تحدثت صحيفة "
بوليتيكو" الأمريكية عن الجدل الذي أثاره تعيين خبيرة
الاقتصاد الأمريكية فيونا سكوت مورتون في منصب أساسي ضمن
المفوضية الأوروبية.
وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن مورتون وُصفت بأنها واحدة من "أفضل الخبراء الاقتصاديين في العالم" بفضل سجلها الممتاز في الخدمة العامة.
ومع ذلك، أثار خبر تعيينها في منصب كبيرة الاقتصاديين في مجلس المنافسة الأوروبي حفيظة السياسيين الفرنسيين، لا سيما أنها أول شخص من خارج
الاتحاد الأوروبي يتولى مثل هذا المنصب الرفيع في المفوضية الأوروبية.
وتملك مورتون سجلا حافلا بتقديم استشارات منتظمة لكبرى شركات التكنولوجيا كان آخرها لشركة "مايكروسوفت"، وبالإضافة إلى كونها خبيرة اقتصادية، فهي أيضًا متخصصة في مكافحة الاحتكار وأكاديمية مؤثرة أثارت اهتمام الولايات المتحدة المتجدد بمعالجة القوة السوقية لكبرى الشركات، خصوصا التقنية منها بحسب الصحيفة.
ونقلت بوليتيكو عن الخبير الاقتصادي الفرنسي والحائز على جائزة نوبل، جان تيرول قوله، "إن المفوضية الأوروبية محظوظة للغاية لاحتضان شخص بمثل كفاءتها، كما أن مورتون تعتبر واحدة من أفضل الخبراء الاقتصاديين في العالم في مجال التنظيم الصناعي، ومساهما رئيسيا بشأن تنظيم قطاع التكنولوجيا وشخصا متحمسا للغاية للخدمة العامة".
وكان الوزراء والمشرعون الأوروبيون الفرنسيون دعوا المفوضية إلى التراجع عن قرار تنصيبها الذي يوحي بعدم وجود أي خبراء اقتصاديين أوروبيين مناسبين لهذا المنصب.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في المفوضية قوله، "في الواقع بدا أن المفوضية لا تمتلك خيارا آخر إذ استقبلت المفوضية 11 مرشحًا فقط بعضهم لم يكن لديه الحد الأدنى من المؤهلات المطلوبة، ولهذا كانت مورتون المرشح الأوفر حظًا، وقد تم توضيح ذلك خلال عملية الاختيار".
وأوضحت أن كبير الاقتصاديين في مجلس المنافسة الأوروبي يلعب دورا رئيسيا في تقييم الجوانب الاقتصادية للتحقيقات التي تجريها إدارات مكافحة الاحتكار والاندماج ومساعدة الدولة، وخلال فترة عملها التي تمتد لثلاث سنوات، يمكن أيضًا استدعاء مورتون لاتخاذ قرارات بشأن كيفية تطبيق قانون الأسواق الرقمية الذي سيضع قيودًا على كبرى شركات التكنولوجيا التي يُعتقد أنها تقيّد الخدمات الرقمية مثل البحث أو التطبيقات.
وقال أحد المديرين التنفيذيين في الصناعة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته للصحيفة، إن "واحدة من أكبر المهام التي تنتظر كبيرة الاقتصاديين في مجلس المنافسة الأوروبي في المفوضية الأوروبية هو تنفيذ قانون الأسواق الرقمية. فهل من الحكمة حقًا تعيين شخص قد ينتهي به المطاف بالتنازل عن جميع القضايا الكبيرة القادمة؟".
ووفق الصحيفة، فإن مورتون تعرضت لانتقادات عام 2020 لعدم إفصاحها سابقًا عن عملها في شركتي "آبل" و"أمازون" ومشاركتها في كتابة ورقتين بحثيتين توضّحان قضايا مكافحة الاحتكار التي يمكن اتخاذها ضد شركة "غوغل" و"فيسبوك". وأخبرت وكالة "بلومبيرغ" في تلك السنة بأن شركتي "آبل" و"أمازون" لم تدفعا لها لكتابة تلك الأوراق وأنها عملت "لصالح الشركات التي شعرت بأنها لا تنتهك القانون".
مسؤول في المفوضية الأوروبية أكد للصحيفة، "أن المشكلة لا تكمن في تضارب المصالح في الداخل، بل في تضارب المصالح في الخارج، بالنسبة لفيونا سكوت مورتون، قررنا أن نخطو خطوة أخرى إلى الأمام من خلال المطالبة بنظام أكثر صرامة".
وسبق أن أكد بيير ريغيبو، كبير الخبراء الاقتصاديين الحالي الذي من المقرر أن تحل محله مورتون في الأول من أيلول/ سبتمبر المقبل، أنه لن يعمل مرة أخرى في أي قضايا استشارية تتعلق بالمفوضية.
وذكرت الصحيفة "أنه قد يكون من الصعب تجاهل كون مورتون أمريكية الجنسية، بالنظر إلى تكثيف مسؤولي الاتحاد الأوروبي الحديث عن الأمن الاقتصادي والحكم الذاتي الاستراتيجي، وهي السياسات التي تحدد موقفًا أكثر صرامة بشأن الوصول التجاري من خارج الاتحاد الأوروبي إلى دول الاتحاد".
من جانبه، يتوقع توماسو فاليتي، الأستاذ في جامعة "إمبريال كوليدج" في لندن والذي شغل منصب كبير اقتصاديي مجلس المنافسة الأوروبي من سنة 2016 إلى سنة 2019، "أن مورتون قد تضطر إلى التعامل مع ملفات حساسة للغاية في جانب مساعدات الدولة، مثل أشباه الموصلات، وهذا الأمر يمكن أن يتحول إلى قضية سياسية"، لافتا إلى أن "الاضطرار إلى تجنب بعض التحقيقات مع كبرى شركات التكنولوجيا يعني أن قوة اللجنة تتضاءل"، ومشيدا في الوقت ذاته بأوراق اعتماد مورتون الممتازة، وفق بوليتيكو.
ونقلت عن بيل باير، مساعد المدعي العام السابق في قسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل الأمريكية قوله "إن المرشحة الأمريكية ذكية وسريعة للغاية، ولا تخشى مواجهة العمالقة"، مؤكدا "أن عملها رفع دور سياسة المنافسة وتحسين الإنفاذ، مما مهد الطريق أمام زيادة إجراءات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة حاليا".
من جهته، يعتقد ألبرتو أليمانو، أستاذ القانون في "إتش إي سي باريس"، أن تجربة سكوت مورتون في الولايات المتحدة ميزة إضافية موضحا أنها "مرشحة استثنائية للمنصب وقادرة على إعادة تفسير هذا الدور من خلال إثراء التفكير الأمريكي في سياسة المنافسة الأوروبية، وإذا نجت من موجة الانتقادات الحالية، فإنه لا توجد أسباب لإبعادها"، وفق الصحيفة.
وأكّد مسؤول المفوضية "عدم وجود أي حديث عن استقالتها وهي أيضا لم تبد أي نية للقيام بذلك" بحسب بوليتيكو.