رافق قرار الرئيس
التونسي قيس سعيّد إعفاء رئيسة حكومته
نجلاء بودن، وتعويضها بالموظف الحكومي المتقاعد أحمد الحشاني، غموضا بشأن مصير بقية الوزراء.
وفي بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية نُشر في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء الماضي، قرر الرئيس قيس سعيّد إقالة رئيس
الحكومة نجلاء بودن، المرأة الهادئة التي لا تعصيه، دون توضيح أسباب الإقالة.
وعيّن سعيّد المدير السابق للشؤون القانونية في البنك المركزي التونسي أحمد الحشاني رئيسا للحكومة، وهو رجل لا يُعرف عنه في الساحة السياسية أي نشاطات تذكر سواء في صف المعارضة أو الحكم، كما أنه لا تعرف عنه أي كفاءة اقتصادية.
وقبل أيام من ذلك، التقى سعيد في مبنى رئاسة الحكومة كلا من رئيسة الحكومة بودن ووزيرة المالية، ولم يخف امتعاضه من أداء الحكومة، خاصة في ما يتعلق بتوفير المواد الأساسية، ولا سيما توفير الخبز الذي يشهد منذ فترة تذبذبا كبيرا في توفيره وتوزيعه.
في المقابل، فإنه ما زال لا يُعرف مصير الوزراء الذين اختارتهم نجلاء بودن ضمن طاقمها الحكومي بعد تعيينها من قبل سعيّد.
وفي 29 أيلول/ سبتمبر 2021، كلف الرئيس التونسي سعيّد، نجلاء بودن رمضان بتشكيل حكومة جديدة للبلاد، بعد شهرين من إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو من العام ذاته، والتي تضمنت إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي وكامل حكومته.
وبدأت حكومة بودن عملها في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بتشكيلة تتكون من 24 وزيرا، إضافة إلى كاتبة دولة وحيدة.
إقالات في حكومة بودن
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، أقال سعيّد ستة وزراء من حكومة نجلاء بودن، من بينهم وزير الداخلية، مع تعيين آخرين خلفا لهم.
أغلب التوقعات كانت تتحدث عن "تحوير (تغيير) حكومي بعد انتخابات مجلس النواب"، وقد أجريت بالفعل في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وسط سياق مشحون وإقبال ضعيف.
بدأت إقالات سعيد، في 7 كانون الثاني/ يناير الماضي، بإعفاء وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي من مهامها.
وفي الـ30 من الشهر نفسه، أجرى سعيد، تعديلا آخر على الحكومة بإقالة وزيري التعليم فتحي السلاوتي، والزراعة محمود إلياس حمزة.
وفي 7 شباط/ فبراير الماضي، أقال وزير الخارجية عثمان الجرندي، الذي كان يحتفظ بمنصبه منذ تعيينه في حكومة هشام المشيشي عام 2020.
وفي الـ23 من الشهر نفسه، أقال وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي، الذي كان يشغل أيضا منصب الناطق باسم حكومة بودن.
وكان سعيد قد قَبِل في 8 آذار/ مارس 2022، أول استقالة بحكومة بودن، وهي "عائدة حمدي" كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة.
وفي 17 آذار/ مارس من الشهر ذاته، أعلنت الرئاسة التونسية أن الرئيس سعيّد عيّن محافظ العاصمة كمال الفقيه وزيرا للداخلية بدلا من توفيق شرف الدين الذي أقيل من منصبه.
وكان شرف الدين أعلن قبل ذلك بساعات -في تصريح صحفي- أنه استقال من منصبه لأسباب عائلية، لكن البيان الذي نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية أوضح أن سعيّد أصدر أمرا بإنهاء مهامه على رأس وزارة الداخلية.
وأثار قرار تغيير رئيسة الوزراء عديد التساؤلات بشأن مصير أعضاء الحكومة التونسية، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة لم تعشها البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956.
"كل شيء ممكن"
أستاذ القانون بالجامعة التونسية شاكر الحوكي، اعتبر أنه "لو كنا في وضع عادي واعتمدنا دستور 2014 لكانت استقالة رئيس الحكومة بمثابة استقالة الحكومة ككل".
واستدرك، في حديثه لـ"عربي21"، بالقول: "إلا أن الوضع مع قيس سعيّد وبقطع النظر عن ما خطه في دستوره، فإن كل شيء ممكن في إطار حالة العبث والاعتباط السائدة".
ورجح الحوكي أن "يحافظ سعيّد في الوقت الحالي على الرجل القوي في حكومة بودن وذراعه اليمنى وزير الداخلية كمال الفقيه ونفس الشيء بالنسبة لوزير الشؤون الاجتماعية ووزير الشؤون الدينية ووزيرة العدل الذين يعدون بالفعل أعمدة نظامه وأدواته في تنفيذ مشروعه الهلامي".
