شهدت محافظة
مأرب الغنية بالنفط، شمال شرق
اليمن، عدة صدامات مسلحة بين قوات أمنية وعسكرية حكومية وبعض قبائل المحافظة، وهو أمر أثار تساؤلات حول ما إذا انتهت العلاقة بين القوات الحكومية والقبائل في مأرب، تلك العلاقة التي طالما مثلت نموذجا في المحافظات جنوب وشرق البلاد.
ومطلع تموز/ يوليو الجاري، دارت مواجهات عنيفة بين قوات أمنية ومقاتلين قبليين شرقي مدينة مأرب، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
وبحسب الرواية الرسمية فإن القوات الحكومية كانت تنفذ عملية أمنية، للقبض على خلايا تعمل مع جماعة أنصار الله "الحوثي"، قبل أن يتصدى مقاتلون من قبيلة "آل فجيج" للقوات الحكومية. وتطور الصدام إلى مواجهات عنيفة بين الطرفين.
وجاءت الاشتباكات الأخيرة في وقت تواصل فيه
جماعة الحوثي حشد قواتها نحو جبهات وخطوط التماس جنوب وغرب وشمال مأرب، ما أثار مخاوف أوساط محلية من تأثير هذه التطورات الخطيرة على مستقبل المدينة التي تحتضن ما يزيد على المليوني يمني فروا من المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.
زعزعة استقرار مأرب
وفي السياق، يرى الكاتب والباحث اليمني في علم الاجتماع السياسي، عبدالكريم غانم، أن "الصدامات بين الأمن و الأجهزة العسكرية والقوى القبلية في مأرب، تأتي في ظل مرحلة انتقالية طويلة، تخللتها حرب طاحنة، لأكثر من ثماني سنوات، لم تتمكن خلالها السلطات القائمة من إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية وفق ضوابط دستورية وقانونية".
وقال غانم في حديث لـ"عربي21" إنه من المتوقع أن يظهر الصراع بين هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية في المراحل الحرجة.
وأضاف: "في هذه المرحلة التي تتسم بضبابية المشهد السياسي وبأزمات اقتصادية خانقة، يتعرض قطاع الأمن والجيش في مأرب لضغوط شديدة، فجماعة الحوثي ترفع من وتيرة التصعيد العسكري في الجبهات، لاسيما في محيط مأرب وجنوب المحافظة، حيث يدفع الحوثيون بتعزيزات عسكرية كبيرة، بالتزامن مع فشل الجهود الدولية والمفاوضات مع
السعودية في التوصل إلى اتفاق سلام، وحل سياسي ينهي الأزمة".
وتابع الكاتب اليمني، بأن "التوجهات الجديدة للسعودية، والمتمثلة في الانسحاب من النزاع المسلح في اليمن تجعل
الحكومة اليمنية تبدو في نظر بعض الفصائل الأمنية والعسكرية والقوى القبلية، عرضة للانهيار، ما قد يدفع بعض هذه القوى، للتفكير في القفز من السفينة الآيلة للغرق، إذ عادةً ما تقف القبائل مع الطرف الأقوى، بدوافع مختلفة، منها الحرص على البقاء".
وأكد الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن "صعوبة التوافق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والقوى القبلية الموالية للحكومة في مأرب خلال هذه المرحلة تحديدًا، يرجع إلى تضاؤل التمويل الذي تتلقاه هذه القوى والأجهزة الأمنية والعسكرية للقيام بمهامها".
ومضى قائلا: "منذ أكثر من شهرين فرضت جماعة الحوثي حصارًا اقتصاديًا خانقًا على محافظة مأرب، من خلال حرمان هذه المحافظة من عائدات بيع الغاز للمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، بعدما استبدلت الجماعة الغاز المستورد من الخارج بالغاز المحلي".
ويعتقد الباحث اليمني، أن "الغرض من هذه الخطوة هو زعزعة استقرار محافظة مأرب، تمهيدًا لاجتياح مركز المدينة ومواقع الشركة النفطية، الأمر الذي فشلت في تحقيقه جماعة الحوثي طوال السنوات الماضية".
وتابع: "هذه المقاربة لتفسير الصدام بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والقوى القبلية في مأرب لا تنفي تأثير العوامل البنيوية المتجذرة، التي تتطلب إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية في مأرب وغيرها من المحافظات اليمنية وفق أسس وطنية، بعيدا عن الاعتبارات الحزبية والمناطقية، ووفق محددات دستورية وقانونية جديدة، تتلاءم مع متطلبات الانتقال السياسي، فإصلاح هذه الأجهزة وفقًا للنماذج كانت متبعة في مرحلة ما قبل 2011 لم تعد مجدية".
