ما زالت
دولة الاحتلال تعيش هواجس عديدة، داخلية وخارجية، تضع تحديات خطيرة على مستقبلها القادم، لاسيما تزايد التركيبة السكانية الدينية المتطرفة، وغياب سيطرة الدولة على مناطق الشمال والجنوب، وهذا قبل الحديث عن خطر القضية الفلسطينية الكبرى، والمخاوف الاقتصادية، كل هذا يهدد صورتها كدولة صهيونية ليبرالية.
وفيما لا زال الاسرائيليون يعانون تبعات كمين جنين، وما أعقبه من أعمال شغب المستوطنين في القرى الفلسطينية، وانتفاضة الدروز في مرتفعات الجولان، واستمرار وجود حزب الله داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومواصلة الانقلاب القانوني، والدراما الحاصلة في محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كل هذه الأحداث تصدرت عناوين وسائل الإعلام، وهي ليست سوى غيض من فيض المشاكل التي تواجه دولة الاحتلال، فضلا عن مشاكل وجودية خارجية ظاهرة مثل حماس وحزب الله وإيران، وتهديدات داخلية تتعلق بالانقلاب القانوني.
الديموغرافيا الدينية
ميشكا بن دافيد أحد قادة جهاز الموساد، أكد أن "دولة الاحتلال مدفوعة إلى مشاكل ثقيلة تطغى عليها من الداخل، وتغير مظهرها بالكامل، أخطرها انسلاخها من شكلها الليبرالي العلماني، بما يعكس مواقف المعارضة اليهودية، والليبراليين في الليكود، والدينيين المعتدلين، لكن الحاصل أن الديموغرافيا اليهودية الدينية المتطرفة تتزايد مقارنة بسواها من الكتل السكانية اليهودية الأخرى، أكثر من ستة أطفال لكل عائلة دينية متطرفة مقارنة بـ2 لكل عائلة علمانية، أي أن الحريديم سيشكلون 49٪ من سكان الدولة بحلول عام 2065، وفي غضون جيل واحد سيكون هناك أغلبية غير صهيونية، ولن تكون إسرائيل في ذكرى تأسيسها المائة دولة صهيونية".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، ترجمته "عربي21" أن "المشكلة الثانية هي فقدان الحكم والسيطرة في أجزاء كبيرة من الدولة، حيث تفتقر الشرطة لأي قدرة على العمل في الأحياء الدينية المتطرفة، وكذلك الفلسطينية، التي تتحول لما يشبه الحكم الذاتي، فهناك مئات آلاف الأسلحة غير المشروعة يمكن استخدامها في يوم إصدار أمر ضد اليهود، مما يجعلنا أمام حرب أهلية حقيقية، كما رأينا مقدمتها في هبة الكرامة مع فلسطينيي48 في أيار/ مايو 2021، وهو ما تكرر مع دروز الجولان والجليل والكرمل".
وأوضح أن "المشكلة الثالثة هي عدم القدرة على السيطرة على الضفة الغربية مع 2.5 مليون فلسطيني، بما فيها آلاف المسلحين الذين لا يعرفون الخوف، وعدم القدرة على حماية مئات آلاف المستوطنين اليهود، مع زيادة جرأة المقاومين".
قوى المقاومة
وأشار بن دافيد إلى أن "المشكلة الرابعة تتمثل بقضية القدس الكفيلة بتفجير القضية الفلسطينية، وتتجلى في غياب السيطرة الإسرائيلية في بعض أحيائها ومخيمات اللاجئين فيها، حتى أصبحت أكثر انقسامًا من أي وقت مضى، وفي أعمال مقاومة ينفذها حملة بطاقات الهوية الزرقاء، فيما أصبح المسجد الأقصى برميل متفجرات يشعل الأحداث الصعبة".
وأكد أن "المشكلة الخامسة وتتجاهلها الدولة تتمثل بالمواقف الغربية والولايات المتحدة، التي سئمت من محاولاتنا المستمرة للضمّ والاستيطان غير القانوني، وتدير ظهرها لنا، مع أن الجيش يعتمد على المساعدات الأمريكية، والدولة برمّتها تعتمد على التعاطف السياسي الغربي معها، لكن الغرب كله اليوم منزعج من تحركات
الحكومة المتعلقة بالانقلاب القانوني والبناء الاستيطاني، والطلاب الأمريكيون اليوم متأثرون بشدة من حركة المقاطعة، رغم أنهم سيكونون غدا مشرعون ومسؤولون حكوميون في واشنطن، لكنهم مناهضون لإسرائيل".