وأضاف أستاذ القانون بالجامعة التونسية أن "هذا عدا عن التوازنات التي أصبحت تفرض نفسها سياسيا وجهويا بفضل وجود هؤلاء في حكومته. ثم إن بودن لا تمثل إلا نفسها وعلاقتها بأعضاء حكومتها شكلية إذ إن الرئيس يتعامل معهم كأعضاء في حكومته لا كأعضاء في حكومة بودن".
"محور السلطة التنفيذية"
الناشط السياسي والباحث في القانون، عدنان الكرايني، اعتبر بدوره أنه "بحسب النص الدستوري الذي وضعه قيس سعيّد، فإن محور السلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "الحكومة في تبعية هيكلية ووظيفية لرئيس الجمهورية، فهو من يعين رئيسها ويعين بقية أعضائها ويعفيهم بنفس الطريقة، حتى وإن بدى ذلك باقتراح من رئيس الحكومة، فإن ذلك يبقى صوريا لا يمكن أن يرجح الكفة لغير إرادة رئيس الجمهورية".
وتابع الكرايني: "رئيس الحكومة الذي يعينه رئيس الجمهورية ليس سوى وزيرا أول له مهمة التنسيق بين أعضاء الحكومة وهو لا يختار حكومته، وإقالته لا تعني إقالة كل الحكومة، فلا تنصيص دستوريا صريحا على ذلك على عكس ما ينص عليه الفصل 98 من دستور 27 كانون الثاني/ يناير 2014"، مفسرا ذلك بأن رئيس الجمهورية هو من يمسك دفة الجهاز الحكومي بدليل اختصاصه المطلق في التعيين والإعفاء والتوجيه ورسم السياسات العامة.
وشدد على أن "إقالة كل الحكومة منصوص عليها بصريح العبارة في الفصل 102 الدستور الجديد بأن رئيس الجمهورية له كامل الصلاحية في إعفاء الحكومة كاملة تلقائيا بما فيها رئيسها، لكن يمكن أن يشفع تعيين رئيس جديد للحكومة بعملية تحوير شاملة لكل الوزراء، على حد تعبيره.
ومن الناحية السياسية، قال الكرايني إن "تعيين الحشاني لا يبدو أنه سيكون له أثر جلي خاصة أنه خريج كلية الحقوق بتونس وليس رجلا بكفاءة اقتصادية، رغم عمله السابق كمدير عام للشؤون القانونية في البنك المركزي. ويبدو أن
قيس سعيد له رغبة في إحاطة نفسه بزملائه السابقين من نفس الاختصاص العلمي بغض النظر عن الكفاءة".
وأشار إلى أن "هناك مؤشرين أساسيين يحيطان بهذا التعيين، فالمؤشر الأول، حساب السيد الحشاني على موقع فيسبوك فيه هجوم على قيس سعيد إبان الانتخابات الرئاسية 2019 واعتبره رجعيا وخطرا على الدولة المدنية، وهذا يعطي مؤشرا أن سعيد لا يعرف الشخص الذي قام بتعيينه، وهو ما يفتح باب التفكير في مدى سيطرة سعيد على قراراته".
أما المؤشر الثاني بحسب الكرايني، فيتمثل في "ظروف التعيين مع منتصف الليل ولا أحد يعرف أسباب إقالة نجلاء بودن ولا أحد له فكرة عن مسار تعيين أحمد الحشاني، وهو ما يعطي انطباعا حول الغموض في إدارة الدولة التونسية، منذ 25 تموز/ يوليو 2021، ومقولة الغرف المظلمة التي تكررت كثيرا في خطابات قيس سعيّد ضد خصومه تتجسد الآن في تسييره للدولة".
علاقة الرئيس بالحكومة
وتنظم عدد من الفصول الواردة بالدستور الجديد وخاصة في الباب الرابع المتعلق بالوظيفة التنفيذية، صلاحيات رئيس الجمهورية في علاقة برئيس الحكومة وتعيينه حيث ينص الفصل 101 من الدستور على أن رئيس الدولة يعين رئيس الحكومة، كما يعين بقية أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وينص الفصل 102 على أن رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيّا أو باقتراح من رئيس الحكومة.
وبحسب الفصل 87 في باب الوظيفة التنفيذية، فإن رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة.
ووفق الفصل 100 من الدستور، يضبط رئيس الجمهورية السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسيّة ويعلم بها مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وله أن يخاطبهم معا إما مباشرة أو عن طريق بيان يوجه إليهما.
وتنظم الفصول من 111 إلى 116 من الدستور في باب الوظيفة التنفيذية وفي القسم الثاني المتعلق بالحكومة، مشمولات الحكومة وصلاحياتها حيث "تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية" (فصل 111)، وهي "مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية" (الفصل 112) .