الاقتصادية والسياسية المكثفة في المنطقة أشبه ما تكون بجني أرباح أسهم غير كافية، على الأقل مقارنة بالاستخدامات الممكنة الأخرى لرؤوس أموالها ولدبلوماسيتها.
لا غرو أن تداعيات إعادة التموضع والتوجه تلك تشعر بها الأقطار الأخرى في المنطقة.
كان لبنان أول من جرب تراجع الاهتمام من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وبالذات من قبل المملكة العربية السعودية، كما تجلى ذلك بوضوح عندما تم التخلي عن سعد الحريري وفرض حظر على تدفق رأس المال إلى بيروت. ها هي مصر الآن تخضع لمعاملة شبيهة، وإن كانت أقل قسوة. بل وراح الإعلام السعودي، وبشكل متزايد، ينتقد السيسي. وكما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، ترفض السعودية إيداع مزيد من الأموال في البنك المركزي المصري، وتطالب بدلاً من ذلك بتعويض ما يتم إدخاله من مال بامتلاك أسهم في المشاريع التي تملكها الدولة.
تعطل لشهور إنجاز هذه الصفقات بسبب المساومة على شروط تلك المبيعات. الرسالة واضحة، ومفادها: بات السيسي ومصر الآن اهتمامات ثانوية بالنسبة لحكام دول مجلس التعاون الخليجي.
ونفس الشيء ينطبق على إسرائيل. فنظراً لأنها لم تعد تشكل تهديداً عسكرياً، كانت القيمة المتبقية لمصر لدى القدس لا تتجاوز كونها وسيطاً بينها وبين الفلسطينيين، وبقدر أقل بينها وبين بعض الأقطار العربية الأخرى. إلا أن نفوذ القاهرة في كلتا الحالتين آخذ في التآكل، وباتت إسرائيل قادرة الآن على تجاوزها وإبرام تفاهمات مباشرة أو الاستفادة من علاقاتها ببلدان مجلس التعاون الخليجي للضغط على الفلسطينيين.
تأتي في مؤخرة الشعب الثلاث التي يمكن تقسيم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إليها الدول الفاشلة في كل من ليبيا والسودان وسوريا واليمن، وإلى حد ما العراق ولبنان. تتمثل المصلحة الأولى للدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ضمان ألا يسود في أي من تلك الدول الفاشلة طرف يبادرها بالعداء. ولكنها غير مستعدة لاستثمار أي جهد مالي أو سياسي يلزم لإعادة بناء أي منها.
أما الدول العربية التي تأتي في الوسط بين هذه وتلك، فيمكن أن تسمى "الدول الناجية"، وهذه تتضمن كلاً من المغرب والجزائر وتونس ومصر، وجميعها تقل في شمال أفريقيا. وكلها سلكت نفس درب التحول من سلطوية ناعمة مروراً بانتفاضات شعبية وانتهاء بحكم سلطوي أعتى وأقسى.
لا يوجد من بين هذه البلدان من ينتظره مستقبل اقتصادي أو سياسي مشرق، كما لا يوجد من بينها من يحظى باهتمام كبير من قبل دول الخليج. أهم ما تملكه هذه البلدان من رأسمال هو أنها ليست بعد دولاً فاشلة، ما زال لديها القدرة على السيطرة على تدفق المهاجرين وعلى ردع الإرهاب.
وتلك هي الهموم التي تحفز المصلحة الأوروبية في الاستمرار في تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لأنظمة هذه البلدان، حتى لو كانت كلها معادية للديمقراطية.
ولذلك فإن من المفارقات أن يكون الغرب، وبشكل خاص أوروبا، هو من يكفل كلاً من مصر والسيسي. وعلى الرغم من أن السيسي قد يشتري الأسلحة والمفاعل النووي من موسكو، وقد يسعى للحصول على استثمارات صينية في منطقة قناة السويس، إلا أن الحبل السري الذي يبقيه على قيد الحياة يرتبط، وبشكل متزايد، بالعواصم الغربية التي تمده من خلاله بما يحتاج إليه من مقومات على شكل منح وقروض.
طبيعة هذه العلاقة من حيث الجوهر هي الابتزاز، حيث تدفع البلدان الغربية من أجل الحيلولة دون أن تحل الفوضى محل المبتز أو من أجل تجنب أن يرفض المبتز التعاون معها في السيطرة على الهجرة أو مكافحة الإرهاب. وهذه علاقة غير صحية، ولا يتوقع أن تحرر مصر من الحكم السلطوي للسيسي.
تبعات ذلك على مستقبل مصر
الآفاق السياسية والاقتصادية لمصر حالكة. ففي غياب متطلبات التحول التحالفي بعيداً عن حكم العسكر السلطوي، لا تبدو آفاق التحول الديمقراطي أو حتى تلطيف السلطوية الصلبة للسيسي مشرقة على الإطلاق. إلا أن آفاق حكمه أيضاً لا تبدو جيدة.
تواجه مصر أزمة اقتصادية لا قبل لها بحلها، وذلك بسبب ما فيها من عيوب وبسبب تراجع الدعم الخارجي. ولسوف يستمر الإفقار وتفشي الفساد في تآكل الدعم الشعبي. وعلى الرغم من أن من غير المحتمل أن يواجه النظام معارضة قوية وموحدة، سواء كانت سلمية أو من النوع العنيف، إلا أنه لن يسلم من الفوضى والقلاقل.
ولكن حصانة السيسي ضد الانقلاب منتظمة وفعالة، ولذا فمن غير المحتمل أن يُستخلف بغيره من زملائه الضباط ما لم تصل الفوضى والقلاقل إلى مستويات تهدد حكم العسكر.
يشبه هذا السيناريو لبنان المعاصر، فعلى الرغم من الامتعاض الشديد لجمهور متضرر ومسلوب الإرادة، تستمر النخبة الحاكمة الحالية، والتي تعتمد في بقائها، في هذا الوضع، على جهاز مخابرات فعال وعلى مليشيات حزب الله، في التمسك بالسلطة. وكما أن العالم لم يسارع إلى تفريج كرب اللبنانيين، فإن من غير المحتمل أن يسارع إلى إنقاذ المصريين مما يعانونه من إدارة حكم سيئة وظروف اقتصادية متدهورة.
بل الأغلب أن مصر سوف تتحول إلى نوع من ميدان معركة خلفي تدور في داخله رحى حرب بالوكالة، هي في الأغلب غير عنفية، كما هو الحال في لبنان، حيث تمضي القوى الخارجية المتنافسة في السعي لخدمة مصالحها من خلال الحيلولة دون أن تغدو اليد العليا لخصومها.
لن يكون من بين القوى الخارجية، أو أي تشكيلة معينة من هذه القوى الخارجية، من ستحدثه نفسه بالإقدام على استثمار سياسي كاف أو استثمار موارد اقتصادية من شأنها تعديل مسار سفينة الدولة أو إنقاذ الاقتصاد فيها. في مثل هذا الوضع، سوف يسعى كثير من أفراد الشعب المصري، مثلهم في ذلك مثل اللبنانيين، للنجاة بأنفسهم من البؤس والشقاء، وذلك من خلال البحث عن ملاذ آمن وأكثر ملاءمة يهاجرون إليه.