ولفت إلى أن "المشكلة السادسة تتعلق بمجموعة من المخاطر الأمنية ذات الإمكانات الوجودية المباشرة، ولا تستطيع الحكومة التعامل معها، وتوجيه الاهتمام والموارد اللازمة لمواجهتها، خاصة حركة حماس التي لديها أكثر من عشرة آلاف صاروخ في غزة، وحزب الله في لبنان بـ150 ألف صاروخ، وإيران بمواد انشطارية لعدة قنابل نووية وكافية، وصواريخ باليستية تصل إسرائيل".
الفجوات الاقتصادية
وأوضح أن "المشكلة السابعة تتمثل بالأضرار الاقتصادية والاجتماعية، صحيح أنها غير موجودة في هذه المرحلة، لكن شدتها ستزداد سوءً، حيث يدفع نصف الإسرائيليين فقط ما عليهم من ضرائب، وإنتاجية العامل الإسرائيلي في تراجع مستمر مقارنة بالدول المتقدمة، وستستمر بالانخفاض بسبب نقص المهارات الرياضية والتكنولوجية، وعدم الرغبة في العمل بين القطاعات الأرثوذكسية، وسيزداد العبء المفروض على دافعي الضرائب إلى نقطة الانهيار التي قد تتجلى في الزيادات الضريبية، لكن تدهور الوضع الاقتصادي سيوقف الاستثمار في التكنولوجيا العالية، وسيسرع من تحول اقتصادنا إلى اقتصاد العالم الثالث".
وأشار إلى أن "المشكلة الثامنة تتمثل بالفجوات بين الأقلية التي تمتلك إمكانيات الدولة، والأغلبية التي لا تملكها، مما سيؤدي لتفاقم الاستقطاب الاجتماعي، وتجعل من الصعب تشكيل جبهة موحدة في الصراع مع المشاكل الأخرى، وكل هؤلاء سويًا سيعانون من تحويل ضخم للميزانية التي لا تساهم في الاقتصاد والأمن، خاصة طلاب المدارس الدينية وعائلاتهم, كما سيعاني الجيش من مشاكل في الميزانية نتيجة للوضع الاقتصادي، ومشاكل الأفراد بسبب الإحجام عن التجنيد في الوحدات القتالية، ونقص المهارات للالتحاق بالوحدات التكنولوجية، مما سيؤثر على قدرته على التعامل مع المشاكل الخارجية".
حلول جزئية
وأكد أن "كل هذه المشاكل موجودة مع أو بدون الانقلاب القانوني، وهو تهديد آخر لإسرائيل الليبرالية، وحتى لو لم يحدث الانقلاب أبداً، فإن هذا التهديد موجود نتيجة لكل ما سبق، ويتطلب حلولا على رأسها فصل الدين عن الدولة، لإضعاف سلطة المؤسسات الدينية، والمحاكم الحاخامية والكهنة الدينيين الآخرين، وإلزام الخدمة العسكرية، وتشجيع الفصل بين اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية، ونقل السيطرة على الفلسطينيين لكيان يوافق على نزع السلاح والترتيبات الأمنية، على غرار "صفقة القرن"، حتى دون التوصل لاتفاق مع السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي".
ودعا الكاتب إلى "محاربة البؤر الاستيطانية غير القانونية، وإلغاء الحقائق التي تم تأسيسها بشكل غير قانوني على الأرض، وتقليل الاحتكاك بين السكان، وإزالة فكرة اليمين المتطرف المضللة من جدول الأعمال بضمّ الأراضي الفلسطينية، التي من شأنها أن تجعلنا دولة ثنائية القومية، ويحولنا لدولة فصل عنصري غير أخلاقية وجذام منبوذ، والمضي قدمًا في حل قضية القدس، وتحييد برميل البارود المعروف باسم المسجد الأقصى من خلال اتصالات مكثفة مع السلطة الفلسطينية والأردن والسعودية".