وبشأن حلول ومعالجات هذه المشكلة، أشار غانم، إلى أن "من هذه الحلول ما هو آني، يتعلق بفك الحصار الاقتصادي على المحافظة، من خلال منع دخول الغاز المستورد كبديل للغاز المحلي، والتوصل إلى اتفاق هدنة، إن لم يكن سلاما دائما، ينهي الضغط المستمر الذي تعانيه الأجهزة الأمنية والعسكرية والقوى القبلية التي تتمركز في نقاط التماس".
إضافة إلى الحلول الجذرية المتمثلة في "إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية، استنادًا لمحددات تشريعية حديثة، تستجيب لاحتياجات المرحلة الراهنة"، بحسب تعبيره.
تفجير الصراعات
من جهته، قال ناصر مساعد بن كامل، أحد أبناء "آل فجيج" في قبيلة عبيدة، إنه "لاشك، أن العدو المتربص متمثلا بجماعة الحوثي له دور في تفجير الصراعات المتتالية بين الأجهزة الأمنية والعسكرية من جهة وبين بعض قبائل عبيدة من جهة أخرى".
وأضاف ابن كامل وهو مسؤول التأمينات والمعاشات في السلطة البلدية بمأرب في حديثه لـ"عربي21" أن لجماعة الحوثي أيضا، دور في إثارة النعرات والثارات بين القبائل، إضافة إلى أياد أخرى داخلية وخارجية لا يسرها صمود محافظة مأرب".
وأشار إلى أنه "بات ملاحظا، في أكثر من مرحلة أن هذه المحاولات تتصاعد أثناء الهدن وركود الجبهات"، داعيا إلى أن "يعي الجميع في مدينة مأرب، أهمية الدولة ووجودها ووجود المؤسستين الأمنية والعسكرية للحفاظ على الطرق والممتلكات الخاصة والعامة".
وتابع المسؤول المحلي، بأن "الأمن يصون الجميع وإذا غاب وجوده أو ضعف دوره، فسوف تزداد الاغتيالات والسرقات وتلغيم الطرقات وغيرها من الظواهر السلبية".
وأضاف: "كافة المكونات والقوى الفاعلة، مطالبة بالقيام بدورها وعلى رأسها الإعلاميون والخطباء ووجهاء القبائل، أن يمارسوا دورا فعالا في تذكير الناس بتربص جماعة الحوثي والعدو الخفي، وأن هذه القبائل ومناطقها أول من سيكتوي بنارهم"، مذكرا القبائل بالنازحين الذين قال إنهم "أكبر عبرة".
وطالب ابن كامل السلطات الأمنية في مدينة مأرب "برفع مستوى التوعية لدى ضباط وأفراد الجهاز الأمني حول أهمية التعامل مع أبناء القبائل المتواجدين في مناطقهم، وأن يمارسوا ضبط النفس مع الطائشين والمتهورين والمغرضين أو المندسين في تلك المناطق والذين يحاولون تفجير الصراعات".
ولفت إلى "أهمية أن تقوم قيادة الحملات الأمنية الطارئة بالتواصل المسبق مع أعيان المنطقة أو القبيلة التي ينتمي إليها بعض الأشخاص المعرقلين لمهامهم".
وشدد على "ضرورة أن تكون هناك خطوط وقنوات تواصل مستمرة مع قيادات القبائل لرفع مستوى الثقة المتبادلة بالأجهزة الأمنية"، التي طالبها أيضا "بعدم اللجوء إلى استخدام السلاح بصورة قاتلة قدر المستطاع، والتعامل وفق مبدأ ’الراعي الذي يتحمل رعيته أو الوالد الذي يصبر على طيش أبنائه‘"، بحسب قوله.
طرف ثالث
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة "إقليم سبأ" بمدينة مأرب، عبدالخالق السمدة، إنه يعتقد أن "هناك طرفا ثالثا لا يريد لمأرب أن تهدأ وتستقر ويسعى إلى تشويه الأجهزة الأمنية والنيل من وظيفتها السامية في خدمة أمن وسكينة هذه المحافظة".
وتابع السمدة في حديثه لـ"عربي21" بأن الطرف ذاته، الذي لم يسمه، "يسعى كذلك لتشويه الدور الوطني للقبيلة المأربية وقيمها وحضارتها المدنية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ كأول حضارة مدنية أوتيت من كل شيء، وبالتالي إظهارها كرافضة لمدنية الدولة والخضوع لسلطة القانون".
وأكد الأكاديمي اليمني، أن "استهداف لمأرب، سيفشل بحكمة رجال القبائل ورجال السلطة المحلية ولن تنجر هذه المحافظة إلى مخططات المليشيات، لا سيما أن الجميع مستشعر لمسؤولياته سلطة وقبائل".
وخلال السنوات الماضية، شهدت مأرب، صدامات مسلحة بين قوات الجيش والأمن ومقاتلين ينتمون إلى قبائل المحافظة، على خلفية "أعمال قطع للطرقات ورفض تمركز القوات الحكومية في المناطق القبلية".